يريد سعد أن يترك بغداد والفوضى التي تعمّها ليهاجر إلى أوروبا، إلى الحرية، إلى المستقبل، لكن كيف يقطع الحدود دون دينار في جيبه؟ فشأنه شأن أوليس بطل أوديسة هوميروس يجابه العواصف، ينجو بعد أن غرق مركبه، يفلت من مهربي الأفيون، يصم أذنيه عن غناء الحوريات، وعليه أن يبتعد عن إغراءات الغرام، تبدو لنا الرحلة تارة عبثية، مضحكة وطورًا مأساوية، إذ تبدأ رحلة سعد ولا عودة منها. الكاتب إريك إيمانويل شميت، يمزج بمهارة السياسة بسحر الشرق، فيروي قصة أليمة لبلد، ويبعث بفرح الأشباح ويجعلها تتحدث، تختلط المأساة بروعة الخيال ونزواته، كل ذلك في روايته «أوليس البغدادي»، الصارة حديثًا عن دار الفارابي للنشر. إريك إيمانويل شميت ولد في 28 مارس 1960، روائي وكاتب مسرحي ومخرج فرنسي من أصول بلجيكية، قدمت أعماله في المسارح العالمية، واشتهر في الوطن العربي برواية مسيو إبراهيم وزهور القرآن، ورواية أوسكار والسيدة الوردية. صدرت في العام 2005، عن دار الشروق الترجمة العربية للرواية الذائعة الصيت "مسيو إبراهيم وزهور القرآن"، بترجمة وتقديم الكاتب محمد سلماوي، وهي رواية قيمة تسمو فوق العنصرية والتعصب لتقدم لنا علاقة إنسانية بين مسلم ويهودي، شرقي وغربي، كهل وفتى. ومن فرط نجاح الرواية تحولت إلى فيلم شهير بطولة الممثل الكبير عمر الشريف الذي فاز عن دوره فيها عدة جوائز. وإريك إيمانويل شميت أحد أنجح وأهم كتاب فرنسا الآن، ورواية " مسيو إبراهيم وزهور القرآن" – التي تعتبر أشهر رواياته- هي واحدة من أربع روايات تحمل اسم "سلسلة غير المرئي" تناول فيها المؤلف مختلف الأديان، وتأتي هذه الترجمة لأشهر روايات شميت كأول ترجمة عربية شرعية للرواية تتم وفق القوانين المنظمة لحق الملكية الفكرية. ويعالج في روايته «طائفة الأنانيّين»، (ترجمة أحمد الويزي، المركز الثقافي العربيّ، بيروت – الدار البيضاء 2014)، ظاهرة الأنانيّة التي يجدها متّسعة باطّراد في مختلف الأزمنة والأمكنة، وتتّخذ طابع الطائفيّة الممجوجة، ترسم حول مريديها خطوطاً مكهربة، وتفرض عليهم أسواراً تحول دون التواصل البنّاء مع الآخرين. يتحدّث الكاتب عن أحد الباحثين الذي يشعر بالكراهية إزاء عمله البحثيّ في المكتبة، ينبش في ركام الكتب، يقرّر قراءة شيء غير مفيد، أيّ شيء كيفما اتّفق. يقرّ قراره على هتك القاعدة المعتمدة في البحث، وعلى الاستهتار بكلّ شيء، واختيار القراءة لغاية المتعة فحسب. اختار ارتكاب شيء يعتبر في البحث جناية. يختار رقماً معيّناً، يكتشف أنّه المعجم القوميّ، يفتحه بطريقة اعتباطية، يقرأ عن الأنانيّة التي توصف بأنّها كلمة فلسفيّة. يذكر التعريف الذي يورده شميت أنّ الأنانيّ صفة تطلق على كلّ شخص يعتقد أنّه يوجد وحده في العالم، بينما البقية ليست سوى مجرّد أطياف وأوهام، ويشير إلى أنّه وجد بباريس في مطلع القرن الثامن عشر رجل ارتبط اسمه بهذه النزعة العابثة وهو غاسبار لانغونهيرت من أصول هولنديّة. وكان شابّاً وسيماً، يحاول أن يصبغ أفكاره بصبغة فلسفيّة، ويسعى إلى ابتداع مذهب فلسفيّ خاصّ به. ينطلق شميت ببطله في دوّامة الشكوك وعالم من الأسئلة الوجوديّة المقلقة المحيّرة له. يتساءل بطله المدافع عن نظريته الفلسفيّة التي يسمّيها «الأنانيّة»: ماذا لو لم تكن الحياة سوى حلم وكلّ ما في الطبيعة ليس إلا صوراً ذهنيّة متخيّلة؟ يشير الروائيّ إلى أنّ بطله الذي يعثر عليه بالمصادفة في بطن معجم متروك ابتدع مذهبه الفريد، وانطلق من الشكّ المشروع الذي يمكن أن يطاول حدود معارف الإنسان إلى ذلك الإثبات الذي أشار فيه الى أنّ الأشياء لا توجد إلا في ذاته ومن أجلها. ظلّ يتنقل بين الصالونات ليعلن على أعضائها أنّه الموجود الوحيد في العالم، وأنّ الآخرين غير موجودين إلا لإكمال صورته ووجوده.