بعد سنوات من القطيعة وصلت إلى حد العداء وتبادل الاتهامات طوال أكثر من عقدين من الزمان، زار الرئيس الأوغندي يوري موسفيني الخرطوم، حيث وصفت الزيارة بالتاريخية كونها طوت حقبة من الخلافات المعلنة والمستترة بين السودان وأوغندا. ولطالما اتهمت الحكومة السودانية نظيرتها في كمبالا بدعم وإيواء الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل استقلال الجنوب السوداني، كما اتهمتها أيضًا بأنها تفعل الآن الشيء نفسه مع الجبهة الثورية التي تضم عدة حركات سودانية متمردة. من جانبها، تتهم كمبالا الخرطوم بدعم وإيواء متمردي جيش الرب الأوغندي بزعامة جوزيف كوني المصنف ضمن المجموعات الإرهابية في المنطقة، غير أن متابعين يرون أن الزيارة المفاجئة لموسفيني للخرطوم جاءت على خلفية ثلاثة أسباب، أولها التحركات الأمريكية الأخيرة في المنطقة خلال الشهر الماضي، والتي توِّجت بزيارة المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، إلى الخرطوم بداية الشهر الحالي، وملف جنوب السوداني والملف الأمني بين الدولتين. وبعد نقاشات مستمرة ليومين بين "البشير" و"موسفيني" اتفق الجانبان على حسم جملة من الملفات والقضايا العالقة، وبمجرد الحديث عن القضايا العالقة يتبادر إلى الذهن الملف الأمني المتعلق بالاتهامات المتبادلة بين الدولتين، وقد تجاوز الطرفين هذه المسائل خلال الزيارة بالاتفاق على تعزيز المسائل الأمنية لصالح البلدين، وذلك بتنشيط اللجنة الأمنية المشتركة وتعزيز برامج التدريب العسكري في المؤسسات العسكرية بين الجانبين ، ووجه رئيسي السودان وأوغندا "عمر البشير" و" يوري موسفيني" رؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات في الدولتين على التعاون وتنسيق الجهود في المجالات الأمنية بما في ذلك استئناف عمل اللجنة الأمنية المشتركة للتغلب على الخلافات الأمنية بين الجانبين والتوصل إلى تفاهمات مهمة تتعلق بالجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار بالبشر. وأمر الجانبان وزراء الداخلية بالتوقيع على مذكرة تفاهم مثلما طالب الوزراء المختصين بالتوقيع على مذكرات تفاهم في مجال التعليم العالي والشباب والرياضة، وأشار بيان خارج عن الرئيسين إلى اتفاق الزعيمان على استثمار هذه الزيارة التاريخية لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما وتذليل كافة الصعاب والعقبات التي تلقي بظلالها على البلدين ، ووجه الرئيسان وزيري خارجية البلدين إلى ضرورة تنشيط انعقاد اللجنة الوزارية الدائمة المشتركة ولجنة التشاور السياسي في أقرب وقت يتم الاتفاق عليه. ونفى وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور أن تكون الزيارة بضغط من أمريكا أو غيرها وقال إنها مبرمجة منذ فترة، وأضاف في حديثه للصحفيين، أن الخرطوم وكمبالا ستعملان على استقرار جنوب السودان باعتبار أن البلدين يتأثران بما يحدث فيها، حيث تدور حرب، منذ منتصف ديسمبر 2013، بين قوات الحكومة برئاسة سلفا كير ميارديت والمتمردين الذين يقودهم ريك مشار وهو نائب الرئيس الذي أطاح به سلفا كير. ويشير بعض المراقبين إلى إرتباط الزيارة بالضغوط الأخيرة التي مورست على فرقاء جنوب السودان وأجبرتهم على توقيع اتفاق سلام في الشهر الماضي، إضافة لما يتم التحضير له من جمع للفرقاء السودانيين وفقا للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تصب في اتجاه جمع المعارضة السودانية- بشقيها المدني والعسكري- مع الحكومة على طاولة مفاوضات تنهي النزاع الذي خلق جوا من التوتر في المنطقة. و رحب الرئيسان بالاتفاق الذي توصل إليه طرفا النزاع في دولة جنوب السودان وأكدا حرصهما على بذل ما يمكن من جهود لمنع العودة إلى مربع الحرب في الجنوب مرة أخرى،وركز البشير على الآثار المدمرة لهذه الحرب على السودان واوغندا حيث يعانيان من إفرازاتها وتبعاتها على شعبي البلدين، وأشار البيان الختامي إلى أن الرئيسين البشير وموسفيني اتفقا على استثمار هذه الزيارة في فتح صفحة جديدة في العلاقات وتجاوز كل الصعاب والعقبات التي تلقي بظلالها على البلدين.