بدأ الجيش المصري، أمس الجمعة، في إغراق الحدود مع غزة بالمياه ما تسبب بتدمير جزئي في بعض الأنفاق، كما أكد خبراء أن تلك الفكرة تنذر بانهيار تام في التربة خلال الأيام القليلة القادمة . وتوقع خبراء، أن كميات المياه الكبيرة التي ضخها الجيش المصري قد تتسبب في انهيارات أرضية بالمنطقة الحدودية، وهو ما قد يعرض حياة الفلسطينيين الذين يقطنون في تلك المنطقة للخطر، فقد تنهار منازلهم في أية لحظة . وبعد تدفق المياه التي بدأ الجيش في ضخها بكميات كبيرة في الأنفاق الغير شرعية، عبر عدد من أصحاب المنازل على الشريط الحدودي عن خشيتهم من انهيار منازلهم التي غمرت تربتها المياه، مؤكدين أنهم يعملون منذ فجر أمس على سحب المياه التي غمرت النفق، خشية من تعرضه للانهيار، ولكن كميات المياه التي ضخها الجيش المصري كبيرة جدًا وأدت لانهيار عدد من الأنفاق التي عجز أصحابها عن سحبها بسرعة . وحفاظًا على أمنها القومي شرعت السلطات المصرية بتنفيذ مخططاتها المتعلقة بإقامة أحواض سمكية على طول الحدود الفاصلة مع غزة من خلال إغراق تلك المناطق التي حفرتها من قبل بمياه البحر المالحة . وتهدد هذه العملية مستقبل التربة وتنذر بتلف تلك المنطقة الحدودية، وسط تخوف سكان مدينة رفح الفلسطينية من انهيارات بأبنيتهم السكنية القريبة من الحدود . ويعود تاريخ حفر الأنفاق إلى أوائل الثمانينيات بعد ترسيم الحدود بين مصر والكيان الصهيوني عقب اتفاقية "كامب ديفيد"، حيث كانت تستخدم لتهريب السجائر والذهب والسلع وبعض العملات الأجنبية. ومع بدء الانتفاضة الأولى عام 1987 استخدمت الأنفاق لتهريب الأسلحة، وكان لا يتعدى طول النفق أنذاك الثلاثين مترًا، ويتم حفرها من الجانبين، ويربط كل نفق بين منزلين متقابلين على جانبي الحدود . وشرعت السلطة الفلسطينية أواخر عام 1994، في محاربة الأنفاق في إطار التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ضمن اتفاقية أوسلو للسلام . ودمرت قوات الكيان الصهيوني آلاف المنازل المحاذية للشريط الحدودي، الأمر الذي زاد من طول هذه الأنفاق، حيث يبلغ طوله الحالي ما بين 700 و1000 متر، بعمق يصل إلى ما بين 15 و 40 قدمًا . ونشطت تلك الظاهرة مع اندلاع انتفاضة الأقصى قبل 15 عامًا، حيث استخدمتها فصائل المقاومة الفلسطينية لتهريب الأسلحة والذخائر. ومع اشتداد وطأة الحصار الذي فرضه الكيان الصهيوني منتصف يونيو 2007 على قطاع غزة وازدياد وتيرته، اتجه الفلسطينيون للأنفاق لسد رمق احتياجاتهم وتهريب الأدوية والأغذية والدواء والوقود. وفي البداية كانت الأنفاق تعمل في نقل بضائع خفيفة مثل السجائر والأطعمة المحفوظة، ثم تطور الأمر لنقل الدقيق والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية. وشيئاً فشيئًا بدأت الأنفاق تورد لقطاع غزة كافة المنتجات والسلع التموينية، لتمتد لتخصيص أنفاق لنقل مواد البناء والماشية وتهريب قطع الغيار الدقيقة للإلكترونيات وأحدث أجهزة الاتصالات الحديثة، والمركبات والآليات بمختلف أشكالها وأنواعها . واتسع نطاق عمل الأنفاق ليشمل إدخال الحيوانات البرية، حيث افتتحت في القطاع بفضلها العديد من حدائق الحيوان "الصغيرة"، التي تضم حيوانات مفترسة كالأسود والنمور والضباع، وغيرها من القرود والنسانيس، والنعام . ولم يعد الفلسطينيون يعتمدون على الأدوات البدائية والبسيطة لحفر الأنفاق، بل لجئوا للتقنيات الحديثة والمعدات الآلية ليصبح احتمال انهيار النفق بسيط، وعمره أطول، وسرعة إنجازه، بحيث لا يتجاوز الثلاثة أشهر . وأصبح لحفر النفق مصممون يرسمون خرائط للنفق، وحفارون متخصصون، ومهندسون يشرفون على عمليات الحفر ويقومون بإصلاح ما يتم هدمه من أنفاق وتطويرها بزيادة عدد فتحاتها. ولم يقتصر التهريب على البضائع، فمع إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد بين قطاع غزة والعالم الخارجي، أصبحت تستخدم الأنفاق لتهريب الفلسطينيين من خارج فلسطين والمغتربين الذين يودون العودة . وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية كانت الأنفاق تتعرض لقصف دائم من قبل الكيان الصهيوني فما من عدوان يشن على غزة، إلا وتكون الأنفاق عنوانه الأول، وفي الحربين الأخيرتين على القطاع (2011-2014)، أجهز الطيران الإسرائيلي على أكثر من 50% من الأنفاق .