تزخر مصر بالعديد من الأماكن والآثار التاريخية التي يجهل الكثير من المصريين تاريخها الحقيقي، في ظل عدم انتشار الوعي الأثري والتاريخي.. و"البديل" بدورها تبنت حملة "اعرف تاريخك"؛ لنشر الوعي لدى المواطن المصري بتاريخ بلاده من خلال آثارها، ومنها "جامع الملكة صفية". وقال صلاح الناظر، باحث أثري حر، إن جامع الملكة صفية الموجود في ميدان الملكة صفية بشارع محمد علي بالدرب الأحمر يتبع منطقة آثار جنوبالقاهرة، بدأ بناؤه سنة 1019 ه / 1610م، على يد "عثمان أغا" بن "عبد الله أغا دار السعادة"، مملوك الملكة صفية، وتوفي قبل أن يكمل بناءه، فعهدت الملكة إلى عبد الرزاق أغا برفع دعوى أمام القاضي تفيد أن عثمان أغا كان عبداً لها ومملوكًا ولم تعتقه، وبهذا لا يحق له تسجيل الجامع باسمه. وأكد "الناظر" أنه صدر الحكم الشرعي لصالح الملكة، وقامت بتعيين إسماعيل أغا ناظراً شرعيًّا على أوقاف الجامع، وكلفته بإتمام بناء الجامع، فأتمه، وكتب اللوحة التذكارية التأسيسية، وثبتها فوق الباب الأوسط للقبة، وكانت الملكة صفية من أسرة بافو النبيلة في فينيسيا، وأبوها حاكم جزيرة كورفو. وأضاف "كانت الملكة في رحلة بحرية في سفينة مع بعض السيدات النبيلات في طريقها إلى والدها، وتعرضت سفينتها لعملية قرصنة بحرية، وكانت وقتها في الرابعة عشرة من عمرها وكانت فائقة الجمال، واستقر بها الحال إلى أن بيعت وألحقت بالقصر الملكي في استانبول. تقربت من السلطان مراد الثالث وتزوجها، وفي 974ه / 1567م، ولدت له السلطان محمد خان الثالث، وتولى ابنها محمد خان السلطنة 1595م، فزاد نفوذها، ولعبت دورًا في سياسة الدولة". وأوضح "الباحث الأثري" أن جامع الملكة صفية هو ثالث جامعبمصر وضع تخطيطه على مثال الجوامع العثمانية في استانبول، وأولها جامع سليمان الخادم بالقلعة، وثانيها سنان باشا في بولاق، ويلي جامع الملكة صفية جامع محمد بن أبو الذهب، وأخيراً جامع محمد علي بالقلعة. وأضاف أن "الجامع مصمم على شكل مستطيل، ينقسم إلى قسمين: الشرقي مربع في وسطه ستة أعمدة من الجرانيت، تحمل عقواًحجرية تحمل فوقها قبة كبيرة، وهي من أندر القباب العثمانية في مصر، ويبلغ ارتفاعها 17.6 مترًا، والجدار الشرقي وهو جدار القبلة بارزمن منتصفه عنالضلع الشرقي للمربع، وبهذا البروز محراب مكسو بالرخام، ويجاور المحراب منبر من الرخام بزخارف مفرغة هندسية ونباتية. وتابع أن "القسم الثاني الغربي من الجامع يتكون من صحن مكشوف حوله أربعة إيوانات مغطاة بقباب صغيرة، ويتصل الصحن بإيوان القبلة الأمامي عن طريق ثلاثةأبواب أهمها الأوسط ويعلوه عقد مقرنص وعليه لوح رخامي كتابي يتضمن اسم المُنشأةوتاريخ الإنشاء واسم الناظر المشرف على الجامع. وفي الواجهات الثلاثة للصحن المكشوف الجنوبية والشمالية والغربية المبنية كلها من الحجر أبواب تؤدى إلى داخل الصحن، وواجهات الجامع تسودها البساطة". وأشار إلى أن "علي باشا مبارك" ذكر في الخطط الجديدة لمصر أن جامع الست صفية مرتفع عن الأرض بنحو أربعة أمتار، وله بابان يُصعد لهما بسلالم متسعة مستديرة، وله صحن واسع حولهإيوان مسقوف بقباب قائمة على أعمدة من الحجر والرخام، وبداخل مقصورة الصلاة محراب ومنبر، وميضأته منفصلة عنه. كما ذكر علي مبارك أنه من إنشاء عثمان أغا،ثم آل بطريق شرعي إلى سيدته الملكة صفية، وبكل من الواجهتين الجنوبية والغربية سلم صاعد كبير نصف دائري يؤدي إلى المدخل أمام الواجهة البحرية، مرجحًا أن هذين السلمين لم يُنشآ في الأصل. وقامت لجنة الآثار العربية في عصر الملك فؤاد الأول 1917 – 1935 بالكشف عن واجهات الجامع التي كانت قد اختفت خلف العديد من المنازل التي بنيت حول الجامع، فقامت اللجنة بنزع ملكية هذه المنازل وهدمها وإزالتها، فظهرت الواجهات على أصلها ورونقها القديم بعد ترميمها.