تُعتبر مذكرات سعد زغلول من أهم المذكرات السياسية، ربما على مستوى العالم العربي بأكمله، إذ تنبُع أهميتها من كونها مذكرات حقيقية، كتبها زغلول بشكل شبه يومي ولاستخدامه الشخصي، وليست للنشر، وبالتالي فهي ليست "ذكريات"، أي مثل تلك التي كتبها معظم الساسة العرب بعد انتهاء الحدث وبأعصاب باردة، وبمونتاج مختلف، تغلفها أطياف البطولة، من هنا تأتي أهمية مذكرات سعد زغلول، التي لم يكتب فيها عن معاركه السياسية فحسب، بل لم يستنكف أن يكتب فيها عن أوقات أزماته المالية، وخلافاته الزوجية. صدر حديثًا عن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، كتاب مذكرات سعد زغلول "الجزء الحادي عشر"، إشراف وتحقيق وتقديم لطيفة محمد سالم، ويذكر أن الأجزاء ال9 الأولى صدرت سابقًا في التسعينيات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالتعاون مع دار الكتب والوثائق، بتحقيق عبد العظيم رمضان، ثم صدر الجزء العاشر عام 2011 عن دار الكتب والوثائق، من تحقيق لطيفة محمد سالم، ويصدر لاحقًا الجزء الثانى عشر والأخير من المذكرات. لا يخفى عنا مكانة سعد زغلول (1858- 1927)، الزعيم المصري وقائد ثورة 1919، وأحد أبرز الزعماء المصريين على مدار التاريخ، والذي شغل منصب رئاسة الوزراء ومنصب رئيس مجلس الأمة.. «ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكرات»، بهذه العبارة بدأ مذكراته التي ظل الغموض يحوم حول بعض سطورها، فتارة يصرح سعد بأنه يحب القمار ويعشقه ولا يستطيع التخلي عنه، وتارة أخرى يصرح بأنه حزن لخبر إعفاء اللورد كرومر، في ذكرى ثورة 1919. ولد سعد في قرية إبيانة التابعة لمركز مطوبس محافظة كفر الشيخ حاليا، وتضاربت الأنباء حول تاريخ ميلاده الحقيقي فمنهم من أشار بأنه ولد في يوليو 1857 وآخرون قالوا يوليو 1858، بينما وجد في سجلات شهادته التي حصل عليها في الحقوق بأنه من مواليد يونيو 1860، وكان والده رئيس مشيخة القرية، وحين توفى كان عمر سعد خمس سنوات فنشأ يتيما هو وأخوه أحمد زغلول. تلقى تعليمه في الكتاب ثم التحق بالأزهر عام 1873، وتعلم على يد السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والتف مثل الكثير من زملائه حول جمال الدين الأفغانى، ثم عمل معه في الوقائع المصرية، ثم انتقل إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية لكنه فصل منها لاشتراكه في ثورة عرابى ثم اشتغل بالمحاماة لكنه قبض عليه عام 1883 بتهمة الاشتراك في التنظيم الوطني المعروف ب «جمعية الأنتقام». وبعد ثلاثة أشهر خرج من السجن ليعود إلى المحاماة ثم دخل إلى دائرة أصدقاء الإنجليز، عن طريق الأميرة نازلى، وسعى وقتها إلى تعلم اللغة الإنجليزية ثم تزوج من ابنة مصطفي فهمى باشا، رئيس وزراء مصر، ثم تعلم الفرنسية ليزيد من ثقافته. توظف سعد وكيلا للنيابة وكان زميله في هذا الوقت قاسم أمين، وترقى حتى صار رئيسا للنيابة وحصل على رتبة الباكوية، ثم نائب قاض عام 1892، ثم حصل على ليسانس الحقوق عام 1897. انضم سعد زغلول إلى الجناح السياسى لفئة المنار، التي كانت تضم أزهريين وأدباء وسياسيين ومصلحين اجتماعيين ومدافعين عن الدين، واشترك في الحملة العامة لإنشاء الجامعة المصرية وكان من المدافعين عن قاسم أمين وكتابه «تحرير المرأة» وفي عام 1906، تم تعيينه ناظرا للمعارف ثم عين في عام 1910 ناظرا للحقانية. وفي عام 1907 كان سعد أحد المساهمين في وضع حجر الأساس لأنشاء الجامعة المصرية مع كل من: محمد عبده، ومحمد فريد، وقاسم أمين وتم أنشاء الجامعة في قصر جناكليس (الجامعة الأمريكية حاليا) وتم تعيين أحمد لطفي السيد كأول رئيس لها، ساهم سعد أيضا في تأسيس النادي الاهلي عام 1907 وتولى رئاسته في 18 يوليو 1907، وأصبح سعد نائبا عن دائرتين من دوائر القاهرة، ثم فاز بمنصب الوكيل المنتخب للجمعية وبعد الحرب العالمية الأولى تزعم المعارضة في الجمعية التشريعية التي شكلت نواة «جماعة الوفد» فيما بعد وطالبت بالاستقلال وإلغاء الحماية. في مذكراته كتب خلال زيارته لأوروبا صيف 1908 "أفطر مع الست والباشا"، أي مصطفى فهمي وحسين ابن محمود صدقي « في الساعة تسعة وبعد أن نتمشى مع الباشا قليلا نعود إلى البيت لتلعب البوكر مع الست وحسين إلى الساعة ثمانية، ونتمشى قليلا ثم نعود لنلعب البوكر إلى الساعة 11 مساء، وقد انفعل أثناء اللعب عند الخسارة وصادف أن الزهر كان يعاكس وكان زهر حسين سعيد ولكن مع ذلك كسبت ولم أخسر غير أن حارق كانت من طريقين: طريقي وطريق الست». وأظهر في مذكراته رغبته في العدول عن لعب القمار، حيث كتب يقول «أوصى كل من يعيش بعدي من لهم شأن في شأني أني إذا مت من غير أن أترك اللعب أن لا يحتفلوا بجنازتي، ولا يحدوا على ولا يجلسوا لقبول تعزية ولا يدفنوني بين أهلي وأقاربي وأصهاري، بل بعيدًا عنهم وأن ينشروا على الناس ما كتبته في اللعب حتى يروا حالة من تمكنت في نفسه هذه الرذيلة وبئست العاقبة».