لم تعلم القيادة الصهيونية بمبدأ "من حفر حفره لأخية وقع فيها"، فرتبت وحضرت وخططت لكمين محكم لمقاتلي "حزب الله" في لبنان، بهدف إسقاط أكبر قدر من الخسائر في صفوف المقاتلين وتأجيج الصراع الداخلي هناك وإغراق البلاد في الحرب الأهلية، إلا أن سحرها وتخطيطها انقلب عليها، فمنيت بهزيمة شاهدها العالم أجمع، وبات الفشل الاستخباري والعسكري والتكتيكي يلاحقها حتى يومنا هذا. عملية "كمين أنصارية" بات نقطة الضعف واللغز المحير الذي لايزال الجيش الصهيوني وقياداته يقفون عاجزين عن تفسير فشله حتى الآن، فبينما كانت القيادة الصهيونية تهم بنصب كمين لمقاتلي "حزب الله"، وقع أفرادها في كمين محكم لمقاتلى الحزب بين قتيل وجريح. تفاصيل العملية الخامس من سبتمبر عام 1997، فبينما كان الجيش الإسرائيلي ينتظر خبر سقوط عشرات القتلى من عناصر "حزب الله" أتي له خبر سقوط العشرات أيضًا لكن من أفراده. بداية العملية كانت تسير على ما يرام، قوة الكوماندوز من "شييطت 13″ عبرت بوابة إلى بستان في أطراف بلدة أنصارية، إلا أنه في الدقيقة الحادية والأربعين من بدء التنفيذ، وبعد منتصف الليل انفجرت أول عبوة ناسفة في مسار القوة الإسرائيلية، وكان الانفجار قويًا، انطلقت منه كرات حديدية في كل اتجاه، ليصرخ الجنود "وقعنا في كمين"، وبعد نحو 39 ثانية وقع انفجار ثاني وثالث وانقطعت الاتصالات مع أفراد الكتيبة، كما انفجرت عبوات ناسفة حملها أفراد الكوماندوز البحري بهدف نصبها داخل الهدف الذي كانوا في طريقهم إليه. الانفجارات الهائلة أدت إلى تفحم أجساد الجنود الإسرائيليين وخلف أرضًا محروقة بالكامل لم ينفذ منها أحد، ورغم الطوق الناري الكبير الذي فرضته الطائرات الحربية الإسرائيلية حول القوة الصهيونية، إلا أنها لم تستطع إنقاذ أي من الجنود، بل قتل إضافة إلى قوة الكومندوز الإسرائيلية جنودًا من فريق الإنقاذ، الذي حاول مساعد قوة الكوماندوز، فكان عمل قوات الإنقاذ ملئ بالإخفاقات. فشل استخباري وعسكري لم تستطيع إسرائيل إخفاء فشلها العسكري والاستخباري كثيرًا، ففي صباح اليوم التالي شاهد العالم في وسائل الإعلام بقايا أشلاء 12 من الجنود الإسرائيليين ودمائهم وأسلحتهم متروكة على أرض العملية، ويومها أعلن الحداد في كيان العدو، وشكلت القيادة الصهيونية لجنة تحقيق لبحث اسباب فشل العملية الإسرائيلية في جنوبلبنان، لكن كعادتها لم تقر إسرائيل بفشلها وحملت مسئولية فشل العملية على شماعة عملاء لبنانيين، حيث أصدرت لجنة التحقيق تقريرًا يفيد بأن ما حدث كان "صدفة"، وأن القوة الإسرائيلية كشفها راعي لبناني، وأبلغ مقاتلي حزب الله عنها، وختم التحقيق بهذه النتيجة الذي لم يلق قبول في الأوساط الإسرائيلية. حزب الله يكشف خطته بعد 13 عامًا من العملية، وفي أغسطس عام 2010، كشف الأمين العام لحزب الله "حسن نصرالله"، أن مقاتلي حزب الله تمكنوا من التقاط بث طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تصور جنوبلبنان، وتحديدًا منطقة أنصارية، عندما كانت طائرة من دون طيّار إسرائيلية تصور الطريق الذي كان من المفروض أن تسلكه قوة الكوماندوز الإسرائيلية، مما مكن مقاتلي الحزب من رصد كمين محكم للقوات الإسرائيلية في مكان العملية، فبدأ المقاومون استعداداتهم للمباغته ونصب العبوات الناسفة في هذه الطرق، فتمت عملية إبادة القوة الاسرائيلية بنجاح كبير، من دون أن يتمكن جنود العدو من إطلاق رصاصة واحدة، وشكل هذا انجاز عسكري للمقاومة، تمثل بخرق تقنيات العدو المتطورة.