«خبيئة الغوري» تضم لوحات تعود إلى مائة عام تناسب وتوزان هندسي لكل من الخط والنقطة والدائرة، جعل الخط العربي مميزًا بين الخطوط جميعها، وذا طابع جمالي خرج به من كونه مجرد أداة لرسم المنطوق إلى كونه غاية جمالية في ذاته، وفنا له تاريخ طويل سطرته يد الدقة والمهارة، غير أنه اكتسب مكانة مقدسة برسم القرآن الكريم. افتتحت العديد من المدارس على مستوى العالم لتدريس وتعليم الخط العربي، وكذلك أنشئت المتاحف، مثل متحف دمشق الذي أنشيء عام 1975، أو متحف الشارقة الأحدث نسبيًا، ولكنه لم يجد اهتمامًا في مصر يليق بإبداع أهلها وإضافاتهم الجمالية لهذا الفن، وظلت اللوحات الثرية بأنواعه المختلفة حبيسة المخازن، إلى أن خرجت إلى النور مع افتتاح متحف الخط العربي، أحد ملحقات متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، أواخر شهر أغسطس المنصرم. يضم متحف الخط العربي، الذي اقترح إنشاءه الدكتور مصطفى عبد الوهاب، حينما كان فاروق حسني وزيرًا الثقافة،6 قاعات جمعت بين مختلف أنواع وأشكال الخط العربي، لنخبة من فنانيه، وكان للفنان محمد إبراهيم، صاحب واحدة من أهم مدارس تعليم الخط العربي بالإسكندرية والشهير بعميد الخطاطين العرب وضع خاص، حيث خصص المتحف إحدى قاعاته لتحمل اسمه، والتي سوف يشاهدها الزائر عند دخوله من بوابته من جهة اليسار. يغلب على لوحات المتحف الطابع الديني، حيث تحمل غالبية اللوحات مزيجًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، كما كان من بينها رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط في مصر، والتي كتبت على ورق بمقاس 69×48.5 سم، فضلا عن اللوحات التي حملت الخط النيسابوري المنسوب إلى مدينة نيسابور، وهو من الخطوط النادرة، وكتبت على مادة السيلوتكس، وغيرها من اللوحات غير المنقوطة والمشكلة. قال علي سعيد، مدير متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، ل"البديل": إن قاعات المتحف الست تضم لوحات تجمع غالبيتها بين خط الثلث الذي ظهر في القرن الرابع الهجري، والنسخ، والفارسي، كما أنه يحتوي على 3 أنواع من المقتنيات، وهي روائع الخط العربي للفنان محمد إبراهيم، ومجموعة من كبار الخطاطين في مصر، والنوع الثاني مجموعة "خبيئة الغوري"، والتي يطلق عليها مقتنيات متحف الجزيرة، أما الثالث فهو عبارة عن مجموعة مقتنيات متحف الفن المصري الحديث، وتجمع فنانين تشكيليين استخدموا الخط العربي ومزجوه بالتشكيل. "خبيئة الغوري" عبارة عن مجموعة من اللوحات التي ترجع إلى أكثر من مئة عام، لعدد من الفنانين المصريين والأتراك من رواد الخط العربي، وكانت مختفية لعدة سنوات إلى أن تم العثور عليها بمخازن الجزيرة، على يد الناقد عز الدين نجيب، والفنان أحمد عبد الغني، رئيس قطاع الفنون التشكيلية سابقًا. وعن التأخير في اتخاذ أولى الخطوات نحو تخصيص متحف مصري للخط العربي، قال سعيد، إن مقتنيات الخط العربي متعددة، ولم تتوافر لدى القطاع أماكن تتناسب وقيمتها وعددها لعرضها فيه، ثم اتخذت إدارة متحف الفنون الجميلة في 2009 قرارًا بإعادة تطوير المجمع وتخصيص مبنى الموظفين ليصبح معرضًا للخط العربي، وانتهت أعمال التطوير في 2013 وكان من المفترض حينها افتتاح المعرضين معًا، إلا أنه كان في حاجة إلى إعادة تطوير. وعن اختيار مقر المتحف، قال سعيد، إن الخط العربي أحد مقتنيات الفنون الجميلة، وبالتالي من الضروري أن يتم ضمها لمتحفها، مشيرًا إلى أنه كان من الأولى أن تخصص مساحة شاسعة للخط العربي وعمل متحف مستقل، إلا أن ذلك يتطلب تكلفة ضخمة وهو ما يعد خارج سلطة إدارته، وكان في ذات الوقت من الضروري فصله عن بقية الفنون لعدم وجود علاقة تربط بين كل منهم، فاضطرت الإدارة إلى التضحية بمبنى الموظفين. ردًا على ما نُشر في إحدى الصحف القومية عن أن الافتتاح تم بشكل غير لائق، قال سعيد، إن الإدارة ألقت الضوء على المتحف بشكل واسع خلافًا لما ذكرته الجريدة، مضيفًا: "اللي عايز يشوّه يشوّه واللي عايز يهمش يهمش، الحدث بالفعل كبير وتلقيت تليفونات من مختلف دول العالم، كل شخص انتظر دعوة شخصية على مكتبه لكن مفيش حد معرفش"، مشيرًا إلى أنه نشر الدعوة على صفحتي المتحف وقطاع الفنون التشكيلية عبر الإنترنت، فضلا عن الدعوات التي وجهت عبر البريد الإلكتروني لبعض الجهات، كما خاطب عدة مؤسسات، وأرسلت الدعوات بأسماء الأساتذة بكلية الفنون الجميلة، ومكتبة الإسكندرية، ونقابة الفنانين التشكيليين والمراكز الثقافية، ولم نخاطب شخصا بعينه. وأضاف: سابقنا الزمن للّحاق باحتفالات مصر في افتتاح قناة السويس الجديدة، وبالفعل كان الافتتاح كبيرًا، فقد حضره أكثر من 400 شخص، وهو عدد مهول مقارنة بالافتتاحات الأخرى، وهو ما يدلل على أنه لم يتم في تكتم شديد كما ادعت الجريدة، موضحًا أن توجيه الدعوة إلى أساطين الخط العربي في العالم لحضور الافتتاح يتطلب إمكانية مادية ضخمة لتغطية تكاليف السفر والإقامة والمعيشة لكل منهم وهو ما لم يتوافر حاليًا، كما أن "أحوال البلد لا تتحمل مصاريف الإنفاق على افتتاح متحف". ما بين إنشاء المتحف وافتتاحه، واجه القائمون عليه عدة صعوبات، تمثلت في عيوب الإضاءة والفتارين التي تم صنعها بشكل غير احترافي ولم تكن لتصلح للحفاظ على المقتنيات، فضلا عن الإتلافات والعيوب في الحوائظ والجدران والأسقف من حيث اختيار الألوان وطريقة زخرفتها وفي الواجهة الزجاجية، إلا أن كل ذلك تم التغلب عليه خلال شهرين وهي فترة قياسية، حسب قول مدير المتحف. وصاحب افتتاح المتحف معرض عن "الحروفية"، وهو فن استخدام الحرف في اللوحات التشكيلية، وضم لوحات لأهم فناني مصر كالدكتور أحمد عبد الجواد، ومحمد زكريا سلطان، فاروق وهبة، ياسين حراز، عادل مصطفى، محمد صبري، أحمد رجب صقر، عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا. وعما سيشهده متحف الخط العربي خلال الفترة المقبلة، قال سعيد، إنه سيلبي طلبات زواره، ويعمل حاليًا على تنظيم ورش عمل لتحسين الخطوط وتعليم الخط العربي، بالإضافة إلى عمل ندوات عن الخط العربي والتعريف بأهم فنانيه وكيفية مزجه مع الخط التشكيلي بواسطة أساتذة مختصين كل في مجاله، وسيتم تطبيقه خلال أيام، كما سيعمل على إعداد برنامج سوف يحدد مسبقًا والإعلان عنه خلال أيام، مضيفًا أنه في انتظار عودة الموسم الدراسي لإقبال التلاميذ على المتاحف من خلال الرحلات التثقيفية التي تنظمها المدارس. واستنكر سعيد، عدم الاهتمام بفن الخط العربي في مصر واعتباره مستحدثًا على منظومة المتاحف، نظرًا لطبيعته المختلفة عن غيره من الفنون والتي تحوي لوحات زيتية أو تماثيل أو غيرها، منوهًا أنه يسعى حاليًا للتواصل بشكل جدي مع المعنيين بالفن للاستفادة والإفادة من خلال مساهمتهم في الورش والندوات المقرر تنظيمها.