تزايدت خلال الأيام القليلة الماضية التقاربات الإقليمية بين القيادات السياسية الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، ولعل زيارة وفد تركي رسمي إلى الكيان الصهيوني الاثنين الماضي خبر يستحق الوقوف أمامه كثيرا، لأجل فهم طبيعة ما يجري في المنطقة خلال الفترة الراهنة من تكتلات تسعى لتحقيق أهداف محددة. أصبح التقارب التركي الإسرائيلي اليوم أكثر وضوحا، وقد ساهم في شفافية الصورة ما شهدته المنطقة من أحداث خلال الأسابيع الأربعة الماضية، فمن العاصمة فيينا التي شهدت ولادة الاتفاق النووي الإيراني بين طهران والدول الست الكبرى، وصولا إلى الانتصارات التي يحققها الجيش السوري خلال عملياته العسكرية ضد الجماعات المسلحة، كان حتما أن يحدث التطبيع الكامل بين أنقرة وتل أبيب. منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني، بات أمام القيادات الصهيونية عدة حقائق واضحة أولها أنه لا رجعة في هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع طهران، وثانيها أن كافة التخوفات الإسرائيلية ووساطاتها لدى الإدارة الأمريكية لن تجد أذنا صاغية، بعدما اتضح للجميع حقيقة موقف تل أبيب من البرنامج النووي الإيراني، وكيف يتم توظيف هذه الفزاعة الأمنية لأجل الوضع الداخلي والاستهلاك المحلي، لكن هذه التطورت أثارت لدى تركيا أيضا عدة تخوفات، لينتهي المشهد بزيارة علنية يجريها وفد تركي رسمي إلى تل أبيب، ليتأكد للجميع بأن الكيان الصهيوني قد وجد ضالته المنشودة في أنقرة. من اليوم سوف تتشابك أيدي تركيا مع مجرمي الكيان الصهيوني، لأجل سفك مزيد من الدم في منطقة الشرق الأوسط، دون أن تنظر أنقرة إلى حجم المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، لكن هي ليست بحاجة إلى استحضار هذا التاريخ المليء بالدماء، ولم لا وتركيا قد تناست ما ارتكبه العدو الصهيوني من بلطجة ضد نشطاء السلام على سفينة مافي مرمرة خلال شهر مايو عام 2010 الماضي. ملفات التعاون بين تركيا والكيان الصهيوني أصبحت اليوم كثيرة، ومتشابكة لدرجة تحتم التعاون فيما بينهما، ولعل أبرز هذه القضايا هي سوريا، فمنذ عدة سنوات تلاقت الأهداف الصهيونية مع خيالات السلطان العثماني، واتحد الجميع لأجل تحقيق هدف واحد هو إسقاط الدولة السورية وقيادتها السياسية متمثلة في الرئيس بشار الأسد، وأمام هذا الصمود السوري، لم تجد أنقرة وتل أبيب سوى اتخاذ خطوات جنونية، فأردوغان يحلم ليل نهار بإقامة منطقة عازلة، ونتنياهو لا يريد شيئا سوى أن يستيقظ في الصباح على نبأ تنحي الأسد. سنوات قليلة مضت على تلك المرحلة التي كان يحاول فيها أردوغان أن يتقمص دور البطل المقاوم، أو الحاكم الداعم للقضية الفلسطينية، لكن ماذا عنه اليوم؟، لم يكتفِ بالتنازل عن أحد الشروط الثلاثة التي وضعها لتطبيع العلاقات مع تل أبيب عقب حادث مرمرة، المتمثل في رفع الحصار عن قطاع غزة، بل أصبحت القيادة السياسية التركية هي الناطق الرسمي باسم الاحتلال الصهيوني، وراحت تمارس ضغوطها على المقاومة الفلسطينية لأجل الدخول في مفاوضات تهدئة مع الكيان الصهيوني. وعلى ضوء كل ما سبق، فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد مزيدا من التعاون والتنسيق بين تركيا والكيان الصهيوني، لا لشيء سوى أن المصلحة بينهما تحتم ذلك، فأنقرة مازالت تلهث وراء تحقيق مطلب إقامة المنطقة العازلة على الحدود السورية رغم عدم تجاوب الإدارة الأمريكية معها، وكذلك تل أبيب تواصل شن هجومها ضد الاتفاق النووي الإيراني دون أن تعيرها واشنطن أي اهتمام، وهنا كان القرار الصهيوتركي بضرورة التعاون والتنسيق بهدف تحقيق عدة مصالح مشتركة لم تعد أولويات لدى واشنطن.