يري الدكتور سيد علي إسماعيل، رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، أنه لا يوجد أرشيف حقيقي ولا توثيق علمي لمسرحنا، وأن هناك تخاذلا في تصحيح معلومات مغلوطة عن بدايات المسرح العربي لمنح دور أكبر من حقيقته لليهود. "إسماعيل" جاء إلى موقعه بخطة عمل مسبقة، حيث كان مرشحا لذات المنصب قبل 3 سنوات، وهو أستاذ الأدب المسرحي بآداب حلوان، شهدنا له تجربة مميزة مع طلبته العام الدراسي الماضي في التنفيذ العملي لمادة النقد التطبيقي مصطحبا الطلبة إلى عروض مسرحية وإقامة ندوات حولها. مسيرته العلمية حافلة، 28 كتابا في المسرح وعشرات الأبحاث والمقالات، انشغل لسنوات طويلة بتوثيق المسرح المصري ومسارح عربية أخرى، ما فجر معارك بحثية، أبرزها تفنيده لمقولة "يعقوب صنوع رائد المسرح في مصر"، وفي المؤتمر الأخير للمركز عن المسرح والرقابة -قبل أن يتولى رئاسته- فجر قضية سرقة أدبية لباحثين من المشاركين في المؤتمر لأبحاثه ومقالاته المنشورة، وتم التحقيق فيها، فيما فجرت تساؤلات عن مشاكل البحث العلمي واستسهال الباحثين، وكان للبديل حوار معه. فإلى نص الحوار.. -هل تعمدت في كتابك "محاكمة مسرح يعقوب صنوع" إنكار ريادته؟ في إطار اهتمامي بالدراسة والتأريخ للمسرح المصري بدأت البحث عن دلائل فيما يتعلق بنشاط صنوع المسرحي من الوثائق القديمة، وتحديدا من الصحف الموجودة في عام 1870 وما قبله وما بعده، لدراسة وتحليل أسلوب المصادر القديمة في تناولها لمسرح صنوع، وفوجئت أن كل ما نعرفه عن مسرحه أتى من صنوع نفسه (1839-1912)، فيما تعود الريادة الحقيقية وفق الوثائق إلي محمد عثمان جلال (1829-1898)، وهو مترجم للشعر الفرنسي والمسرح، والريادة في العرض للمخرج اللبناني سليم النقاش (1856-1884)، بما يكشف أن هناك توجها لتزييف التاريخ وإقحام فرضيات غير موضوعية تعتمد على أشباه أدلة سرعان ما يتم تفنيدها بهدف تهويد بدايات المسرح العربي، خدمة لأهداف صهيونية. وجدت هذا في كتابات باحثين غربيين، مثل "تاريخ المسرح والسينما عند العرب"، 1957، ليعقوب لاندان، وهو صهيوني قح كاره للعرب مسلمين ومسيحيين، وكتاب شموئيل موريه، وفيليب سادجروف، "دور اليهود في المسرح العربي في القرن التاسع عشر"، 1996، شموئيل إسرائيلي من أصل عراقي، حاصل على وسام الدولة العبرية عام 1999، ربما لدوره في اختلاق ريادات يهودية وهمية للمسرح العربي في الجزائر ولبنان، سادجروف، إنجليزي، أستاذ لباحثين عرب نهجوا نفس نهجه في محاولات إثبات ريادة اليهود في المسرح العربي. -لماذا لم يتم تغيير مناهج تدلس على تاريخ المسرح المصري بناء على هذه الدراسات؟ قبل 14 عاما قدمت للناقدة الراحلة سناء فتح الله، هذه المعلومات التي قدمتها بدورها إلي المجالس القومية المتخصصة، وأثارت سجالا واسعا 2001 في الصحافة المصرية وبين باحثين عرب، واتهمتُ من الباحثين الغربيين بمعاداة السامية دون أن يفند أي منهم أدلتي، ولم يتحرك أحد في مؤسساتنا العلمية لتصحيح هذا الخطأ، لكن معهد الفنون في بغداد غيّر مناهجه وفقا لنتائج بحثي. -أهديت المركز نصوصًا عن حرب أكتوبر من مقتنياتك فكيف تمت الاستفادة منها؟ مساهمة مني في إبراز دور الجيش وقيمته الوطنية والمعنوية، أهديت المركز 33 نصا مسرحيا غير منشور من مقتنياتي الخاصة عن انتصارات أكتوبر، وقرر وزير الثقافة نشرها في موسوعة بعنوان "موسوعة مسرحيات حرب أكتوبر 1973″، بالتعاون مع دار الوثائق القومية في احتفالات أكتوبر القادم، وأطمح إلى إقامة مهرجان مسرحي سنوي بعنوان "مهرجان حرب أكتوبر المسرحي"، وإنتاج نصوص الموسوعة عبر فرق الهواة في القاهرة والأقاليم، لإحياء بطولات الجيش، والتواصل بين جيل حرب أكتوبر وبين الشباب الذين لم يعيشوا هذه الفترة المجيدة. -لماذا أطلقت مشروع وثق نفسك بنفسك؟ تعتمد فكرة المشروع على أن يقوم كل مسرحي وموسيقي وممارس للفن الشعبي بتجميع كافة أعماله وأنشطته وكتاباته وسيرته الذاتية، ووضعها إلكترونيا في "DVD"، لأن المركز لن يستطيع الوصول لكل المحافظات، فكم من مهرجان مسرحي أقيم في مصر وأقاليمها وعروض متميزة دون أن نسمع بها ولم يتم تصويرها أو توثيق بياناتها، وكم من مسرحي مرموق لم نسمع به، ويكون ذنبه الوحيد أنه يعيش في الأقاليم. من خلال هذا المشروع التوثيقي الإلكتروني يستطيع المركز أن يوفر المادة العلمية للطلاب والباحثين، وتشجيعهم على الاهتمام بالجهود الفنية في الأقاليم، واكتشاف المواهب الجديرة بالاهتمام، كما يستطيع المركز، وفقا لمادة هذا المشروع، أن يُسهم في مقترحات مسرحية متنوعة، مثل: اختيار لجان التحكيم، ولجان القراءة، ونقاد ندوات النقد التطبيقي، وترشيح العروض في المهرجانات المحلية والعربية والعالمية.. إلخ، والأمر نفسه سيتم بالنسبة لمجالي الموسيقى والفنون الشعبية. -وماذا تفعل لتطوير آليات عمل المركز؟ المركز بدون لائحة منذ نشأته عام 1980، ولم يأت عليه رئيس متخصص في مقتنياته رغم أنه لا نظير له عربيا وعالميا سوى مركز ثان في فرنسا، وقد وضعت خطة لخمس سنوات في 2012 حين كنت مرشحا لرئاسة المركز، وعدلتها لتلائم المتغيرات، وعرضت الأهداف علي زملائي بالمركز وطلبت منهم أن يطرحوا تصوراتهم عن العمل، ونبهت عليهم بأنه مركز لمصر كلها وليس للعاصمة وحدها، وذكرتهم بأنه قبل 20 عاما كان الفنان محمود الحديني، أثناء رئاسته للمركز، يجوب المحافظات لإقامة ندوات فيها، وأن دورنا الرئيسي هو التوثيق القومي، وحصليتنا فيه صفر كبير، وأن لدينا كنوزا لكنها غير مصنفة ولا تحفظ بطرق صحيحة، وبالتالي لا نستفيد منها. -هل ظروف المركز تسمح بتجاوز هذه السلبيات؟ كانت العمالة غير المؤهلة مشكلة كبيرة، لذلك انصب اهتمامي خلال الفترة الأولي لي في المركز علي إعادة تأهيل العاملين للقيام بأدوار منتجة بالفعل، وأسعى لإنشاء أرشيف وطني علي أسس علمية بدلا من الأبحاث التي تعتمد على محركات بحث الإنترنت دون تدقيق علمي، لتخرج بمعلومات مغلوطة تنتهي لنتائج خاطئة. أريد أن انقل للمركز وباحثيه خبرتي الخاصة كباحث جامعي في تدقيق المعلومات والتيقن منها حتي تكون هناك مصداقية حقيقية لما يصدر عن المركز. -لماذا دعوت لفصل إدارتي الموسيقى والفنون الشعبية؟ المركز أنشيء منذ 35 عاما، وبمرور الوقت صارت المخاطبات الرسمية له المركز القومي للمسرح، لأن 85% من نشاطه يرتكز علي المسرح، فأردت تقنين واقع قائم. الموسيقى عمليا تتبع الأوبرا أكثر، والفنون الشعبية تتداخل مع قطاع الفنون الشعبية وأطلس الفلكلور، وليس هناك مبرر لتنافس قطاعات الوزارة مع بعضها، وطبقت هذا عمليا، مثلا مع توليتي إدارة المركز حولت معدات للترجمة الفورية للمؤتمرات إلي المجلس الأعلي للثقافة لأنه الجهة التي تنظم فيها المؤتمرات فعليا، والتي اشتراها رئيس المركز السابق، رغم أن "القومي للمسرح" لا تقام فيه مؤتمرات، واستبعدت وظيفة النشر لأن هيئة الكتاب تقوم بهذا الدور، وكانت كتب المركز تتكوم في المخازن. -ما تعليقك على انتقاد البعض فرض رسوم لتصوير محفوظات المركز الذي يفترض أن يكون داعما للباحثين؟ أحد الرؤساء السابقين، لعدم وجود "اسكانر" في المركز أرسل مئات النصوص إلى إحدى هيئات الوزارة لسحبها وتصويرها إلكترونيا، وخلال النقل والتسليم والتسلم فقد 60 نصا، ومازالت هذه الواقعة تحت التحقيق، الأغرب أن وزيرا للثقافة جاء بعدها وأمر بمسح المادة العلمية الموجودة على كل "الهاردات" التي سحبت هذه النصوص، فهناك ضرورة للحفاظ على ما تبقى من مقتنيات المركز من خلال آلية ثابتة، ولأن ميزانية المركز محدودة قررت فرض رسوم بسيطة لدعم المركز وتطوير آليات عمله. -اتهمك البعض بالحصول بوسائل غير مشروعة على تقارير الرقابة وتوظيفها في كتابك "الرقابة والمسرح المرفوض"، ما ردك؟ بل أنقذتها من الحرق في مقلب قمامة في حلوان، 1996، كنت في زيارة لمقر الرقابة ووجدت أمامي أجولة تحوي وثائق وتقارير مصيرها الحرق، فطلبت من لجنة الحرق أن أحصل علي بعض مما سيحرقونه مقابل ترضية مالية، والمفاجأة أن حرق تقارير الرقابة كان تقليدا متبعا حتي 4 سنوات فقط حين أوقفه د.عماد أبوغازي، أثناء توليه وزارة الثقافة، وأمر بإرسال تلك التقارير بشكل دوري لحفظها في دار الوثائق، ومما أنقذته أودعت العام الماضي 500 وثيقة مسرحية في دار الوثائق القومية، حين كان يديرها د.عبد الواحد النبوي، وأقنعني بذلك، وطلب أن أكتب عنها تمهيدا لنشرها في سلسلة "دراسات وثائقية"، وصدرت في كتاب "وثائق المسرح المصري- الجزء الأول"، وطلب مني إعداد جزئين آخرين منها. -ماذا عن دور المركز في توثيق العروض المسرحية بالفيديو والذي مازال غائبا؟ كان ذلك يتم بطرق بدائية رغم وجود كاميرات حديثة لم يتم تشغيلها، وقد طلبت إمدادنا بفنيين من معهد السينما لتدريب موظفينا على التصوير، كما نحتاج وحدة مونتاج لأن لدينا مادة كثيرة مصورة سابقة لأكثر من 150 عملا مادة خاما، ويصعب الاستفادة منها.