بعد مرور ما يقرب من عامين على تصريحات الإدارة الأمريكية بعزمها تدريب ما يُعرف بالمعارضة المعتدلة في سوريا، تقر واشنطن خلال هذه الأيام بفشل هذا البرنامج، وتتحدث عن ضعف عقيدة المسلحين وقدرتهم القتالية لخوض المعارك، وفي نفس الوقت تؤكد تصريحات المسؤولين الأمريكيين ومواقف الإدارة بواشنطن منذ بدء التشريع لتنفيذ هذا البرنامج أن واشنطن وهي تسعى لضخ أموال وسلاح ومسلحين مدربين إنما تهدف لاستمرار وإطالة أمد المعارك والأزمة في سوريا من أجل إنهاك الدولة واستنزاف مواردها. في أغسطس 2013، وقبل ظهور تنظيم داعش بالعراق وسوريا، كانت المعارضة السورية بالنسبة لواشنطن تشمل كل من يرفع شعار إسقاط النظام السوري من الجماعات المسلحة، وفي ذلك الوقت كان لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، تصريحات تشير إلى بدء واشنطن النظر في وضع المعارضة السورية ككل، كهدف لإسقاط النظام السوري، حيث قال ديمبسي إن "واشنطن بدأت تعرف أكثر المعارضة السورية المعتدلة، لكن عليها أن تراقب عن كثب متى يتحول التعاون الوقتي بينها وبين الإسلاميين المتشددين إلى تحالفات حقيقية"، مؤكدًا أن "قدرا من التعاون بين المقاتلين المعتدلين والمتطرفين ليس مفاجئا ولم يسبب مشكلة، نظرا لهدفهم المشترك لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد". في أوائل 2014 كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع مشروع المعارضة المعتدلة بكثير من الغموض، حيث أظهرت بعض التقارير التي أخرجها محللون قريبون من الإدارة الأمريكية أن هناك تناقضا كبيرا بين البنتاجون والمخابرات الأمريكية يوضح أن برنامج المعارضة المعتدلة يعكس افتقاد واشنطن استراتيجية حقيقية من أجل محاربة تنظيم داعش، وأرجع هؤلاء السبب حول تعقيدات واختلاف عميق في الرؤى، إذ أن أجهزة المخابرات لديها مجموعات تريد مساعدتها بالأموال وبالسلاح، وهذا لا يتماشى مع تصور البنتاجون التي تخشى تسليم أسلحة متطورة للمجموعات المسلحة دون أن تضمن جيدا ولاء هذه القوى لواشنطن في المستقبل. بعد ظهور تنظيم داعش المتطرف وبروزه الإعلامي على الساحة العربية والعالمية أواخر العام الماضي، غيّرت واشنطن موقفها المعلن، إذ بدأت تصريحات وتقارير تخرج من الإدارة الأمريكية بأنه لابد من التفرقة بين المعارضة السورية المعتدلة والمتطرفة، في حين انتزعت الإدارة الأمريكية 500 مليون دولار من الكونجرس لتدريب وتسليح المعارضة التي بحسب منظور الأمريكان تمثل الشعب السوري، من أجل مواجهة داعش والجيش السوري معا. دخلت تركيا في مايو الماضي على نفس الخط الأمريكي، ودارت مباحثات ومناقشات عديدة من أجل نفس الهدف وهو الترويج لفكرة المعارضة المعتدلة التي قد تكون بديلا في سوريا، وصرح وزير الخارجية التركية تشاوش أوغلو، في مايو الماضي بأن "عملية التسليح والتدريب بدأت مع مجموعات صغيرة من السوريين، واكتملت كل البنى التحتية وعمليات التسليح الضرورية"، مضيفا أن "الأتراك والأمريكيين المسؤولين عن العملية جاهزون"، موضحا أنه تم اختيار المقاتلين بشكل مشترك بين واشنطن وأنقرة. تحالف أمريكاوتركيا لمد يد العون ل"المعارضة المعتدلة" كان حتى قبل أيام متمسكا برواية تقوية هذه العناصر المعارضة، حتى تبخرت الدفعة الأولى من "المقاتلين المعتدلين" الذين دربتهم أمريكا في تركيا والأردن، وقبل أن يطلقوا رصاصة واحدة اعترف الأمريكيون بفشل برنامج وزارة الدفاع لتدريب مقاتلي المعارضة المعتدلة، وأعلن المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن برنامج وزارة الدفاع لتدريب مقاتلي المعارضة في سوريا "فشل فشلا ذريعا"، مؤكدَا أنه "تم القضاء واعتقال واختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل أن يحتكوا بداعش"، قائلا إن هذه الخسائر "لحقت بهم نتيجة المعارك مع المتطرفين". بين التشريع وموافقة الكونجرس الأمريكي على تدريب المعارضة السورية ودعمها بالأموال، وإعلان واشنطن فشل البرنامج أشهر قليلة، لكنها أثارت الكثير من التساؤلات حول أسباب فشل المشروع بهذه السرعة؟ وكيف سقطت أحلام واشنطن بتأسيس معارضة معتدلة بحسب نظرتها؟. يرد المحللون بأن الإدارة الأمريكية لم تمول مشروعًا أو برنامجًا دون الاستفادة منه على أوسع نطاق، وتشير المعلومات بأن هذه الأموال أصبح أغلبها في أيدي المتطرفين وخاصة "جبهة النصرة" من سلاح ومواد إغاثة أو مقاتلين تم تدريبهم أعلنوا الولاء لها، مما ساعدهم ذلك على البقاء لاستكمال معاركهم. ثمة تحليلات ظهرت تقول إن الضربة التي وجهتها جبهة النصرة للقوات التي دربتها أمريكا كانت تستهدف إيصال رسالة واضحة إلى أمريكاوتركيا ودول خليجية أن جبهة النصرة مستعدة للقيام بدور "المعارضة المعتدلة" بدلا من إنفاق كل هذه الأموال على صناعة معارضة ليست موجودة على أرض الواقع، الأمر الذي ظهر بوضوح في المقالة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست قبل أيام قليلة للقيادي في حركة "أحرار الشام" المعروفة بقربها من جبهة النصرة لبيب النحاس، والذي غازل فيها الإدارة الأمريكية لتضع جماعته ضمن معارضة الاعتدال. وجهت هذه الرسالة لأمريكا بعدما تم التسويق من قبل تركيا وقطر منذ فترة ل"النصرة" على أنها فصيل سوري "معتدل" تطالبه فقط بالخروج من تحت عباءة القاعدة، وكان ظاهرًا ذلك في ظهور أبو محمد الجولاني، أمير النصرة، على قناة الجزيرة وتوصيفه بأنه "ثائر سوري"، رغم مبايعته للظواهري.