مع تصاعد ظاهرة التحرش ظهرت العديد من المبادرات لمواجهتها من قِبَل المجتمع المدني، وبالتوازي معها مبادرات فنية حاولت كشف الظاهرة فنيًّا وزيادة الوعي بها، وتشجيع الفتيات على البوح والتعبير عن أنفسهن واستكشاف قوتهن الكامنة لرفض العنف ضدهن. قالت دراسة مصرية حديثة لمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: إن 80% من النساء على الأقل أبلغن عن حوادث تحرش لفظي، غمز، وصفير، وتعليقات غير لائقة، داخل المناطق التي يقطنَّ بها وخارجها. ورغم تشديد عقوبة التحرش الجنسي وتزايد جهود مكافحتها، إلَّا أن الغالبية العظمى من النساء لا يبلغن عنها؛ لأنها من وجهة نظرهن "أمور لا تستحق العناء". من المبادرات الفنية لمواجهتها، ورش حكي وأفلام قصيرة، للمخرجة نيفين شلبي وغيرها، ونظم معهد جوته ورشة تدريبية لصناعة الأفلام بالتعاون مع راديو حريتنا في إطار مبادرة "ارفعي صوتك"، انطلقت فبراير الماضي واستمرت 4 أشهر، بمشاركة 15 فتاة من محافظات مختلفة، بهدف تزويدهن بمهارات التعبير عن آرائهن فى قضايا المجتمع بشكل فني. وإعدادهن ليصبحن صانعات أفلام وثائقية وصحفيات فيديو، وركزت الورشة على التحرش كمادة لأفلامهن. تولت التدريب في الورشة المخرجة الإلمانية فرانشيسكا أندراده، والتي قالت: إن الفتيات تتعلم خلال الورشة مهارات صناعة الأفلام وتسجيل الصوت وتقنيات المقابلة والإخراج، أشكالًا مختلفة من السرد والقص وكتابة السيناريو، مضيفة أن الورشة تهدف إلى إرساء فكر التعلم بالممارسة، وتحمل المسؤولية. أنتجت الورشة 4 أفلام وثائقية قصيرة، أبرزها "ممنوع على الفتيات"، الذي ركز على تقديم رؤية أكثر إيجابية، مقاومة للأفكار التي تمنع انخراط النساء في مهن وأنشطة بعينها، ترسخ للتحيز الجنسي ضدهن، طارحًا نماذج تؤمن بأن الحل في تكثيف حضور المرأة وإيجابيتها وفرض وجودها في الشارع، عبر العمل الجاد الذي يكسبها ثقة الناس واحترامهم. ورغم اعتراف المشاركات بتعرضهن لأنواع مختلفة من التحرش اللفظي، بنسب متفاوتة، إلَّا أنهن أجمعن على أن مواصلتهن التواجد والعمل أكسبهن احترام كل من حولهن، والقوة لمواجهة أي تجاوز ضدهن. يتعرض الفيلم لحياة أربعة نساء: نسرين "ميكانيكة" في حلوان، تساعد والدها في ورشته، وتحب هذه المهنة، ولديها شغف بالدراجات النارية. "أم محمود"، سائقة توك توك في حدائق القبة، وهي حالة شديدة الندرة في القاهرة، اشتكت من محاولات تحرش وعروض غير أخلاقية، لكنها حسمت موقفها بالصمود، قائلة: إن التجارب الصادمة لن تثنيها عن ممارسة مهنتها. "أسماء" نجارة تنجيد، تعمل مع زوجها فى محل بوسط البلد، وتجد دعمًا كبيرًا منه، فهما يشكلان ثنائيًّا عصريًّا. تقول: إنها في الورشة تكون الأسطى أسماء، وتفرض هذا على كل من يتعامل معها، لكنها في البيت تصبح الليدي أسماء. "آية"، حارس مرمى فى فريق كرة قدم نسائي، بمركز شباب زينهم، في لعبة مازالت الفتيات تضغط لتحظي بالقبول المجتمعي. والفيلم تصوير وإخراج: رشا حسني، ندى الخولى، نوران حاتم، وداليا فايظي. ويناقش فيلم "أنت وأنا"، لنورا جمال، آلاء الخولي، رشا الديب، وفاء البدري، تأثير ظاهرة التحرش على العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة، من خلال ثلاثة شخصيات رئيسة. ياسمين، فتاة جامعية، نموذج للفتاة التي تريد أن تعيش العلاقة الطبيعية للرجل والمرأة بتلياتها المختلفة ما بين صداقة وزمالة وحب. سماح صاحبة فيديو "هل لديكم رغبات أخرى"، التي ارتدت فيه فستان الفرح ودارت في شوارع القاهرة، للرد على فكرة اختزال مستقبل ودور الفتاة في حلم الزواج والبيت. وأحمد، الناشط بحقوق المرأة، الذي يحلل تطور العلاقات بين الرجل والمرأة حتى وصلت إلى تلك الصورة الغريبة. ويتطرق الفيلم إلى توجه المجتمع المصري نحو الانفصال الفعلي بين الجنسين في وسائل النقل، رياض الأطفال والمدارس. في محاولة لفهم الأسباب التي أدت إلى هذا التطور وما تتعرض له المرأة من تمييز سلبي بالنظر إليها باعتبارها جمادًا أو ملكية للرجل. يتناول فيلم "الخوف من البوح"، لسارة خالد، نجوان محمد، ماهي عادل، هبة عادل، منة الشيشينى. تجارب ثلاث نساء تعرضن للتحرش بطرق مختلفة. رشا شاركت فى ورشة "حكاوى القصص"، تؤكد فكرة التأثير الإيجابي للبوح عن اللواتي تعرضن للتحرش. فيما ترفض مشاركة أخرى، حكت تجربتها، الكشف عن هويتها خوفًا من معرفة عائلتها بقصة التحرش بها، فى إشارة إلى الضغوط الاجتماعية، وهي عامل رئيس وراء التواطؤ الذي يحيط بالظاهرة؛ بسبب الوصمة التي يفرضها المجتمع علي الضحية. على النقيض، مارينا التي تصر على تحرير محاضر ضد المتحرشين وصلت إلى 13 بلاغًا، ولاتزال مصرة على الاستمرار في الإبلاغ عن مختلف حالات التحرش. الرابع "على دقة البسبسة"، لآية تاج الدين، لينا نعسانة، الألمانية تابيا شنيدر. يوثق مشروع "ست الحيطة"، وهو نتاج ورشة جرافيتى أَقيمت فى شارع محمد محمود، بوسط البلد. ورؤى فناني الورشة، لمكانة المرأة فى المجتمع. ويرصد ردود أفعال المارة على الرسوم، أغلبها استنكرت رسم النساء. ويتتبع الفيلم تجربة فريق "بصي"، مجموعة فنانين، يحكون قصصًا واقعية في مشروع "مونولوجات بصي"، تستهدف الكشف عن المسكوت عنه في حياتنا اليومية، وينتهى الفيلم مع "ميام محمود"، مغنية راب، حققت شهرتها من تقديم أغنيات ذات ألحان قوية وكلمات جريئة تحمل مخاوف جيل الشباب وتعبر عن هموم البنات.