الأول من أغسطس 2015 هو الذكرى الأولى لأبشع مجزرة شهدتها مدينة رفح منذ العام 1956، حيث قامت قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014 بقتل العشرات من المواطنين الفلسطينيين في مدينة رفح إضافة إلى جرح المئات من المدنيين الأبرياء. وما زال معايشوها والناجون من براثنها يحتفظون بحكايات وتفاصيل مروعة، عن عمليات قتل.. بل إبادة جماعية، راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، معظمهم من المدنيين العزل. حول هذه الأحداث، يتحدث المواطن معتصم عواجة للبديل، قائلاً: " في الأول من أغسطس، كان الأمر ذاهباً إلى هدنة, المواطنون هيَّؤوا أنفسهم لهدنة, في بدايات الفجر كان هناك توغل مفاجئ لجيش الحتلال, حينها، لم يكن هناك وجود لأخبار طبعا! الجميع تفاجأ بتقدم الآليات، حتى المقاومة الفلسطينية هيَّأت نفسها وبدأت بالخروج من الثغور والتنقل على اعتبار أنَّ هنالك تهدئة. الآليات تقدمت حوالي 2 كيلو ونصف، حتى اعتلى الجنود بعض المنازل, وحدثت حادثة الخطف حينها لهدار جولدن! منذ ذلك الوقت والقذائف كالمعتاد, تُطلق بين الحين والآخر". ويتابع عواجة حديثه واصفاً ليلة الأول من أغسطس، يقول: "حتى دخلت الساعة الثامنة، القصف لم يهدأ! في ذات الساعة تبيَّن أنَّ هناك حالة خطف لأحد الجنود الاسرائيليين, كما تداولت وكالات الأنباء, المقاومة في غزة لم تعلن ذلك عبر بيانتها أو حتى أجهزتها اللاسلكية. احتفظت بالسرية في هذا الأمر, الساعة التاسعة تقريبا.. بدأت المجزرة, المواطنون شرق رفح بدؤوا بالنزوح من بيوتهم, والصواريخ تنهال عليهم", يواصل عواجة حديثه لمرسال البديل، قائلاً: "لك أن تتخيل الأمر، آلاف المواطنين في الشوارع يهربون من القصف, ليتبعهم قصف آخر وهم في الطرقات وبين الأزقة. السبب الأكبر لاستشهاد العدد الكبير من المواطنين هو أنّض الكثير منهم إستشهدوا على المفترقات. يصف عواجة الحادثة: "من يستطيع أن ينفذ بجلده فليكن , لا أحد يستطيع أن ينقذ أحداً آخر غير نفسه، هكذا كان الآمر". ويتحدث عواجة أيضاً عن مشاعره حينها: "مشاعري حينها كانت متضاربية بين الأخبار التي تصلنا عن بسالة المقاومة وبين عدد الشهداء, في البداية لم يحدث أي قصف في المنطقة التي أسكن بها, وهذا أممكني من متابعة الأخبار على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى الميدان في نفس الوقت. ما حدث في البداية لم تنقل أي وكالة رسمية او إعلامية عن هول المجزرة التي تحدث في رفح، وكل ما حدث هو تطوع من قبل النشطاء الشباب, ما كان هو أن تشاهد القتلى والجرحى, وقد أُغلق المستشفى الوحيد في رفح بأمر من الجيش الإسرائيلي, ولم يعد في رفح مستشفى الآن! ذهبنا بالجرحى إلى مستشفيات أشبه بكونها عيادات، منها كانت عيادة توليد نساء!". في مجزرة رفح، عدد الشهداء كان يتزايد بفعل عدم وجود مستشفى مركزي للمصابين, الشهداء نفسهم لا يوجد لهم ثلاجات للموتى, حيث استُعملت ثلاجات الخضروات والفواكه في ذلك الوقت. الشهداء المجهولين يتم تصويرهم بكاميرا الجوال, ويتم دفنهم دون التعرف عليهم. العديد من الشهداء ملقون على أرض المنطقة الشرقية, ولا أحد يستطيع أن يصل لانتشال جثثهم. وحول ذات الحادثة، يتحدث المواطن حسن عبيد؛ فيذكر تفاصيل صادمة عن مشاهد قاسية شاهدها خلال هروبه من منطقة شرق رفح، ورؤيته الجثث والأشلاء تتناثر في كل مكان. وقال عبيد: "كان القتل يحدث بدم بارد، وبقصد واضح، فالضحايا جلهم مدنيون قتلتهم إسرائيل في الشوارع، كانت الطائرات تصطادهم بصواريخها الضخمة، بينما القذائف العشوائية تقتل وتصيب العشرات من المواطنين الذين يحاولون الهرب إلى أماكن آمنة". ويتابع عبيد: "بينما كنت أجري مسرعاً وأردد الشهادة، كنت أقفز عن جثث وأشلاء ملقاة على الأرض، كانت بعض النساء ترفع رايات بيضاء ويحملن صغاراً، ويحاولن الهروب من الموت، لكن القذائف الفتاكة كانت تلاحقهن وباقي النازحين في كلِّ مكان". ويقول عبيد أيضاً أنه وبعد نحو ثلاثة كيلو مترات من الجري، اعتقد أنه غادر منطقة الخطر، فقرر الاستراحة قليلاً في وسط حي الجنينة شرق رفح، فإذ بطائرة استطلاع تستهدف بصاروخ دراجة نارية من نوع "توك توك" كانت ممتلئة بالمدنيين من النساء والأطفال؛ ليسقط جميعهم بين شهيد وجريح.. يصفه عبيد بأنه: "كان مشهد مروِّع لا يمكن نسيانه". أما سكان حي التنور، شرق رفح، فقد تحدثوا عن الموت الكثير في الحي، والذي أوقعت الطائرات فيه أكثر من 40 شهيداً و100 جريح في أقل من دقيقة. ويقول المواطن أحمد الفرا، أحد الشهود على الجريمة: "بدأت القذائف تتساقط على أطراف الحي، ففزع الجميع، وبدأت النساء والأطفال والرجال يتركون منازلهم، ويفرون من مخرج الحي الوحيد من ناحية الغرب، وبينما الطائرات تصور وتراقب والمخرج يكتظ، وحين بلغ الاكتظاظ ذروته، وقعت المجزرة، وقصفت المنازل الواقعة على جانبي المدخل بصواريخ ثقيلة، فتناثرت الجثث وتطايرت الأشلاء مئات الأمتار". وأكد الفرا، أنَّ مجزرة حي التنور لوحدها حكاية وعملية قتل وتصفية بدم بارد، ولو عملت عليها منظمات حقوق الإنسان، ووجدت عدالة في هذا الكون، لصنفت على أنها جريمة حرب من الدرجة الأولى، ووجب ملاحقة مرتكبيها". هذا وكانت منظمة العفو الدولية قد أكَّدت بأنَّ الجيش الإسرائيلي شنَّ هجمات انتقامية على مدينة رفح، في شهر آب أغسطس 2014 خلال الحرب الأخيرة صيف العام الماضي. جاء ذلك خلال تقرير أصدرته بعنوان (يوم الجمعة الأسود)، وتحدث عن مجزرة في رفح أثناء الحرب على غزة 2014 حول بعض وقائع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة صيف العام الماضي. واتهمت المنظمة، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في مدينة رفح، أثناء الهدنة بعد أسر أحد جنودها، معتبرةً إياها جرائم ضد الإنسانية وينبغي ملاحقة مرتكبيها. وقالت المؤسسة في تقريرها: "هناك أدلة قوية تشير إلى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، عندما كثّفت قصفها على المناطق السكنية في رفح، بهدف إحباط عملية أسر الجندي هدار غولدن". ما تزال آثار العدوان على غزة واضحة على معالم المواطنين الفلسطينيين في المدينة، فجميعهم يتذكرون هذه الأيام وتمر في ذاكرتهم مجموعة من الصور التي كانت توثق أحداث الحرب وجبروتها، وتؤكد لهم أنَّ العدوان قد سلب منهم حياتهم وأطفالهم، وآمالهم التي لطالما كانت مرتبطة بالأمن، والذي يشكل اليوم حلما كبيراً بالنسبة للفلسطينيين، حيث يتمنى أهالي قطاع غزة أن يعيشوا ولو لفترة بسيطة دون خوفٍ أو فوضى.