بينما يستمر الجيش التركي في غارته بشمال سوريا بحجة ضرب تنظيم داعش وتقويض نفوذ الأكراد، تشعر القاهرة بقلق كبير جراء تنفيذ أنقره هذه الضربات وتؤكد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لاسيما وأنه خلال العقود الماضية كانت تعتبر مصر أن الأمن القومي لها يبدأ من دمشق. كانت القاهرة خلال الأربعة أعوام الماضية، تنتهج سياسة مختلفة نسبيًا عن باقي الدول العربية والإقليمية، ففي كل مناسبة يطرح فيها تدخل خارجي ضد سوريا، تعترض القاهرة وتمثل ورقة ضغط على باقي الدول العربية والإقليمية للحفاظ على كيان الدولة السورية، حيث ترى مصر أن ضرب قوى إقليمية لسوريا سيساعد على انتشار الجماعات المتشددة التي يحاربها الجيش المصري في سيناء، كما يهيء لجماعة الإخوان المسلمين والتي تعتبرها القاهرة تنظيما إرهابيًا فرصة جيدة للصعود في سوريا ما يمثل دعمًا لبروز الجماعة على الساحة مرة أخرى في المنطقة العربية وهو ما ترفضه الإدارة المصرية بخلاف دول عربية أخرى مثل السعودية التي لها حسابات أخرى وتدخل في حرب غير مباشرة مع إيران بعد الاتفاق النووي. وقالت مصر إنه ينبغي الحفاظ على سلامة أراضي سوريا في إشارة لمعارضتها للتدخل التركي في سوريا، وذكرت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة تدعم محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا «مع ضرورة أن يتم ذلك في إطار المحافظة على وحدة أراضي الدولة السورية وسلامتها الإقليمية وبما يتوافق مع أسس وقرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن». وبدأت تركيا الأسبوع الماضي في قصف أهداف في سوريا لها علاقة بتنظيم داعش، وسمحت لتحالف تقوده الولاياتالمتحدة باستخدام قواعدها الجوية لينتهي بذلك سياسة تركية لطالما رفضت دعوة التحالف الدولي بالمشاركة في غارات على داعش سوريا ، فعلى الرغم من ظهور التنظيم الإرهابي في المنطقة منذ ما يقارب عام ونصف بدأت تركيا فجأة الإحساس بخطر التنظيم المتنامي في كل من سورياوالعراق، المرتبطتان في الحدود مع الدولة التركية، ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية داخل منطقة الشرق الأوسط، الخبراء والمحللون المصريون أكدوا أن هناك أهداف حقيقة خلافًا للمعلن وراء التدخل التركي السريع والمفاجئ في سوريا وهو ما يهدد وحدة الوطن العربي والأمن القومي المصري، ويرى أصحاب هذا الرأي أن لم يكن هدف التدخل الوحيد هو الانتقام من التنظيم الإرهابي، بل كان لتقويض نفوذ الأكراد وإسقاط نظام الأسد والطمع بضم شمال سوريا نصيب في الأهداف غير المعلنة جراء التدخل التركي. خبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية الدكتور محمد عبد القادر يقول في تصريحات ل«البديل» إن الأطماع التركية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية أصبحت واضحة وضوح الشمس، ووفقًا لتقديرات الموقف على الأرض تسعى أنقرة إلى ضم أراضٍ من شمال سوريا إلى النفوذ التركي وذلك بعد تصاعد قوة التنظيمات الإرهابية على الأرض، في ظل عدم قدرة الحكومة السورية صراحة في السيطرة على الوضع الداخلي في سوريا، كما أن هناك معلومات عن رغبة تركيا ليس في ضم شمال سوريا فقط بل وضم شمال العراق، بالتعاون أو عقد صفقة مع حزب مسعود بارزاني، بما يتوافق مع رغبة من تركيا في إعادة التشكيل الجغرافي داخل الشرق الأوسط لصالحها، وهو ما أكدته تصريحات أحمد داوود أوغلو فيما يتعلق بمسألة خطوط طول ودوائر العرض التركية. وشككت سوريا أيضًا في النوايا التركية في التصدي لتنظيم داعش، وذلك في أول رد فعل سوري رسمي على الغارات التي نفذتها تركيا على مواقع التنظيم المتطرف، وذكرت وزارة الخارجية السورية في رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة «إذا كانت تركيا قد شعرت الآن بعد 4 سنوات ونصف مرت على الأزمة فى سوريا بأن من واجبها التصدي للإرهاب، فإن ما ينطبق عليها هو المثل القائل: أن تاتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا، متسائلة «لكن هل النوايا التركية صادقة في مكافحة إرهاب داعش وجبهة النصرة والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة؟».