وسط الأجواء الاحتفالية في شوارع الإسكندرية ولعب الأطفال وضحك المارة والتقاط الصور التذكارية التي توثق لحظات السعادة بين الأصدقاء والأسر، هناك مواطنون يقفون على جوانب الطرقات يستعطفون المارة ويدللون على بضائعهم، ولا يشعرون بمعنى حقيقي للعيد إلا ببضعة الجنيهات التي يتحصل عليها في تلك الأيام. أحد هؤلاء المواطنون رجل يقف على جانب من الطريق وسط الازدحام الشديد بمنطقة بحري، يرتدي "طربوش" أحمر اللون ويفترش بضائعه على الرصيف وهي عبارة عن طرابيش وقبعات بأشكال مختلفة وألعاب أطفال ووشوش حيوانات تعود إلى عشرات السنين، ولا تجد لها زبون الآن إلا في حالات نادرة. ممدوح محمد الحسيني، 62 سنة، كان يعمل في مهنة النقاشة ولكنه انتكس بعدد من الأمراض منذ 7 سنوات جعلته غير قادر على أداء مهنته بالشكل المطلوب منه، فلجأ إلى بيع البضائع الموسمية التي لولاها لكان هائمًا على وجهه يتسول لقمة عيشه، فيقول:" كنت شايل الكلى ومقدرتش اجاهد في أي شغل تاني والسن مايسمحش، بدل ما الواحد يمد إيده". جاء الحسيني من موطنه بحارة اليهود في القاهرة إلى الإسكندرية لبيع بضائعه وقضاء أيام العيد بشكل أكثر متعة ولكي "يشم هواء"- على حد تعبيره- بعد أن مر على محافظة الشرقية، مشيرًا إلى انه يبيع ألعاب الأطفال في الأعياد فقط، بينما يتاجر طيلة العام في سلع أخرى، كالجوارب. وأشار إلى ان جميع بضائعه تم تصنيعها في منازل بالعتبة ويشتريها بسعر 50 قرش للقطعة لبيعها بجنيه واحد، أي أنه يحقق مكسب 50 قرش على القطعة الواحدة، بينما يبيع الطربوش بجنيهان ويحقق مكسب جنيه واحد، واصفًا حال السوق منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر بعدم تحقيق مكسب، مضيفًا:" اللي معاه جنيه بيخاف يطلعه". جاب الحسيني أماكن مختلفة لعرض بضائعه بحثًا عن مصدر للرزق، منها الشرقية والسلام وغيرها من المحافظات التي تشتهر بوجود الموالد والملاهي، مضيفًا:" التسول وحش ربنا ما يحوجناش لحد، باجيب يادوب مصاريفي وأحسن من التسول". وتابع:" جاي من الشرقية بقالي يومين منمتش خالص، ولو البلد اللي جيت منها كسبت منها كنت روحت البيت نمت" موضحًا أن بضائعه بالرغم من قدمها إلا أنها قريبة من حال المواطن الغلبان، فأكثر تكلفة لم يتعدى الجنيهان وهناك بضائع أخرى لا تتجاوز 50 قرش، مضيفًا:" محدش هيزعل ابنه عشان نصف جنيه.. والمهنة في يومين العيد ممكن تخليني أقعد في البيت مشتغلش كام يوم، بس بقى لها سنتين مفيش لولا ربنا بيكرمنا باللي بيوزعوا شنطة رمضان". وناشد الحسيني حكومة المهندي ابراهيم محلب بزيادة معاش الشئون الاجتماعية من 400 جنيه إلى 1000 جنيه، مضيفًا:" لو خلوا المعاش بتاع الشئون 1000 جنيه لو قتلوا اللي يتسول بعد كده أنا موافق، انا معايا ابني في ثانوي نفسي اعلمه عشان ميشوفش اللي انا شايفه" موضحًا أن إيجار الوحدة التي يسكنها 450 جنيه شهريًا وبالتالي لم يكفي المعاش سداده وحده، مناشدًا الحكومة أيضًا توفير مسكن ملائم يوفر له قيمة الإيجار ويحفظ كرامته وأسرته. وصف الحسيني حال المستشفيات الحكومية بالمتردي، التي جعلته يخشى أن تطأ قدماه أي منها مجددًا بعد أن دخل مستشفى الدمرداش الحكومي منذ سنوات بهدف إجراء عملية استئصال الكلى، ولكنه فوجئ بأنه أصبح طيلة عامين كان فيهما نزيلاً بها، حقلاً لتجارب الطلبة دون استئذان وبالمجان، مضيفًا:" أنا بني آدم هدوم بس لكن كروح وحياة مش مستشعر بحاجة. يعاني الحسيني أيضًا من مرض السكر الذي جعله لا يقوى حتى على العمل ويخشى على مستقبله أبنائه من المجهول في حال ما غادر الحياة دون أن يؤمن لهم مستقبلهم ويوفر لهم المسكن المناسب والمعاش الذي يتمكنوا من خلاله استكمال دراستهم.