في الوقت الذي يحشد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قواته على الحدود الجنوبية، ويهدد باقتحام الشمال السوري، ويضغط على جيشه للدخول إلى سوريا وإقامة منطقة عازلة، يستمر الجيش السوري في دربه نحو تحرير الأراضي والمدن والقرى السورية من سيطرة التنظيمات الإرهابية، ويخوض خلال هذه الأيام معركة جديدة في مدينة "الزبداني" بريف دمشق الغربي قرب الحدود اللبنانية. حدد الجيش السوري ساعة الصفر في مدينة الزبداني، إذ بدأ مدعومًا بالمقاومة اللبنانية هجومًا واسعًا على محاور عدة لاستعادة المدينة التي تقع بالقرب من الحدود اللبنانية السورية، وأحكما سيطرتهما على قلعة التل غرب المدينة والتي تشرف على كامل منطقة الجمعيات، وتقدما في منطقة الجمعيات وسط غطاء مدفعي وجوي كثيف يستهدف جميع نقاط المسلحين، بعد أن تمكنا من قطع الطريق الرئيسي الشمالي للمدينة وبعض طرق الإمداد عن المجموعات الإرهابية، وعزلوا المدينة عن "سرغايا" و"عين حور". بدأ الجيش السوري والمقاومة اللبنانية أولى خطواتهما العملية عبر سلسلة اقتحامات موضعية على أطراف المدينة، حيث اقتحمت القوات المدينة من أكثر من مائة نقطة محيطة بها، بعد تمهيد ناري مكثف استمر لعدة أيام، استهدف نقاط التجمّع ومخازن الأسلحة وغرف العمليات ومراكز قيادية ل"جبهة النصرة" ومخيمات لتدريب عناصرها، في وقت تواصلت فيه الاشتباكات بين الجيش السوري مدعومًا بالمقاومة من جانب، والمسلحين من جانب آخر، على المحاور الجنوبية والغربية والشرقية لمدينة الزبداني. تمكن الجيش السوري والمقاومة من قطع الطريق الرئيسي الشمالي لمدينة الزبداني، وعزلها عن بلدتي سرغايا وعين حور، إضافه إلى قطع طريق الإمداد بين هاتين البلدتين والزبداني، كما تمكنا من السيطرة على قلعة التل المعروفة بقلعة "الكوكو" غرب المدينة، والتي تشرف على كامل منطقة الجمعيات، وسط اشتباكات عنيفة أجبرت المسلحين على التقهقر والتراجع. عملية تحرير الزبداني، جاءت بعد فشل جميع جهود المصالحة التي كانت قد وصلت إلى مراحل متقدمة قبل بدء معارك القلمون، وذلك نظرًا لهيمنة المسلحين الغرباء على قرار أهالي المدينة، إذ تؤكد مصادر من داخل البلدة أن نسبة كبيرة من أهالي المدينة يريدون الوصول إلى تسوية مع الدولة على غرار بلدة "سرغايا". الإسراع بشن الهجوم على الزبداني وتحريرها جاء بعد تسلل مئات المسلحين الفارين من قرى جرود القلمون إلى أحياء المدينة، ويزيد عددهم عن 1500 مسلح، ليشكلوا قوة جديدة ويتخذوا من المدينة منطلقا لتحركاتهم. تكمن أهمية مدينة الزبداني، في أن تطهير القلمون بدءًا من جرود عرسال شمالًا وحتى الطفيل وحام جنوبًا، لن يكتمل إلا بتطهير الزبداني التي باتت أشبه بمنطقة اللجوء التي يتجمع فيه الإرهابيون من كل حدب وصوب، كما أنها أحد أهم مداخل السلاح والمسلحين من لبنان إلى مناطق القلمون، أي أن تطهير الزبداني هو استكمال للعمليات الجارية في جرود القلمون لتطهير الشريط اللبناني السوري من المجموعات المسلحة، وإقفال معابر الإمداد والتهريب مع لبنان. من الناحية الجغرافية فإن الزبداني، التي تبلغ مساحتها حوالى 395 كم2، لها أهمية خاصة حيث إنها بمثابة بوابة للقلمون المفتوحة باتجاه أوتستراد "دمشق–بيروت"، ومنه إلى سفوح جبل الشيخ ومنها إلى القنيطرة، أي أنها المكان الذي كان يعول عليه الكيان الصهيوني في إقامة ما أسماه "الجدار الطيب"، وتبعد الزبداني 45 كم فقط عن العاصمة دمشق، و8 كم عن الحدود اللبنانية -السورية، وتقع الزبداني كنقطة وسط بين دمشقَ وحمص ومنطقة الساحل في الشمال. السيطرة على الزبداني تمُكن من السيطرة على خط "بيروت -دمشق"، كما أنها تقطع طرق دعم المسلحين انطلاقا من الزبداني في اتجاه الجرود، وتساعد على استقرار الحدود اللبنانية السورية بالكامل، بالإضافة إلى القرى الحدودية التي كانت هدفا لاعتداءات الإرهابيين في العديد من المرات، وتتيح إغلاق أحد أهم المنافذ من جهة لبنان، وإبعاد تهديد الإرهابيين عن العاصمة دمشق. وعلى صعيد متصل؛ تخوض مدينة حلب، معركة مفصلية حاسمة بعد الهجوم المباغت الذي شنته المجموعات الإرهابية على مجمع البحوث العلمية هناك، حيث بدأ الجيش السوري هجوما معاكسا بهدف استعادة مبنى البحوث العلمية ومحيطه من قبضة الجماعات المسلحة وهو الأمر الذي تحقق بعد يوم واحد فقط من سقوط المجمع بأيدي العناصر الإرهابية، حيث دارت اشتباكات عنيفة شاركت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، لينتهي الأمر بانسحاب هذه الجماعات من مبنى المجمع بعد محاصرتها وتصفية عدد من عناصرها، وهو ما مكن الجيش من السيطرة على جبهة البحوث العلمية المطلة على أحياء حلب الجديدة.