رغم كثافة ظهورها في السنوات الأخيرة، خاصة خلال المظاهرات بعد ثورة يناير، وانتشار قناع فانديتا وغيره، تظل "الأقنعة" بعيدة نسبيًا عن ثقافتنا، مقابل حضورها في ثقافة الاحتفالات الغربية خاصة في مناسبات بعينها، لكن فكرة الأقنعة تظل مثيرة للتناول في المسرح، ومتسقة مع طبيعة المسرح الذي يرتدي فيه الممثل أقنعة شخصيات عدة. وعن الأقنعة التي يخفي الناس خلفها حقيقة شخصياتهم، ليقدمون للعالم الوجه الذي يريدونه، قدمت فريق المصراوية عرض«أقنعة الملائكة» للمؤلف اليوناني نوتيس برياليس، على مسرح المتروبول، في إطار منافسات مسابقة المسرح العالمي، ضمن مهرجان آفاق مسرحية، وتم اختيار العرض للتصعيد للمرحلة الختامية للمهرجان، "التوب تن"، التي تنظم في الأسبوع الأخير من يوليو الجاري. من خلال الدراما، يخرج العرض الأقنعة من إطارها الشكلي، كإكسسوارات، إلى الأقنعة التي يرتديها الناس يوميًا ليحققوا الشخصية التي يريدون التواصل بها مع الآخر، وكيف تتغير الشخصيات والأقنعة في المواقف والتجارب المختلفة. تدور الأحداث على خلفية حفل تنكري لكنها لا تركز عليه، إذ تترك شخصياته شبه جامدة على جانب المسرح، لا تتحرك إلا حين تدخل منطقة الحدث الذي يركز على عالم بائعي الأقنعة خارج الحفل، ليشتروا أقنعة مختلفة، يديرون بها حياتهم وعلاقاتهم ببعضهم، ويربط العرض بين اللحظة الراهنة لبائعة الأقنعة مارجو، التي تشارك زملائها في جولة لبيع منتجاتهم، فيما تستدعي ذاكرتها لحظات عديدة مؤلمة من تجربتها الشخصية، حين هجرها حبيبها ورحيلها عن قريتها لتعش عمرَا في غربتها تحلم بالعودة لبيتها، وحين تحكي عالم صباها توازيها علي مستوي الآداء الحركي شخصية الفتاة الملائكية في أداء حركي معبر وكاشف لزيف قناع القسوة الحالي الذي ترتديه، ليكشف حقيقة شخصيتها وألمها، بالتوازي مع استدعاء تجربة زميلها بيترو الذي فقد ساقه في الحرب، في إشارات إلى أصداء الحرب والخراب غير المحسوب في حيوات ضحاياها، عبر صورة الجندي الذي فقد ساقه وتركته خطيبته ماريا. لا نري مشاهد للحرب، لكن صوت الانفجارات يتدخل في عدة مشاهد لاستعادة قسوة ذكريات الحرب. مارجو وبيترو محملان بعبء أشباح الماضي وقسوة الواقع وضبابية المستقبل، كلاهما يشعر أنه قبيح وعاجز عن تحقيق أحلامه، بجوارهما شخصيات أخرى ارتدت أقنعة حتى التصقت بها ونسيت حقيقتها، منها شخصية الحبيب السابق لبائعة الأقنعة الذي هجرها تاركا في حياتها جرحًا كبيرًا، وصار الآن الزوج المخدوع الذي يغير أقنعته كل حين، لمواصلة مراقبة زوجته، وماريا، التي هجرت الجندي المصاب، وهي الآن زوجة تهرب من عالمها باقنعة مختلفة. يقارن العرض بين اختيارات الناس للأقنعة فتقول مارجو "لا أحد يريد شراء أقنعة الملائكة، بينما يقبلون على أقنعة الموت"، وتقول لأطفال يشترون منها قناع الوجه الضاحك أنه "غالي بعض الشئ"، لأن 99 % من وجوه الناس حزاني. على مستوي الصورة، جاء الديكور بسيطًا وجامعا بين الحالة الاحتفالية وزحام التناقضات التي تحفل بها أرواح البشر، تمثلت في موتيفات متنوعة على خلفيات سوداء حفلت برسوم مختلفة بالوان فسفورية، منها ما يشير إلى تكوينات بللورية كالذرات وأشكال متنوعة ووجوه ورسوم بدائية وأشكال احتفالية في نسق عشوائي. الآداء التمثيلي كان متميزًا، البطولة لمي عبد الرازق في دور مارجو بائعة الأقنعة لعبتها بحرفية فنية عالية لشخصية تمر بلحظات درامية مختلفة وتجمع بين القسوة والهشاشة والحزن والعنف في انفعالات مركبة في لحظات متتالية، وإن كانت بحاجة للتخفيف من حدة انفعالاتها وميلها للصراخ، فيما كان اختيار الموسيقي باهتًا، كمجرد خلفية تقليدية، كذلك أجاد هيثم حسن في أداء الانفعالات المختلفة لشخصية بيترو. «أقنعة الملائكة» بطولة مي عبد الرازق، هيثم حسن، ياسر سعيد، محمود زكريا، محمد زغلول، ساره عصام، محمد حسام، زينة خالد، أدهم محمود، والطفلان سلمي جاد ومحمد جاد، استعراضات مجدي حسين وزينة زين وأداء حركي محمود أبوغيدة، إعداد محمد جاد الله، سينوغرافيا وإعداد موسيقي بسام محمود، تصميم ملابس سوزان محمد، ومصحح لغوي سعد عبد النور مصطفي. والعرض نال عدة جوائز من مهرجاني ميت غمر وسمنود. يذكر أن المصراوية تشارك بعرضين آخرين في مهرجان آفاق مسرحية هما "أرض لا تنبت الزهور" و"تحت الأنقاض"، وهي أكثر الفرق الحرة استقرارًا وغزارة في الإنتاج، أسسها المخرج خالد العيسوي عام 2004، وأنتجت أكثر من 15 عرضًا نالت العديد من الجوائز.