أمس قام مواطنين سوريين ينتمون للطائفة الدرزية مقيمين في قرية مجدل شمس بهضبة الجولان المحتلة بمهاجمة واعتراض سيارات إسعاف تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء نقلهم لمصابين يعتقد انتمائهم لتنظيم "جبهة النُصرة-فرع تنظيم القاعدة في الشام"، مما أسفر بحسب وكالات الأنباء عن مقتل مسلحين أثنين وإصابة أخريين من ضمنهم جنود في الجيش الإسرائيلي، وذلك بعد أقل من يوم على حادث مماثل أقدم فيه مواطنين من قرية حرفيش الدرزية شمال فلسطينالمحتلة على اعتراض سيارة اشتبهوا في كونها تحمل مصابين من جبهة النُصرة. تأتي هذه الأحداث بعد أقل من أسبوعين من ارتكاب مسلحي النُصرة لمذبحة في قرية قلب لوزة أحد قرى منطقة جبل السماق في سوريا، والتي راح ضحيتها ما يربو عن الأربعين شخص بينهم شيوخ وأطفال، وهي المجزرة التي ألقت الضوء على وضع الدروز في سوريا، وخاصة هؤلاء الذين تسيطر على مدنهم وقراهم جبهة النُصرة، الذي حاجج زعيمها، أبو محمد الجولاني، بأن تنظيمه متسامح مع أصحاب المذاهب الدينية الأخرى وخاصة الدروز بعد "دعوتهم إلى تغيير دينهم"، وذلك في حوار أذاعته قناة الجزيرة القطرية أواخر الشهر الماضي، في إطار استراتيجيه دعائية تنفذها وسائل إعلام قطر وتركيا والسعودية، تهدف إلى تحسين سُمعة التنظيم الإرهابي وتقديمه للرأي العام العربي والدولي كأحد فصائل "المعارضة المعتدلة". اقرأ: (رسائل «الجولاني» من «الجزيرة» أنا لست «داعش» أنا «القاعدة») أيضاً سلطت أحداث أمس الضوء مجدداً على التحالف بين دولة الاحتلال وبين جبهة النُصرة، حيث تعمل تل أبيب منذ حوالي ثلاثة أعوام على استغلال الأزمة السورية في خلق طوق أمني على حدود فلسطينالمحتلة مع سوريا، يشابه قوات "جيش لحد" في لبنان، كجبهة أمامية غير مباشرة لاستنزاف الجيش السوري والمقاومة اللبنانية، والعمل على إطالة مد المعارك في سوريا مما يضمن من وجهة نظر صانعي القرار في إسرائيل إنهاك هذان الطرفان. ولذلك شهدت مناطق التماس بين مسلحي الجبهة والجيش السوري والمقاومة عدد من العمليات العسكرية نسقت فيها إسرائيل لوجستياً وعسكرياً مع مسلحي الجبهة، من ضمنها هجوم القنيطرة في يناير الماضي، الذي راح ضحيته عدد من كوادر حزب الله اللبناني وقادة عسكريين إيرانيين، ورد مقاومي الحزب باستهداف قافلة عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانيةالمحتلة، قتل وأصيب فيها خمسة عشر ضابط وجندي إسرائيلي. اقرأ: (تسليح «المعارضة المعتدلة» قد ينهي مخاوف إسرائيل الأمنية في سوريا) إلى ذلك، قطعت أحداث أمس مسار دعائي بدأته إسرائيل منذ شهور، يصورها كحامية للأقليات المذهبية في المنطقة التي تشهد اضطرابات لها تجليات عنف طائفي ومذهبي منذ سنوات راح ضحيتها الآلاف، فأولاً وبالنسبة للداخل الإسرائيلي أتى حادث أمس أتى كرد على تقاعس وتواطؤ حكومة نتنياهو أمام مواطني فلسطينالمحتلة من الدروز لاتخاذ إجراء يناسب البروباجندا التي أطلقتها هذه الحكومة حول تعهدها بحماية أبناء هذه الطائفة، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع قبل وبعد مجزرة جبل السماق، فلم تتخذ الحكومة الإسرائيلية إجراءات من شأنها أن تضمن أن لا يتعرض مسلحي النٌصرة -حلفاء تل أبيب- لأبناء الطائفة الدرزية. وثانياً أبرزت أحداث أمس التناقض بين ما يقوله رموز الطائفة الدرزية الداعمين لجبهة النُصرة في دول المنطقة، سواء في لبنان أو إسرائيل، والذين بذلوا أقصى جهدهم لوأد وقمع أي رد فعل من جانب الدروز ضد مسلحي الجبهة، بل أعتبر أحد أهم هذه الرموز، وهو النائب اللبناني وليد جنبلاط، أن ما حدث في قلب لوزة لا يتعدى "مَشكل فردي". وعقب مذبحة جبل السماق، شرعت تل أبيب في استنفار جهود دبلوماسية وإعلامية الهدف منها تسليط الضوء على مسألة دروز سوريا، تمهيداً لسيناريوهات إنشاء منطقة آمنة للدروز في سوريا تشرف عليها تل أبيب بموافقة دولية وإقليمية، وما يتبع ذلك من أسرلة دروز هضبة الجولان، ويوازي ذلك في جنوبسوريا إقدام الأردن بتنسيق مع إسرائيل على تسليح وتدريب دروز منطقة السويداء. ولكن ماحدث أمس أبزر التناقض الإسرائيلي الخاص بالادعاء بحماية الدروز وما بين ما تفعله تل أبيب فعلياً من دعم مفتوح لإرهابي النُصرة الذين أقدموا على قتل الدروز. اقرأ: (بعد مذبحة "جبل السماق"..دروز سوريا بين مطرقة التكفيريين وسندان إسرائيل) وبالإضافة إلى ما سبق، فأن انفضاح التعاون ما بين تل أبيب وجبهة النُصرة من النافذة الدرزية، بعد أيام على طلب إسرائيل الضوء الأخضر من الولاياتالمتحدة للشروع في الإجراءات سابقة الذكر تجاه دروز سوريا، فأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تداعيات أقلها فتح نقاش حول حجم ومدى الدعم الذي تقدمه إسرائيل لتنظيم إرهابي جرم مجلس الأمن العام الماضي دعمه بأي شكل، بخلاف أن النُصرة تعد فرع لتنظيم القاعدة، وهو ما يعني فعلياً أن الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة يقدم الدعم والمساعدة لأحد أعداء واشنطن، حتى إذا كان هذا التنظيم يكرر عبر وسائل إعلام عربية وعبرية وتركية أنه لن يقدم على مهاجمة "الغرب ومصالحه من سوريا وأن ذلك ليس على أجندته أصلا". اقرأ: (أفق الشراكة بين "إسرائيل" والمعارضة "المعتدلة" والاستفادة من التحالف ضد "داعش") تتبقى ملاحظة أخيرة وهي أن ردود فعل تنظيمات وجماعات ما يسمى ب"المعارضة السورية" على تنويعاتهم وعبر وسائل إعلامهم على الانترنت قد هاجموا الطائفة الدرزية ككل واعتبر بعضهم أن هجومهم على "ثوار" يعالجون بمستشفيات إسرائيلية يعبر عن حقيقة ولائهم لنظام الأسد، وذلك الأمر يشي مع تصاعد وتيرة الأحداث منذ مطلع الشهر الجاري والتهديد المستمر لأبناء الطائفة الدرزية وابتزازهم تارة بداعش وتارة بالنصرة لحسم موقف عام يتسق مع مخططات إسرائيل والدول الداعمة للعصابات المسلحة في سوريا، وبالتالي فقد تشهد الأيام القادمة تصاعد وتيرة العنف ضد الدروز في سوريا من قِبل هذه العصابات، ويتبع ذلك استثمار إسرائيل لهذه الأحداث في المضي قدماً في مخططاتها؛ وسواء كان هذا أو ذاك، فأن الثابت منذ الأسابيع الماضية أن دروز سوريا أصبحوا ضمن معادلة الصراع بين أطراف الأزمة السورية.