صدرت حديثًا، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة مكتبة الأسرة، من كتاب للمؤرخ الفرنسي هنري لورنس، بعنوان «الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر- الاستشراق المتأسلم في فرنسا 1698-1798»، ترجمة بشير السباعي. من كلمة المترجم: تتمثل المهمة المحورية لهذا العمل الرائد في تتبع مسيرة الاستشراق الفرنسي المهتم بعالم الإسلام على مدار القرن الثامن عشر؛ وهو تتبع يجري من زاوية البحث في الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر. ويضيف: بصدور هذا العمل مترجما إلى العربية, يكتمل صدور ترجمة ثلاثية هنري لورنس عن خصائص وتحولات الخطابات الفرنسية في التعامل مع العالم العربي في العصر الحديث، فقد سبق لنا أن ترجمنا إلى العربية الكتابين الثاني والثالث من تلك الثلاثية: "الحملة الفرنسية في مصر" 1995, و"المملكة المستحيلة" 1997. يكشف هذا العمل عن واقع تاريخي أساسي هو أن الحملة الفرنسية على مصر لم تكن صدفة تاريخية, بل كانت اختبارا عمليا لروح استعمارية جديدة تهدف, من حيث الجوهر, إلى تغريب معمم لمجمل العالم غير الغربي. ومن أجواء الكتاب: إن الكتابة التاريخية عن الحملة الفرنسية على مصر إنما تشكو من كونها نابوليونية بشكل بالغ الحدة إذ يجرى النظر إليها غالبا بوصفها مرحلة في مسيرة فاتح، ولا يجري النظر إلى الجوانب الشرقية للمسألة وما نعرفه عن الحملة هو في الواقع عسكري ودبلوماسي، أما عدا ذلك فهو يغيب عن أبصارنا. على أن هذا المشروع لا يمكن اختزاله في محاورة سياسية تهدف إلى التخلص من جنرال جد مرموق ورائع، وهو جنرال يقبل من جهة أخرى تحمل مسئولياته بحماس، إنه يتماشى مع مخطط عميق ولعل الصدفة، هي اضطلاع بونابارت به. ويقول المؤلف: يتناول كتابنا هذا الأصول الفكرية للحملة ومهمتنا هي أن نحدد من أين جاءت هذه الفكرة السياسية؟ وكيف تسنى لبلد كان ما يزال ثوريًا هو فرنسا أن ينهمك في مشروع كهذا؟ ووثائقنا تتألف أساسًا من نتاجات الاستشراق المتأسلم في القرن الثامن عشر، ومن ثم ندرس أولا نوع الاتجاهات الكبرى التي تحكمه، ثم في لحظة تالية أطول سوف ننظر في تيماته الكبرى انطلاقا من التاريخ، وصولا إلى ما كان حاضرا مباشرا، مرورا بتحليل نمط حياة المجتمعات الشرقية. سبق وقال الكاتب هشام صالح، عن المؤلف المشهور هنري لورانس: ربما كان في طوره لأن يحل محل جاك بيرك، أو لويس ماسينيون، في ما يخص تحليل القضايا العربية والتخصص فيها، فهذا الباحث الشاب، الذي لا يتجاوز الخمسين من العمر، عُيِّن أخيراً، أستاذاً في أعلى مؤسسة علمية فرنسية (أعلى من السوربون)، هي الكوليج دو فرانس، فهو يحتل فيها كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي، وهو الكرسي نفسه الذي كان يحتله ماسينيون وبيرك سابقاً، ربما مع بعض التغيير في الاسم أو التعديل. والرجل أصدر حتى الآن، كتباً عديدة عن الشرق العربي، نذكر من بينها كتابه الضخم عن فلسطين في مجلدين، ثم كتابه عن «الشرق العربي في عهد الهيمنة الأميركية»، وأخيراً كتابه «شرقيات» في جزأين، والرجل يدرس تاريخ المنطقة العربية، متخذاً حملة نابليون بونابرت عليها كنقطة فاصلة، لكنه لا يكتفي بدراسة الحملة ذاتها، إنما يعود إلى الوراء قرناً من الزمان ويتقدم بعدها إلى الأمام قرنين، حتى يصل إلى عصرنا الراهن. وهكذا يعطي صورة شاملة عن أوضاع العالم العربي على مدار القرون الثلاثة المنصرمة، وهي القرون التي ابتدأنا فيها نتعرف على حداثة الغرب حقاً، ونستيقظ من نوم عميق وطويل. وعندئذ دخلنا في إشكالية الصراع بين التراث والحداثة، وماذا نأخذ من هذه الأخيرة، وماذا ندع؟! ونتعرف أكثر على بشير السباعي، شاعر ومؤرخ ومترجم مصري، ولد في 15 يناير 1944 بالشرقية، نقل عن الروسية والإنجليزية والفرنسية نحو سبعين عملاً إبداعيًّا وفكريًّا، حاصلٌ على جائزة أفضل الملمين بالروسية وآدابها من المركز الثقافي السوفيتي بالقاهرة (1971). وحاصل على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب، دورة 1996، عن أفضل ترجمة عربية عام 1995، وحاصلٌ على جائزة مؤسسة البحر المتوسط للكِتاب (2007)، وحاصل على جائزة رفاعه الطهطاوي من المركز القومي للترجمة (2010)، وحاصل على جائزة كافافي الدولية للترجمة (2011).