أجرت البديل حوارا مع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة الدكتور "أيمن الرقب"، حول تطورات القضية الفلسطينية وارتباطها بالأحداث التي تشهده منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الراهنة.. وإليكم نص الحوار. ما هو أفضل خيار للتعامل مع القضية الفلسطينية الدبلوماسي أم العسكري؟ أولا القيادة الفلسطينية تدرك وتقرأ الواقع العربي جيدًا فالمنطقة العربية تسعى للسلام منذ 1982 عندما تم طرح المبادرة العربية للسلام، إلا أنه تم تجميد هذه المباردة بعد انتصار الثورة الفلسطينية في لبنان، ففي البداية رفضت الثورة الفلسطينية المبادرة، ثم بعد الهزيمة في حرب 1982 على الرغم من المكاسب السياسية إلا أن الخسارة العسكرية في لبنان أدت إلى جرح كبير دفع القيادة إلى التغيير نسبيًا في عالم اللغة والحوار، ثم حُصرت القيادة الفلسطينية حتى عام 1987 عندما انفجرت انتفاضة الحجارة والتي أعادت الروح للقضية الفلسطينية مرة أخرى، من هنا بدأ ميلاد أوسلو. وماذا عن الخيار العسكري؟ بعد أحداث عديدة أربكت المشهد الفلسطيني منها 11 سبتمبر عام 2001، وانفجار انتفاضة الأقصى عام 2000 التي زودت معدلات الآلم حيث كان يقتل إسرائيلي واحد أمام ثلاثة فلسطينين، وبالتالي أثر ذلك على لغة المواجهة التي تغيرت تدريجيًا مع الوقت، فأصبحت المنطقة كلها تقبل بالتعايش مع إسرائيل، ثم بدأنا نطرح في عام 1982 و 1983 بالقبول بدولة على 22% من أرض فلسطين التاريخية، مقابل الاعتراف بإسرائيل ثم جاءت تتويجها في عام 2002 بالمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت التي اعتمدت بشكل أساسي أن يكون السلام هو خيار استراتيجي للعلاقة بيننا وبين الصهيانية، وبالتالي أصبحت إسرائيل جزء من الواقع الذي يقبل به العرب وفقط هم يمنحون حقنا في أن تقوم دولتنا على حدود 22% من أراضي فلسطين التاريخية بالضفة الغربية وقطاع غزة. من هنا كانت الخيارات الفلسطينية التي أدركت الواقع العربي والذي لن يقبل بالكفاح المسلح أن يعود مرة أخرى، لا سيما في ظل المتغيرات الأخيرة بالمنطقة. وماذا عن الواقع العربي الراهن؟ نحن أصبحنا جزء من المعادلة العربية وجزء من المؤسسة الدولية عندما قبلنا أن نكون أيضًا في الأممالمتحدة.. وسأروي لك بعضًا من كواليس قمة سرت 2010 الماضي، حيث طلب الرئيس السوري "بشار الأسد" من "محمود عباس" أن يتبنى الكفاح المسلح وأن يُسقط المبادرة العربية للسلام. حقيقة واقع المنطقة العربية وحقيقة واقع القيادات العربية والتي تتحدث عن سلام استراتيجي مع إسرائيل تجعلنا لا نستطيع أن نخرج من هذه العباءة العربية وإلا سنرجم، فنحن أمام خيارات صعبة جدًا فإما الاستمرار في الدبلوماسية الفلسطينية التي حققت بعض النجاحات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية والسعي لإقامة دولة فلسطينية بنسبة 22% من أراضي فلسطين التاريخية، أما أن يأتي متغير جديد في المنطقة يتحدث بشكل واضح عن تصفير الصراع يعني إسقاط كل الاتفاقيات والحوارات القائمة بين فلسطين وإسرائيل وإشعال المنطقة من خلال كفاح مسلح فهل المنطقة تقبل بذلك؟.. اعتقد لا تقبل بذلك، ولننظر إلى العدوان على غزة 2014 الماضي، فلم تخرج جماهير في المنطقة العربية تتعاطف مع الشعب الفلسطيني الذي كان يقتل في غزة، وذلك نتيجة الصراعات القائمة بالداخل العربي وهو ما أضعف قوة الالتفاف على القضية الفلسطينية. كيف ترى نظرة المجتمع الدولي الآن إلى القضية الفلسطينية ؟ نحن نحارب من أجل أن ننتزع اعترافات دولية لأنها تحرج إسرائيل وتضغط على حليفتها أمريكا، كما أننا مصرين على عملنا الدبلوماسي من خلال الجنائية الدولية، كما هناك قضايا سنرفعها إلى الأممالمتحدة، من خلال 200 محامي عربي وفلسطيني عكفوا على ترتيب ملف خاص يشرح عمليات الاستيطان التي يجريها الكيان الصهيوني بالأراضي الفلسطينية، والمطالبة بتفكيك هذه المستوطنات. هناك محاولات من الأممالمتحدة بتحريك ملف المفاوضات مرة أخرى، إلا أن القيادة الفلسطينية لن تتنازل عن توقف الكيان عن الاستيطان مقابل البدء في هذه المفاوضات، لذا نريد أن نعود إلى جدول زمني يحدد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية. وإذ لم تحقق هذه المفاوضات نتائج إيجابية؟ لن نقبل بعودة المفاوضات دون جدول زمني يحدد الانسحاب الإسرائيلي، غير ذلك ستبقى الأمور كما هي عليه نتصارع نحن مع الإسرائيليين على الأرض، وأنا أؤكد أن فلسطين قبل اتفاقية أوسلو ما كان عندنا كيان فلسطيني ولا عنصر مسلح على الأرض، الآن نتحدث عن وجود كيان فلسطيني ومقاتلين فلسطينيين موجودين على أرض فلسطين عددهم 120 ألف مقاتل، وتم تحويل الصراع بدلًا من الخارج إلى صراع داخل الأرض، نراهن على شعبنا ومقدرتنا على الصمود، لذا فإذا فشلنا في الحل الدبلوماسي الشعب الفلسطيني سيختلق البدائل التي تناسب الواقع. إلى أين وصلت المصالحة بين حركة فتح وحماس خاصة بعد مبادرة نبيه بري؟ عندما استضافت لبنان مؤخرا عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق وعزام الأحمد عضو حركة فتح، تحدث نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني بشكل واضح عليكم أن تعودوا إلى ملف المفاوضات مرة أخرى، ولكن هناك وسطىات أكبر من نبيه بري لم تنجح في ذلك، لاسيما وأن هناك قضايا كثيرة جدًا توضح الاختلاف أهمها أن حماس لها برنامجها الخاص وفتح لها برنامجها الخاص. هل أثرت الأحداث والتطورات الأخيرة في الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية ؟ أولًا مصر في كل المراحل حتى في أوقات ما سمي بالربيع العربي لم تتراجع عن دورها في تجاه القضية الفلسطينية، حيث جاءت الوفود الفلسطينية في قمة الحراك في مصر عام 2011 وقعت مرة أخرى على الورقة المصرية بالقاهرة، واستمرت المخابرات المصرية التي هي مسئوله عن الملف الفلسطيني في نفس سياق المفاوضات ولم تتراجع عن ذلك، كما في الحرب الأخيرة نتحدث عن خلاصة القول عن الدور المصري الذي كان واضح جدًا والمطالب بضرورة وقف الحرب وأن يكون هناك إيجاد حل للقضية الفلسطينية تنهي حالة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية. لا سلام ولا حرب بدون مصر لأنها لها دور تاريخي في القضية الفلسطينية، واتمنى عبر صحيفتكم أن يكون هناك رؤية شاملة لتشغيل معبر رفح لأن هذا المعبر المنفذ الوحيد لأهلنا في قطاع غزة، وفي هذا الإطار نقدر الظروف الأمنية ولكن أقل تقدير أتمنى لو يفتح مرة في الأسبوع. البعض تحدث عن أن هناك قبول لدى الإدارة المصرية والعربية أن يكون دحلان هو الرئيس القادم لفلسطين؟ دول الجوار قد يكون لها تأثير يتراوح بين 10% أو 20% على تحديد الرئيس الفلسطيني، ولكن من ينتخب الرئيس هو الشعب الفلسطيني لأنه هو مصدر السلطات، ومرشح الحركة في الانتخابات لابد أن تجمع فتح عليه أولاً أيا كانت الشخصية، وقد تجتمع فتح على شخصية وندخل الانتخابات ولا ننتصر، فحماس سيكون لها مرشح في الانتخابات المقبلة وقد ترشح إحدى الفصائل الأخرى أيضًا شخصية لها. وفي ما يخص رؤية فتح لشخصية دحلان في هذه المرحلة ؟ دحلان مفصول من اللجنة المركزية لحركة فتح، لكن السياسة لا يوجد بها شيء ثابت في أي لحظة قد يتغير الوضع ويصبح الأمر مختلفًا، عندما جاء الرئيس أبو مازن كان هناك خلاف حادًا بينه وبين الرئيس عرفات ثم تغيرت الأمور، فلا ندرك الأمور إلى أين ستذهب لكن نتمنى أن تكون فتح موحدة قوية بكل قواها، لأن أي خلاف سينتج عنه إضعاف للجبهة الفتحاوية. هل ترى أن ما تشهده المنطقة من أحداث مشتعلة في الوقت الراهن كصراعات داخلية أثرت على القضية الفلسطينية وجعلت إسرائيل تعيش دور المراقب في الوقت الراهن؟ بالعكس ليست المراقب فقط إنما مستفيد شكلًا وموضوعًا من هذه الأحداث، في عام 2011 عشية الانتخابات الإسرائيلية كانت المنطقة مشتعلة، تحدثت جريدة معاريف مع نتنياهو متساءله ماذا قدمتم للربيع العربي؟ رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل واضح هذا ليس ربيعًا عربيًا هذا ربيعًا إسرائيليًا خريفًا عربيًا، وهذا الحديث يتطلب قراءة المشهد مرة أخرى ثم تحدث أيضا رئيس الكنيست الإسرائيلي بأن هذه أمطار الخريف التي تهب على المنطقة العربية، كما تحدثت الصحافة الصهيونية بشكل واضح أن الكيان الصهيوني تمكن من تفكيك كل الجيوش العربية، ويبقى أمامهم الجيش المصري الوحيد ويجب أن يسعى إلى تفكيكه. وأنا أعتقد أن ما يحدث في سيناء إسرائيل طرف رئيسي به، كما أن ما يحدث في سوريا من اقتتال داخلي ورفع وتيرة النزاع الديني الديني، في صالحها ما يحدث في اليمن ورفع وتيرة التحريض بين الشيعة والسُنة، وأنا أذكر لك اعترافات أنتوني زيني الجنرال الأمريكي في حرب 2003 بالعراق عندما تحدث أن ما ضغط باتجاه أن يكون هناك صراعًا في العراق هو الموساد الإسرائيلي ومن فجر الصراع بين المذاهب السُنية والشيعية هو تمويل وضغط من الكيان الصهيوني. الفترة الأخيرة شهدت مقاومة فردية وحوادث طعن للمستوطنين.. كيف ترى تأثير ذلك على الوضع الداخلي؟ البعض كان يراهن أن هذه الأحداث الفردية التي وقعت في القدس تحديدًا، بداية لانتفاضة ثالثة ولكن أنا أتحدث بشكل واضح أن الانتفاضة الثالثة تحتاج إلى ارادة سياسية، فالانتفاضة الثانية كان هناك إرادة سياسية لدى الرئيس عرفات والفصائل التي تحالفت معه بالإضافة أنه كان يؤمن بتجربة الثورات الدولية كالفيتنامية المتمثلة في حرب العصابات وكان يؤمن بأنه لابد من المقاومة بجانب المفاوضات، على عكس الرئيس محمود عباس الذي لدية رؤية مخالفة تماما لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي لايؤمن بالحل العسكري، لكن القيادة المركزية لحركة فتح لديها العديد من القيادات التي تطالب بالحل العسكري والمقاومة مثل مروان البرغوثي، الذي يؤمن بأن الكفاح المسلح لابد أن يستمر مع المفاوضات. ما مدى قبول مروان البرغوثي لدى حركة فتح ؟ قبوله جماهيريا عالي جدًا، الشعب لو لم يترشح الرئيس عباس للانتخابات وترشح مروان سيفوز، ولكن لابد أن ترشحه حركة فتح أولا، لذا قد تكون المرحلة المقبلة تتطلب مواجهة عسكرية ونختار مروان البرغوثي، أو أي شخص آخر وبالتالي في النهاية لابد أن تجمع عليه الحركة. بالنسبة لي شخصيًا من يعيد الصورة الوطنية لحركة فتح هو مروان البرغوثي، لأنه معتقل ومحكوم عليه بالمؤبد وذلك يوضح مدى وطنيته وتأثيره على إعادة الوحدة، وكان لي مقالًا في هذا الصدد عن كيف نعيد فلسطينيا تجربة جنوب افريقيا مرة أخري وأن نسقط المبادرة العربية للسلام وأن نسقط المشروع السياسي بأكمله، وأن نعيد التجربة الإفريقية ننتخب رئيسًا من داخل المعتقل ونعود للالتفاف حوله، يعطي تعليماته وتعود الاشتباكات مع الإسرائيليين، هذا الأمر وارد وهو من الخيارات الفلسطينية، ولكن لم تنضج الإرادة السياسية حتى الآن لقبول بهذا الخيار.