ينتظر الكثير من المسلمين في دول العالم قدوم شهر النفحات والطاعات، شهر الصيام والقيام، فبعضهم يستقبله بالمأكولات والمشروبات، وآخرون يرون أنه شهر الطاعات والعبادات والروحانيات، والكثير من المسلمين يحرص على المحافظة على العبادة في ذلك الشهر؛ للخروج منه ببعض المكاسب الدينية، فيبادر بالاعتكاف في نهاية العشر الأواخر من الشهر الكريم في المساجد، لكن ما هي شروط ذلك الاعتكاف؟ وهل يؤديه بشكل صحيح ويحافظ على توافر شروط صحة ذلك النوع من العبادة التي ظهرت قبل الإسلام، بل قبل الأديان؟ فالاعتكاف سنة مؤكدة عن النبي المختار، بضوابط وشروط، أولها أن يكون الاعتكاف بالمسجد الجامع لا بالزوايا ولا بالمصليات، فالزوايا والمصليات تكون لأداء الصلوات الراتبة فقط، ولا مجال فيها لإقامة شعائر الجمعة والاعتكاف، فالمسجد الذي لا تقام به الجمعة التي هي فرض لا يقام به الاعتكاف الذي هو سنة. واشترطت وزارة الأوقاف أن يكون الاعتكاف تحت إشراف إمام من أئمتها أو واعظ من وعاظ الأزهر الشريف أو خطيب مصرح له من وزارة الأوقاف تصريحاً جديداً لم يسبق إلغاؤه. كما حددت وزارة الأوقاف أن يكون المكان مناسباً من الناحية الصحية ومن حيث التهوية وخدمة المعتكفين، بناء على تقرير يرفع من مدير الإدارة التابع لها المسجد لمدير المديرية، وأن يكون المعتكفون من أبناء المنطقة المحيطة بالمسجد جغرافيًّا المعروفين لإدارة المسجد، وأن يكون عددهم مناسباً للمساحة التي يقام بها الاعتكاف والخدمات اللازمة للمعتكفين، ويقوم المشرف على الاعتكاف بتسجيل الراغبين في الاعتكاف وفق سعة المكان قبل بداية الاعتكاف بأسبوع على الأقل، وان تكون إدارة الأوقاف التابع لها المسجد مسئولة مسئولية كاملة عن إدارة شئون الاعتكاف وعن أي خلل يحدث فيه، ولها حق متابعته من خلال التنسيق مع المشرف على الاعتكاف. يتم اعتماد المسجد من قِبَل وزارة الأوقاف كمسجد مصرح له بالاعتكاف، وستنشر أسماء المساجد المصرح لها بالاعتكاف على موقع الوزارة فور اعتمادها. الشيخ عبد الله نصر، خطيب التحرير، قال إن فكرة الاعتكاف ليست مقتصرة على المساجد فقط، فالإنسان في حالة اعتكاف دائم، فالجميع معتكف عن فكرته ومنهجه وعمله، فالمدرس الذي يخرج لتعليم الطلاب هو في حالة اعتكاف، فكل إنسان في موضعه ويعمل بما يستوجب عليه هو في اعتكاف، ولا شك أن الله سوف يجزيه على ذلك خيرًا. وأشار إلى أن فكرة الاعتكاف وجدت من قبل الدين ذاته، فالتواصل مع الله روحيًّا كان موجودًا قبل الأديان، كما كان يفعل النبي بالتقرب إلى الله في غار حراء، عن طريق التأمل بحضور القلب والروح مع ربه. وشدد على أن اقتراح وزارة الأوقاف ترخيص الاعتكاف بالبطاقات يعد تفتيشًا في عقائد الناس وهو مرفوض، قائلاً إن الله جعل الارض مسجدًا والتراب طهورًا. وأوضح أن الاعتكاف في المساجد ليس لها أصل في الإسلام وهو مستحدث، أما ما نسب للنبي من اعتكافه العشر الأواخر في رمضان، فلا بد من التنبيه إلى أن النبي كان بيته داخل المسجد، فكان اعتكافه في فترة الليل ببيته، كما أن الاعتكاف بمعنى الانقطاع عن الدنيا وعن العمل فيه إهدار لقيمة العمل وقيمة هذا الشهر الكريم، الذي يحض على التقوى، وهي أن يتقي الإنسان ربه في عمله الذي هو عبادة، وليس الانقطاع عن الدنيا وعن العمل، مشيرًا إلى أن قيام الناس بترك مظاهر الحياة العامة لمدة 10 أيام في رمضان ظنًّا منهم التقرب إلى الله ليس صحيحًا. وتابع أن الطبيب الذي يعمل في المستشفى، ويسهر على راحة المرضى، ويقدم لهم الرعاية التي تحافظ على حياتهم، وتكون سببًا للنجاة من الموت، هذا يعد اعتكافًا حقيقيًّا، والطالب في مذاكرته ودروسه هو كذلك، مشيرًا إلى أن ما يفعله البعض من الانقطاع عن العمل وجلب المأكولات والمشروبات يتنافى مع فكرة الاعتكاف، كذلك الإطالة على المصلين، خاصة وأن فيهم كبار السن، تتنافى مع فكرة الاعتكاف، مشيرًا إلى أن كل مكان يُتعبَّد فيه إلى الله بالعلم يعد اعتكافًا. وأوضح أن المسلم عليه أن يطابق قوله فعله، لأن العلاقة بين العبد وربه لا تقتصر على أشهر معينة، وتكون بقية أشهر العام معصية وبعدًا عن الله، وعندما يأتي شهر رمضان، تجد الجميع يحمل المصاحف، ويقرأ القرآن ويترك المعاصي، لأن هذا السلوك ينطبق على المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون.