مع اقتراب شهر رمضان المبارك الذي سيبدأ في الأراضي الفلسطينية غدا الخميس، السابع عشر من مايو، ما يزال فريق البديل في غزة يكتب عن أشكال الحياة فيها والطريقة التي يعبر فيها الناس عن حياتهم، سيما وأنَّ غزة مدينة مليئة بالحياة، بالرغم من أنها تواجه كافة أشكال الموت والحصار، وغيرها من منغصات الحياة التي يحاول الفلسطينيون التخلص منها، معالمٌ حضارية موجودة في بعض المناطق التاريخية في المدينة، وخصوصاً منطقة السوق القديم والحواري والمساجد التي تأخذ طابعاً فلسطينيًّا قديماً. يعتبر أحد أهم المعالم التاريخية في فلسطين، وعلى بعد كيلو متر واحد من المسجد العمري القديم الذي يقع في حي الدرج وسط مدينة غزة، يقع مسجد السيد هاشم والذي تبلغ مساحته 2400 متر. فبناؤه القديم وشكل أقواسه وساحته الواسعة، خاصة مع وجود النوافذ الزخرفية والمحفورة في جدران المئذنة يدلل على رقي مستوى العمارة الإسلامية منذ القدم، وعراقته هذه تدل على أنه واحدٌ من أهم المعالم العمرانية والإسلامية في المدينة، ليس هذا فحسب، بل يوجد في هذا المسجد قبر السيد هاشم بن عبد مناف، جد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك سمِّي بمسجد السيد هاشم، والذي تقول الروايات أنه دُفن بالمسجد بعد وفاته أثناء رحلة تجارية في المنطقة. وتشير المراجع التاريخية إلى أنَّ المسجد قد أنشئ على يد المماليك، وجدده السلطان عبد الحميد سنة 1850م، وكانت هناك مدرسة موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف، وقد أصاب قنبلة المسجد أثناء الحرب العالمية الأولى أدَّت إلى إحداث أضرار جسيمة فيه، لكنَّ المجلس الإسلامي الأعلى عمره وأرجعه إلى أفضل مما كان عليه. وتشير المراجع أيضاً إلى أنَّ السيد هاشم مدفون بمغارة بجانب والده، وقيل عليه، أو تحت رجليه. مات عبد مناف بغزة، وهو أول من سنَّ الرحلتين لقريش للتجارة، وكان في كل سنة يأتي لمدينة غزة ويقيم فيها مدة الصيف وفي آخر مرة من رحلته توفي بها، ودفن بإجماع المؤرخين، ولذلك نسبت المدينة إليه فقيل لها منذ ذلك الوقت (غزة هاشم)، وكان مدفنه بموضعه المعروف، وكان هناك ساحة لا بناء فيها بالقرب من سور المدينة من الجهة الشمالية القريبة، جعلت للمسجد كتيبة كبيرة، وجمعت فيها مكتبة عظيمة أكثرها من الكتب المخطوطة النفيسة، وصارت تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة، وأقام بحجراته بعض أهل العلم والطلبة والقراء، وآوى إليه أبناء السبيل والغرباء وجعل له موسم في كل عام ثمانية أيام بلياليها، وينتهي ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يزدحم فيها الناس ويؤمه الرجال والنساء من غزة وضواحيها، في سنة 1323هجرية، نقضت منارته لخلل واعوجاج ظهر بها، وجدد بناؤها وعمَّر بجانبها من الجهة القبلية بيت آخر للصلاة محاذٍ للبيت الأول، وصدر الإذن السلطاني بإقامة صلاة الجمعة به وبالخطبة فيه. ثم بسبب الحرب العالمية حدث فيه خراب كبير وضرر عظيم وفقدت تلك المكتبة القيمة بالسرقة والسلب والتمزيق حتى لم يبق لها أثر، وبالسعي والإلحاح المتكرر جرت عمارته تدريجيًّا حتى عاد كما كان، وقدمت له بعض قواعد للعمد من الرخام ثم أقام المجلس الإسلامي فيه مدرسة لطلبة العلم وعُيِّن لها أربعة من المدرسين، ثم ألغاها، واكتفى بمدرسة العجزة لتعليم وتجويد القرآن العظيم بمعلم واحد من الحفاظ المجيدين، ثم انتقلت به لمدرسة الفلاح الوطنية بضع سنوات ثم انتقلت إلى مقرها الذي كان الجيش الإنجليزي قد احتله في مدة حرب الألمان. ذكر إمام المسجد يوسف أبو نجيلة أنَّ هذا المسجد من المساجد القديمة التاريخية العريقة في قطاع غزة، مشيراً إلى أنَّ هذا المسجد طريق السيد هاشم بن عبد مناف أثناء رحلته التجارية فتم تسمية غزة باسم غزة هاشم، وتم وضع جثمانه في الجهة الشمالية الغربية للمسجد. وتابع في حديثه لمراسل البديل: "يعلو هذا الضريح قبة تدل على المقام الموجود به السيد هاشم، ويبلغ عمر المسجد على حسب القول الأقرب للصواب 400عام". والجدير ذكره أنَّ المسجد يقع في منطقة حي الدرج في المنطقة الشرقية لمدينة غزة القديمة، وورد في الموسوعة الفلسطينية أنه من الراجح أنَّ المماليك هم أوَّل من أنشأه، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1266 ه / 1830م". أشياء أخرى جميلة تحدث بها أبو عماد أحد مرتادي المسجد، وقد كان جالساً مع عدد من زملائه الذين اعتادوا الصلاة في المسجد، واصفين بأنَّ هذا المسجد يعبِّر عن عبق التاريخ في مدينة غزة ولا يزال إلى اليوم يحظي بأهمية كبيرة لدى الغزيين الذين يقيمون الصلاة فيه ويأتونه من مختلف المناطق ليستنشقوا تاريخ الحضارة القديمة. لذا يحرص المواطنون في قطاع غزة على الصلاة في المسجد وزيارة قبر جد الرسول هاشم بن عبد مناف. ومع قدوم شهر رمضان الفضيل، فإن زيارة سكان قطاع غزة إلى هذا المسجد تزداد، فالصلاة هنا تعني لأهل غزة الكثير، لأنهم يشعرون بوجودهم داخل أحد المساجد الأثرية التي تفوح منها رائحة الحضارات، فيأتون إليه ويتممون صلواتهم في شهر رمضان وخصوصاً صلاة التراويح والتي بعد أن تنتهي مباشرة، يجلس المصلون بالمسجد لقراءة القرآن وقيام الليل، ويحرص عدد كبير من المصلين على إحياء ليلة القدر وأيام العشر الأواخر من رمضان. هذا المسجد يعتبر من أهم المعالم الحضارية والأثرية والتاريخة التي تثبت يوما بعد يوم أن فلسطين هي أرض الحضارة وتجعل الفلسطينيين يحرصون على الاهتمام بها والمحافظة عليها فهي كنز يلجأ الناس إلى زيارته والاقتراب منه، حتى يشعرون بالدفء الذي يجعلهم متمسكين بأرضهم، ومتزاحمين حول ثوابتهم.