عند الحديث عن القوة العربية المشتركة لابد وأن نلجأ إلى اللواء الركن «سامى الخطيب» ليضع نقاط ضوء حول هذه القوة، وكيفية تفعيل دورها لتلاشى المعوقات التى سبق وواجهت قوى أخرى مماثلة، فالرجل الذى كان أول قائد لقوات الردع العربية لديه الكثير ليقوله عن مقترح تشكيل «قوة عربية»، الذى شهدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة وضع آلياته، تنفيذاً لمقررات قمة شرم الشيخ التى عقدت مارس الماضى. بدأ بانتقاد الأوضاع الحالية وصولا إلى الإدانة للقيادات العربية الداعمة لأمريكا، وأكد على ضرورة تكتل العرب عسكريا شريطة أن يتبع هذا التكتل أعلى درجات العقلانية فى قرارته وألا يكون ضد دول عربية، ويراعى خصوصية كل الشعوب، ولا يتدخل فى شؤونها الداخلية، ولفت إلى الدور الإيرانى المتنامى فى المنطقة كما حذر من تحول ما يبدو العدو «التقليدى»..! لأمريكا «داعش» لعدو مشترك لأمريكا والعرب، وكشف عن أسباب قطع علاقته بالقاهرة وكواليس مهمته تبادل الضباط بين مصر وسوريا بعد انفصال «الجمهورية العربية المتحدة» وتفاصيل أخرى عن قيادات العرب وإلى نص الحوار: ■ كيف ترى الأحداث والصراعات التى تشهدها المنطقة وأنت أول قائد لقوات الردع العربية؟ - كل الأحداث تؤكد أن الوضع الحالى مخيف، المشكلة فى وجود اتفاقيات تحت الطاولة تتم، وتكتلات عربية يميل الميزان معها نحو الاستعانة بعناصر دولية. إيران اليوم بتدخل فى حرب سوريا، والعراق ما يعتبره البعض جرح للعرب، كما أن الأصوليين يسيطرون على ساحات الصراع، وما يجرى حاليا يكشف عن تحركات غريبة، ونحن نحاول وقف تطور الصراعات لتلافى أكبر قدر من المشكلات. ولكن إلى متى؟ لا أعرف وإن كان لزاما على القادرين على اتخاذ القرار من القيادات العربية التى تنسق مع أمريكا أن يعرفوا.. لأنهم بالأساس هم مفتاح القضية وحلها، وعليهم أن يدركوا أهمية بقاء أمريكا خارج اللعبة، أما نحن العرب المعتدلين فها نحن حاملون «العَلم» و«ماشيين» بالطليعة. ■ كيف تثمن إذاً الدعوات القائمة لإعادة الوحدة العربية وبعث الفكر القومى من جديد؟ - أمريكا «ما بتخلى قوة عربية تفوت»، «هى ما هتسهل ها الموضوع»، ولن تسمح بالتدخل لصالح القضية الفلسطينية مثلا، واحتلال العراق بالأساس وحرب الخليج دليل أن الشكل السياسى والاستراتيجى تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، 2800 سيارة «جيب» أمريكية مع تنظيم «داعش» وقت دخول الموصل تشير إلى أى مدى العنصر الاقتصادى الأمريكى يتدخل بالموضوع، فأمريكا لن تتنازل عن تحقيق أهدافها بالاستحواذ على منابع الطاقة وأمن إسرائيل وكل ما دون ذلك تفاصيل. ■ تعنى بأن القطار العربى لا يمكن أن يستعيد محطاته التى بدأها فى العام 1958؟ - 1958 كان بداية لتحقيق حلم الوحدة العربية، ومحاولة لبث الروح فى جسدها المنهك، أثر العدوان الثلاثى وإعلان حلف بغداد وغيرها من أحداث هزت المنطقة بأكملها، فى هذا العام وقع الرئيس السورى «شكرى القوتلى» والزعيم المصرى «جمال عبدالناصر» ميثاق «الجمهورية العربية المتحدة» وما تبعه من إجراءات جعلت من القاهرة عاصمة ومقراً لمجلس الأمة، وهنا مكمن الخطورة التى كانت سبباً ضمن أسباب عديدة عجلت وفى غضون ثلاث سنوات بالانفصال الذى ما زلنا نعانى أصداءه. ■ كيف تفسر إعلان الحكومة السورية فى سبتمبر (1961) انسحابها من الدولة الموحدة وما هى الدروس المستفادة من هذه التجربة لنجاح أى تحرك جديد؟ - بلا شك كان هناك أخطاء ولم تعالج فى حينها وبعض القيادات ساهمت فى زيادة التوتر الذى أصاب الوحدة فى مقتل، فالمشير «عامر» و«صلاح نصر» على سبيل المثال «ما عرفوا يدوروها»، وما حدا وضع فى عين الاعتبار الخصوصية للشعب، والاتجاهات القومية الحادة الموجودة وقتها فى سوريا، كانت متضخمة حقيقةً، ما حدث هزة لم يستوعبها من صنعوا المركزية، وإلا كان «خدوا» فى الاعتبار إشراك السوريين فى القرارات الخاصة بالجمهورية العربية المتحدة دون أن يتعظم إحساسهم بكونهم مهمشين فى وطنهم، فالقرار كان للقاهرة فقط وهذا «ما مليحة» فى حق كل الاتجاهات الوحدوية، وهو ما يجب تلافيه فى التجارب القادمة. ■ لكن البعض اعتبر الانفصال انقلابا عسكريا سورياً ما تعليقك؟ - الأمر لا يمكن اعتباره هكذا، فالسوريون لم يطالبوا بالانفصال، المطالبة جاءت من «البعثيين» فى وقت كان العالم العربى بين خيارين: الأول مع «عبدالناصر»، والثانى ضده، ولا يوجد خيار ثالث، وكان واضح أن عملية الانفصال تمت وفيها نوع من الاحتيال، فالبعثيون طالبوا بالانفصال تحت رداء الوحدوية، ونجحوا فى تقمص دور المؤيد، ورددوا كلمات «عبدالناصر» واستخدموا الإشارات الوحدوية الناصرية والأغانى. ■ إلى أى مدى أثر قرار الانفصال على حلم الوحدة العربية وما هى الأجواء وردود الأفعال التى صاحبت إتمام الإجراءات؟ - قرار الانفصال كان صدمة لآمال العرب فى أن تكون الوحدة المصرية السورية نواة للوحدة العربية الشاملة، وبالفعل تم بهدوء وخلال ساعات، «وكان فى ردة فعل سيئة» فى سورية، أثرت على الروح العربية كلها خاصة مع كلمة الرئيس «جمال عبدالناصر»، التى قال فيها «حتى ما يصير الجرح كبير» فقد نصح العقلاء بذلك أن تتم العملية بهدوء حتى لا يصير فيه أذى للسوريين فى القاهرة أو للمصريين فى الشام. ■ كانت علاقتك بالقاهرة مركز القيادة العربية وزعيمها الراحل جمال عبدالناصر جيدة، وبانتهاء إشرافك على عملية تبادل الضباط بين مصر وسوريا بعد انفصال «الجمهورية العربية المتحدة» قطعت هذه العلاقة، فلماذا؟ - العلاقة بدأت بوصفى ضابط ارتباط بين القيادة العربية «للجمهورية المتحدة» فى القاهرةوسوريا، وحدث وأن جمعت بينى وقائدها الزعيم الأوحد فى الوطن العربى «جمال عبدالناصر» علاقة وثيقة ظلت وحتى تمام الانفصال.. ربما «كفيت» هذه العلاقة وحجمتها بعد وفاة «عبدالناصر» لكننى لم أقطعها إلا بعد زيارة السادات للقدس المحتلة. ■ تعنى أن الزيارة كانت السبب فى قرار قطع العلاقة؟ - نعم، فالحكم فى لبنان كان مقياس أو معيار «قد إيش» يكون ها الكيان العربى ممثلا فى «الجمهورية العربية المتحدة» مقبول، الناس كانت مرتاحة لوجود «عبدالناصر» على رأس الأمة، وكان رأيه هو الصائب والمطاع والمقبول وعلى العكس كان «السادات»، وزيارته ل«القدسالمحتلة» ثقباً فى ثوب الوحدة الوطنية، ربما يعذر فى ذلك أو لا يعذر، التاريخ هوالذى يحكم على هذا الموضوع. ■ لزيارة السادات القدس دوافعها التى أعلن عنها فى كلمته بالكنيست «استنفاد كل السبل لتجنب ويلات الحرب ومحاولة لتحقيق السلام» طبقاً لما صرح به، فلماذا لم تتفهم والدول العربية مثل هذه الدوافع وغيرها؟ - السادات كان مجبرا، وذهب إلى القدس رغما عنه، أعى ذلك وغيرى ونتفهمه، لكنه ليس بمبرر قياسا بما تركته هذه الزيارة من آثار سلبية دفعت الدول العربية إلى التنديد والشجب وموقفى كان ضمن هذا الموقف وجزء منه، وهذه الزيارة المَعْلم والعلامة كانت بمثابة تقليب للوضع العربى كله وكان يجب ألا تتم، فكيف لى أن أتحدث عن علاقة مع العدو، وأنا أتحدث عن آمال وطموحات أمة طويلة عريضة متداخلة ومصالحها مع كل القوة العربية، كان لزاماً على القاهرة التنسيق حتى ولو مع الفريق الذى كان يلعب على الساحة وقتها، فهذه مسؤولية كبيرة كان لا يجب أن ترتبط بقائد واحد، خاصة إذا كان هذا القائد مضغوطاً عليه، وكما كان الحال مع الرئيس الراحل «محمد أنور السادات». ■ ماذا عن قوات الردع العربية؟ واختيارك قائدا لها؟ وإلى أى مدى ساهمت فى استعادة الروح القومية؟ - لبنان كدولة، تركيبتها الاجتماعية معقدة وسهلة بنفس الوقت وأنا كنت أعى بهذا الاختلاف، ولم أتردد أن أخوض تجربة التنسيق بين ست قطع عسكرية ل6 دول مختلفة، وهى «سورية، لبنان، السعودية، السودان، اليمن والإمارات» وتجاوزت أى معوقات حالت دون وقف حمامات الدم التى تدفقت إثر الحرب الأهلية هنا «فى لبنان»، يجب أن أشير إلى أن مذكرة التكليف الخاصة بالعمليات وفق الخطة الموضوعة للقوات كانت تصدر وكأنها من جيش واحد، لأنه «القرار» كان يصدر حسب الاتفاق من قيادة القوات دون أى تدخلات من الدول المشاركة وبوصفى قائد لهذه القوات كنت «براعى» اللون السياسى لقوات الردع فى التشكيلات، والمعاناة الوحيدة كانت فى صعوبة حركة الكتيبة اليمنية، وتحفظات عدة للكتيبة السعودية فى العمل داخل المناطق المسيحية، فلجأت للتشكيلات المختلطة وكلهم أٌعطوا مهمات صغيرة وسهلة، وما كان فى مشاكل لأننا حرصنا على أن تكون القوات لكل العرب. ■ لماذا لم تستمر قوات الردع العربية وانحسر دورها بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية؟ - هذا ما أقره «اتفاق الطائف» انتهاء دور قوات الردع العربية فور عودة الحياة الطبيعية بلبنان، وقد كان. غير أن مؤتمر «الرياض» ومن قبله مؤتمر «وقف إطلاق النار» منحنا مدة سنتين لاستعادة الانتشار السورى فى لبنان، وما كان «فيه فرصة» لاستمرار القوة لأنه صدر قرارات من الدول المشاركة بتراجع قواتها، أضرب مثالا بالسودانيين، وأسباب سياسية أخرى متعلقة بالقضية الفلسطنية، وتأثير «أبوعمار» الرئيس الفلسطينى، هذا بجانب التوترات التى تنعكس فى الساحة اللبنانية نتيجة خلافات سياسية وتغير الوضع مع سوريا، وأخيراً زيارة السادات والتى غيرت الاتجاه كليا.. بيد أن قوات الردع العربية تجربة جيدة جدا، وكان ممكن لو اُحسن الاستفادة منها وتطورت نحو الأفضل، بلاشك كانت خطوة أمامية فى طريق القوة العربية المشتركة. ■ هل ترى فى تشكيل قوة عسكرية مشتركة والتى من المنتظر الإعلان عنها قريبا استكمالا ومطلبا ملحاً، وما هو مدى قابلية العرب للتعامل معها فى ظل اختلاف الرؤيا فيما بين الدول وبعضها؟ - برأيى النفس العربى نفس جيد، و«ما حدا» ضد الوحدة العربية، لكن كل العرب بدهم أولاً وحدة عقلانية تراعى الخصوصيات تبع كل بلد وشعبه، ولا تكون ضد دول عربية بعينها أو تتدخل فى شؤونها.. وعلى الصعيد الشخصى أنا مرتاح لهذه الدعوة، تشكيل قوة عربية مشتركة، وأتمنى عودة مصر لدورها الطبيعى فى أن تكون هى صاحبة الرأى الأول فى العالم العربى واتجاه القومية العربية. ■ ما هى توقعاتك للفترة القادمة؟ - أنا متخوف جداً من الفترة القادمة، لأن محاولة الفتنة والسعى إليها ماشى فى طريقه، وأمريكا بترعاه.. هى بدها عدو تقليدى تجمع لأجله الصف الداخلى الأمريكى، وفى اعتقادى اليوم المعلن للداخل الأمريكى أن العدو لأمريكا هو داعش، وكل ما أخشاه أن يتحول هذا العدو التقليدى الجديد لأمريكا لعدو مشترك للعرب وأمريكا، وهنا تكون الطامة الكبرى، يخيفنى أيضا العناية المطلقة والكاملة التى بدأت لموضوع الأصوليين اللى بيحضروا «حالهم» للعب أدوار جديدة بالمنطقة، فسوريا مهما كان فيها الحكم علوى أو سنى أو «إللى بَدِك اياه» بقاؤها وكما يبدو لى ضرورة إقليمية وجغرافية وقومية، لا يجوز أن «يعملوا فيها ما بيعملوه هلأ» سوريا تُدمر حجر حجر وفى رأيى «الضو» إللى يغير بدايات المنطقة هو مصير سوريا». ——————————————————————————————————————————————————— كثيرة هى الألقاب التى اقترنت باسم اللواء سامى الخطيب، هو العسكرى اللبنانى رفيع المستوى، المخابراتى الأول، مهندس الانتخابات النيابية، السياسى المخضرم، ورجل المهام الصعبة، صاحب الدور الأكبر فى الكثير من الأحداث الأمنية التى عصفت بلبنان، ما وضعه محل المسؤولية. تخرج فى المدرسة الحربية، وحصل على دبلوم أركان حرب من كلية «القيادة والأركان» فى باريس، بدأ حياته كملازم أول قبل أن ينتقل إلى المخابرات العسكرية ليعمل بها قرابة العشرة أعوام تعرف خلالها على عالم السياسة، ما ساهم فى تنمية ثقافته، وشكل لونة السياسى كأحد المحسوبين على التيار العروبى القومى، سُرح من الجيش وانتقل إلى باكستان كملحق عسكرى ثم استدعى وسرح من الخدمة العسكرية بتهمة التدخل فى السياسة فانتقل إلى سوريا وعاش بها لاجئاً سياسىاً، حتى الإجتياح الإسرائيلى للبنان. عمل كقائد لقوات الردع العربية فى الفترة من (1976) إلى (1983) وأوكل إليه مهمة استلام قيادة التنسيق بين ست قطع عسكرية من ست دول مختلفة «سورية، لبنان، السعودية، السودان، اليمن، الإمارات» وذلك لوقف الحرب التى كانت دائرة فى لبنان والتى كانت تهدف لىتقسيم البلاد بين الفلسطينين والقوى اليسارية وبين المسيحين والقوى اليمينية للبلاد. عاد وترقى فى الجيش بعد انسحاب القوات العربية من لبنان حتى أصبح لواء ركن وتولى قيادة الجيش اللبنانى بالتكليف فى العام (1988) بعد انشقاق ميشال عون، وبعد اتفاق «الطائف» تقدم باستقالته إلى الرئيس «إلياس الهراوى» وتم تعينه وزيرا للداخلية فى حكومة «عمر كرامى» رئيس أول حكومة بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1990) واستمر ووزيراً للداخلية فى حكومة الرئيس «رشيد الصلح» (1992)، وانتخب نائباً فى البرلمان اللبنانى لثلاث دورات عن منطقة البقاع شرقى لبنان. تقاعد عن العمل العام فى (2005) وما زال يتابع عملة الوطنى دون ارتباط مباشر.