كان واحدًا من قلة اهتموا في مصر والعالم العربي بالتراث الموسيقي وكتبوا عنه، ومؤخرًا بسط حميدة أبو هميلة كتابه «تراث الغناء العربي»، لتعيد نشره قصور الثقافة، ضمن مطبوعات سلسلتها الأدب العربي للناشئين، وهو الكتاب الذي تناول فيه المؤلف الراحل تاريخ الغناء العربي ومسيرته، بموضوعية وعمق، كما ضم الكتاب قصصًا وحكايات نادرة عن كبار الموسيقين والمغنيين الذين أسسوا فن ومجد الغناء في مصر والعالم العربي، من المحيط إلى الخليج. الكتاب من أفضل ما خلفه النجمي، الذي كان يكتب في الصحافة الشهرية والأسبوعية، خصوصًا في مجالات الموسيقى، وأصدر كتب عدة عن محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، و"يوميات الجواري والمغنيين"، والكتاب الذي بين أيدينا يمكن اعتباره مرجعًا في تاريخ النهضة الموسيقية العربية، وهو إذا كان يفتقر أحيانًا إلى العمق والمعرفة التقنية، إلى أنه رحلة ممتعة في عالم الغناء العربي من الموصلي وزرياب إلى أم كلثوم وعبدالوهاب. يسرد المؤلف الحكايات والظروف التي أحاطت بهذا العمل أو ذاك، ويكتب دائمًا من موقع المتحمس، المدافع عن كلاسيكيات الغناء العربي، وهو يقسم كتابه إلى خمسة أجزاء، يتناول في أولها "عصر الموصلي وزرياب وخلفائهما"، ويفند تلك "الأساطير" التي تتحدث عن معركة كبيرة قامت في الماضي بين الموصلي وزرياب، مثبتًا أن زرياب لم يهاجر بسبب اضطهاد الموصلي له، كما يؤكد أن الإسلام، دين الجمال، ولم يكن يومًا ضد الموسيقى والغناء، كما يتوقف عند شعر أبي ربيعة في الغناء القديم، والغناء عند الغزالي وما إلى ذلك. في القسم الثاني يتوقف النجمي عند شيوخ الغناء المصري وتلاميذهم، من مخترع فن الدور الشيخ المسلوب إلى الشيخ سكر وعبده الحامولي إلى أبو العلا محمد ومحمد عثمان، وفي دراسة طريفة يتحدث النجمي عما يسميه ب"الأدوار الوحيدة" التي كانت على مقامات نادرة مثل مقام الزنجران، ولم تتكرر التجربة بعد ذلك أبدًا على المقام نفسه، ويفرد القسم الثالث لسيد درويش وزكريا أحمد، بينما يقصر حديثه في القسم الرابع على عصر أم كلثوم وعبدالوهاب، ثم يتناول في الفصل الأخير مغنيتين كبيرتين هما شادية وليلى مراد، وملحنًا استثنائيًا هو محمد الموجي، الذي يعتبره من "كبار مكتشفي المواهب الغنائية الجديدة ومشجعيها". ولعل أطرف مقالات الكتاب ذاك الذي يتحدث فيه النجمي عن "خوف عبدالوهاب وبقية الملحنين من استعمال مقام الصبا"، فعبدالوهاب استخدم مقامات كثيرة في التعبير عن الحزن، كالرست والبياتي والكرد والنهاوند، لكنه حين اضطر لاستخدام الصبا في أحد مقاطع "أمل حياتي" لأم كلثوم، سرعان ما هجره خائفًا، أما رياض السنباطي فإنه لم يلحن لأم كلثوم على مقام الصبا إلا أغنية "قالوا حب القسّ سلامة"، لكن المؤلف يستنكف في نهاية الأمر عن تفسير السبب الذي دفع الملحنين بعيدًا عن ذلك المقام الطيب الوديع الحزين، الذي يعتبره النجمي "المحك الحقيقي للصوت العربي". كتب المؤلف عن أم كلثوم: «لقد كان ظهور أم كلثوم إيذانًا ببداية عصر جديد في الغناء العربي وانقضاء عصر قديم، ولو كانت أم كلثوم مجرد صوت جميل يغني بأسلوب العصر الذي ظهر فيه ولا يزيد عليه شيئا، ولا يغير فيه ولا يبدل، ولا يضع جديدًا في مكان القديم، ولا يحيي أرضًا مواتًا، ولا يزرع صحراء قاحلة، لما كان لأم كلثوم أثر في الغناء العربي طوال حياتها، ولما بقي لها أثر بعد مماتها، ولرأينا الغناء العربي الآن واقفًا في مكانه الذي كان فيه سنة 1922 عندما تقدمت أم كلثوم إلى جمهور قليل تغني لأول مرة في ركن خشبي من حديقة الأزبكية بالقاهرة، مرتدية ملابس فتى أعرابي يضع على رأسه عقالًا ذا أضلاع ويخب في قفطان ثقيل». المؤلف هو مصطفى كمال محمد حسن شاهين النجمي، ولد في قرية أولاد نجم التابعة لمدينة نجع حمادي، محافظة قنا، وتوفي في القاهرة، عاش في مصر، وزار عددًا من العواصم العربية، حفظ القرآن الكريم في الكتاب، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بقريته، ثم بالمدرسة الثانوية في مدينة قنا، واطلع في مكتبة والده على دواوين الشعر العربي، وعلى أمهات كتب التراث، فضلًا عن تفاعله مع أبيه وعمّه وأخيه الأكبر، وجميعهم شعراء. انتقل إلى القاهرة فعمل بالصحافة متنقلاً بين أكثر من مجلة وصحيفة، منها: «مسامرات الجيب» مزاملاً شكري عياد ومحمود السعدني، ومجلة «النداء» (1948)، ثم «الجمهور المصري»، و«أبوالهول»، و«الفتح»، و«مصر الفتاة،» و«الرابطة العربية»، و«التحرير»، و«العالم العربي»، انتقل إلى دار الهلال فعمل في مجلة المصور (1958)، وتدرج في مناصبها حتى درجة مساعد مدير التحرير، ثم عين رئيسًا لتحرير مجلة الكواكب (1971)، ورئيسًا لتحرير مجلة الهلال (1982)، ومستشارًا لها بعد إحالته إلى التقاعد (1984) حتى وفاته. له ديوان شعري «الأنداء المحترقة» صدر عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية- القاهرة 1965، وقصائد نشرت في مجلة الرسالة، منها: «بعد الحرب»، «فلسطين»، «فلسطين الضائعة»، وقصائد نشرت في مجلة الهلال، منها:« يا ليل»، «إلى جيشنا»، وأخرى في جريدة الأهرام، منها:« دعوة إلى العرب». كما قدم عدد من المؤلفات ذات الطابع النقدي والتاريخي، منها: كواكب الفنون في مصر، الغناء المصري، أصوات وألحان عربية، مطربون ومستمعون، سحر الغناء العربي، الغناء العربي من عصر زرياب إلى عصر أم كلثوم وعبدالوهاب، محمد عبدالوهاب مطرب المائة عام، الشيخ مصطفى إسماعيل حياته في ظل القرآن، الموجة الجديدة وما بعد الثمانينيات، يوميات المغنين والجواري، جمعت كتبه عن الغناء في مجلد واحد صدر عن دار الهلال بعنوان «الغناء العربي.. مطربون ومستمعون»، وله عشرات المقالات النقدية نشرت في مجلات دار الهلال وغيرها من المجلات المصرية، من أشهرها زاوية لغويات التي كان يحررها بمجلة الهلال. من العام إلى الخاص ومن الموضوعي إلى الذاتي تتحرك تجربته الشعرية، وقف على قضايا أمته العربية فكان للقضية الفلسطينية نصيب وافر من اهتمامه، ووقف على قضايا الموت والوجود والحب متعمقًا ومستقصيًا الكثير من الدلالات. نظم في موضوعات شتى، من التصوف المتفاني إلى «الأنا»، وتداخلت المعاني في بنية القصيدة، ومرثيته للشاعر أحمد محرم تتضمن نقدًا اجتماعيًا متألمًا، وفي «يقظة النيل» تصوير لذاته الجوانية. في ديوانه مساحة واضحة من الشجن، وفي بعض قصائده نزعة تأملية، غلب عليها الطول والاعتماد على مفردات عربية مهجورة تتناثر تناثر النجوم الغائرة في سماء صوره وأخيلته. فازت قصيدته «يقظة النيل» بالجائزة الأولى (1947) في مسابقة دار المعارف، وكانت لجنة التحكيم مكونة من: أنطون الجميل، وعباس محمود العقاد، وخليل مطران، وعلي الجارم، وفاز ديوانه بالجائزة الأولى من مجمع فؤاد الأول للغة العربية (1951)، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد الإعلاميين (1994).