مكتب التنسيق: توزيع 276 ألف من طلاب الشهادات الفنية علي الجامعات والمعاهد    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الحقوق    محافظ الوادي الجديد: اعتماد 4 مدارس بالخارجة وباريس من هيئة جودة التعليم    أسعار الذهب في مصر اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    بدء صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر الجارى ب4 مليارات جنيه    وزير السياحة: ارتفاع أعداد السائحين الإسبان بنسبة 63.3% منذ يناير وحتى أغسطس 2025    خلال زيارته للإسكندرية.. رسائل حاسمة من كامل الوزير للعاملين بالسكك الحديدية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    الرئيس السيسى يتوجه إلى قطر للمشاركة بالقمة العربية الإسلامية    أوروبا تنتفض ضد الاحتلال تزامنا مع قمة الدوحة.. إسبانيا تمنع العلم الإسرائيلي وبريطانيا تقصي طلابه تعليميًا    الهلال الأحمر المصري: الدفع بنحو 2500 طن مساعدات غذائية وإغاثية عبر قافلة «زاد العزة» ال 37 إلى غزة    رئيس وزراء باكستان يعلن عن حزمة إغاثة واسعة لضحايا الفيضانات    استقرار حالة إمام عاشور.. وطبيب الأهلى يزور اللاعب فى المستشفى    استعدادًا لكأس العالم.. أسامة نبيه يؤكد على ثقته في اللاعبين بمعسكر تشيلي    كارلوس ألكاراز في الصدارة.. ترتيب التصنيف العالمي لكرة التنس    رئيس الفيفا يهنىء بيراميدز بعد الفوز على أوكلاند سيتي ب كأس إنتركونتيننتال    ما هي حالة الطقس اليوم؟.. تحذير من شبورة مائية صباحًا وانخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    والدة الأطفال ضحايا زوجة أبيهم في المنيا أمام المحكمة للمتهمة: «ليه دمرتي حياتي وأنا عمري ما أذيتك»    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط 114.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط سائق «ميني باص» سار عكس الاتجاه واعتدى على مواطن في أكتوبر    ضبط ربع طن لانشون بقرى وبرجر وسجق منتهي الصلاحية بالأقصر    الداخلية تكشف ملابسات حدوث مشاجرة بين عدد من الأشخاص بالجيزة    أبرز مشاهد حفل الإيمي في دورته ال77.. تكريم فنان عمره 15 عاما وآخر يصعد المسرح ب«سكوتر»    خطة لتسريع تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بجميع المحافظات    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 88 مليون خدمة طبية مجانية خلال 61 يومًا    لأول مرة بمظلة التأمين الشامل.. نجاح جراحة دقيقة بالمخ لمريض بمستشفى حورس بالأقصر    آمال ماهر: أداء حسن شاكوش لأغنيتي "في إيه بينك وبينها" ضحكني وعمل ليّ حالة حلوة    بسنت النبراوي: تركت مهنتي كمضيفة جوية بسبب ظروف صحية والتمثيل صعبة للغاية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 15-9-2025 في محافظة قنا    ميدو: حسام غالي قال الحقيقة.. واتفق مع عدم ترشح الخطيب    ارتفاع طفيف في سعر اليورو أمام الجنيه المصري بالبنوك اليوم    أيمن الشريعي: الأهلي واجهة كرة القدم المصرية والعربية.. والتعادل أمامه مكسب كبير    إحداها استهدفت هدفا عسكريا.. الحوثي تعلن مهاجمة إسرائيل ب4 مسيّرات    بالصور- محافظ أسيوط يتفقد استعدادات المدارس للعام الدراسي الجديد    انخفاض البلدي.. أسعار البيض اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    عندما يؤثر الخريف على حالتك النفسية.. كيف تواجه اكتئاب تغير الفصول؟‬    صحة البحيرة: تحميل المتسبب في أعطال الأجهزة الطبية تكلفة الإصلاح والتحقيق الفوري عند الإهمال    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : هذا ما تعلمناه؟؟    منتخب الشباب يخوض مرانه الأول في تشيلي استعدادا لمنافسات كأس العالم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى إبراهيم البحراوى    ما حكم قتل القطط والكلاب الضالة؟ دار الإفتاء المصرية تجيب    جين سمارت تفوز بجائزة إيمي كأفضل ممثلة كوميدية لعام 2025    9 آلاف وظيفة ب الأزهر الشريف.. تفاصيل مسابقة معلم مساعد 2025 وشروط القبول    أسعار الكتب المدرسية الجديدة 2025-2026 ل المدارس الخاصة والدولية والتجريبية    بعد 10 أيام من اعتقال الكوريين.. ترامب يؤكد ترحيب واشنطن بالعمالة الأجنبية    فلكيًا بعد 157 يومًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 في مصر    ساعر يهاجم رئيس الوزراء الإسباني بسبب دعمه للتظاهرات المؤيدة لفلسطين    الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يعتبر نتائج الانتخابات المحلية ليست كارثية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    توقعات الأبراج اليوم الاثنين 15-9-2025.. حظك اليوم برج السرطان: أمامك فرص لتحسين وضعك المالي    إليسا بإطلالة جريئة خلال حفلها بالقاهرة (صور)    ألبوم "KPop Demon Hunters" يتصدر قائمة بيلبورد 200 للمرة الأولى منذ "Encanto"    أشخاص يحق لهم إدخال المريض النفسي المصحة إلزاميًا.. تعرف عليهم    عمرو وردة: تعرضت لظلم وتجاهل كبير.. وأريد المشاركة مع مصر فى كأس العالم    بالصور.. روائع فرقة رضا تخطف أنظار جمهور «صيف قطاع المسرح»    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطاقة هوية للغناء العربي
نشر في الوفد يوم 03 - 05 - 2011

علي امتداد ما يزيد علي نصف قرن من الزمان ظل الشاعر والناقد المرحوم بإذن الله تعالي كمال النجمي هو الناقد الوحيد الذي يعتد به وبنقده في حقل الغناء العربي.
وحين أقول النافذ، إنما أعني مستوي رفيعاً من الكتابة النقدية القائمةعلي الدرس والتمحيص والفحص، والرؤية النقدية الشاملة، النابعة أساساً من خبرة الكاتب وعلمه، ومحصوله الوفير من المتابعة، إضافة إلي ذائقته وحساسته المرهفة الفياضة بالمشاعر كمستمع ذواقة يدرك أسرار الشعر والغناء والموسيقي إدراكا عميقا، ربما أكثر وأعمق من بعض أبناء هذه الفنون أنفسهم.
وقد لا يعرف بعض أبنائنا من الأجيال الجديدة أن كمال النجمي في الأصل شاعر، بل من فحول الشعر الكبار، له ديوان يعتبر من عيون الشعر العربي الكلاسيكي في نكهة جديدة ورؤي معاصرة، كان ذلك قبل أن تخطفه صاحبة الجلالة الصحافة، لتفرد له في بلاطها جناحا خاصاً جعله مثل كرمة ابن هانئ، وملأها شدوا وتغريدا بنثره الفني المشعور، حيث تخصص في متابعة النشاط الغنائي والموسيقي بالنقد والتقويم والتأريخ.
ومنذ تولي كمال النجمي هذه المهمة في الصحافة المصرية والعربية، علي صفحات مجلات دار الهلال والصحف الثقافية العربية، لم يكن ثمة من يضارعه أو يطاوله فيها.
لقد اقتدي به الكثيرون، وقلده الكثيرون، لكنهم جميعاً كانوا عيالاً عليه، يكتبون من باب الهواية، أو محاولة سد الفراغ في صحفهم، كانوا - إلا أقلهم - بلا خبرة وبلا علم كخبرته وعلمه، منهم من درس الموسيقي والغناء دراسة منهجية أكاديمية ولكن ينقصه الذوق الرفيع والاسلوب واللغة المقروءة، ومنهم من توافرت له اللغة والأسلوب لكنه يفتقر إلي العلم والتجربة والمكابدة في فهم أبعاد ما يسمع، كتاباتهم كانت في النهاية نوعاً من التغطية الاخبارية الموسعة بحشد من معلومات لا لزوم لها ما لم تلعب دوراً في التحليل الموضوعي للعمل الفني، وأحياناً بآراء متسرعة، أو الهلفطة بوجهات نظر مبهمة، أو الرطانة الأعجمية، او القفشات الصحفية الشبيهة إلي حد كبير بمفرقعات بمب الأطفال.
هذا بالطبع لا ينفي أن الحقل الغنائي نفسه كان يحفل ببعض خبراء يجيدون النقد والتقويم كالدكتور يوسف شوقي عليه رحمة الله، وعمار الشريعي أطال الله في عمره، لكن مقدرتهم تتجلي في المحاضرات والأحاديث الشارحة، وهذا في حد ذاته شيء ذو قيمة جماهيرية كبيرة، أما الكتابة أعني الارتفاع بالرأي والرؤية والمعلومة إلي أدب مقروء مستساغ وباق أبد الدهر فتلك موهبة استثنائية فوق العلم والخبرة والدراسة.
من هنا تنبع الأهمية البالغة لكتابات كمال النجمي عن الغناء العربي، إنها أدب في حد ذاتها، أدب رفيع يمتع العقول والقلوب ناهيك عما فيه من علم وخبرة ودراسة ومعاناة مع الدقة في التعبير واشتقاق المفردات التي تقوم مقام المصطلحات المبتكرة المساعدة علي الفهم والاستيعاب.
وظاهرة كمال النجمي في الصحافة المصرية والعربية، كحالة متفردة لم تتكرر، لا يمكن فصلها عن المناخ الفني العام الذي أفرزها، فلم يكن ليوجد كمال النجمي في عصرنا الراهن مثلاً، حيث انحط فن الغناء الي أسفل درك، وامتلأ الأثير بالرطانة الموسيقية الراقصة المحمومة المكرورة الهوجاء، وحيث انزوي كبار الملحنين المخضرمين يتجرعون غصص المرارة، وارتمي من بقي من كبار المطربين والمطربات في هذه الموجة الهابطة التي سيطرت وسادت وأصبح من الصعب مقاومتها ولو بالقوة، إنها تتذرع بالتجديد وليس فيها ثمة من جديد يمكن اختراعه، تدعي العصرية التطور. وتلك مسميات براقة تجذب الناس وتخدعهم بالمبهرات الضوئية والديكورية، فتغشي أبصارهم عن رؤية المسخ الغنائي المقدم إليهم، وتؤجل لحظة انفجارهم بالغضب والرفض، ويبدو أن هذه اللحظة المرتقبة قد تأجلت أكثر مما ينبغي حتي أصبحنا نخشي من تبلد الأحاسيس وفساد الذوق لولا أن الفرق الغنائية الرسمية كفرقة الموسيقي العربية وفرقة أم كلثوم وبراعم سليم سحاب ومثيلاتها في الوطن العربي الكبير تشكل خط الدفاع الأخير في هذه المعركة.
من الطبيعي إذن ان تظهر موهبة كمال النجمي في عصر كان للغناء فيه جلاله واحترامه، فإلي جانب أم كلثوم وعبد الوهاب - كقيمتين فريدتين - كان هناك صف طويل من الأصوات القوية، وصف أطول من الملحنين الكبار الموهوبين، الحقل كان يشغي بالكفاءات الغنائية: فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الغني السيد وكارم محمود وعبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب ومحمد قنديل ومحمد أمين وجلال حرب وسيد اسماعيل وعبده السروجي وابراهيم حمودة واسماعيل شبانة وأخوه عبد الحليم حافظ وشفيق جلال ومحمد الكحلاوي وعباس البليدي وكمال حسني ومحمد العزبي وعادل مأمون ومحمد رشدي، مع ليلي مراد وفتحية أحمد ونجاة علي ورجاءعبده وشادية وهدي سلطان وصباح ونجاة الصغيرة وشافية أحمد وعائشة حسن وحورية حسن وأسمهان وسعاد محمد ونور الهدي ونجاح سلام وأحلام وسعاد مكاوي ومديحة عبد الحليم وعصمت عبد العليم ولوردكاش ووردة الجزائرية وفايزة أحمد ثم عفاف راضي وجيلها وما بعد جيلها، هؤلاء وأولئك يسندهم فيلق من الملحنين العظام أمثال زكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وأحمد صدقي ومحمود الشريف وعزت الجاهلي ومحمود كامل وعبد الحليم نويرة ومحمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي ومنير مراد وسيد مكاوي وفؤاد حلمي وابراهيم رجب وعبد العظيم عبد الحق وعبد العظيم محمد وعبد الرؤوف عيسي ومحمد سلطان وحلمي بكر وغيرهم وغيرهم ممن سبقهم وممن لحقهم.
عاصر كمال النجمي كل هؤلاء وأولئك ومن سبقهم، والتصق بفنهم مستمعا ودارسا وناقدا وصاحب فاعلية ملموسة، أما الذين عاصرهم في طفولته من الرواد الأفذاذ فحدث ولا حرج، من الشيخ علي محمود الي الشيخ درويش الحريري الي الشيخ ابو العلا محمد والشيخ محمد المسلوب، الي محمد عثمان وكامل الخلعي وسيد درويش وعبد الحي حلمي وابن أخته صالح عبد الحي ومنيرة المهدية وكامل مرسي وغيرهم، لا أقصد أنه رآهم وعاشرهم أو عاصرهم، إنما قصدت أنهم جميعا في طفولته كانوا أحياء فنا وشهرة ورواجا بل حتي من سبقوهم كانت أعمالهم لا تزال باقية في الوجدان المصري ويتردد بعضها علي ألسنة الناس في الشارع المصري وفي القري بفضل اختراع الاسطوانة التي نشرت القديم والجديد معاً.
وحينما يتحدث كمال النجمي في الغناء العربي فإننا يجب أن نستمع إليه أو نقرأه بشغف وتأمل لكي نتعلم ونتذوق ونستمتع، وتتفتح أذهاننا علي معني الغناء الحقيقي وما يتضمنه من فنون التأليف والتلحين والعزف والأداء، خاصة أنه قد حول لغة أهل الحرفة بمصطلحاتها ورموزها ومدلولاتها العلمية الي لغة مهضومة يفهمها كل من يفك الخط، لا يفتئتها علي الحقيقة العلمية ولا ينجرف الي الانشاء الفارغ من المحتوي، فكل عبارة من عباراته فيها مضمون علمي وأدبي معا، مضمخة الي ذلك بأنفاس التذوق وعطر الإحساس المرهف وحرارة المشاعر الصاحية الطازجة أبداً.
وقد عمرت المكتبة العربية المعاصرة بأربعة كتب ثمينة تعتبر مرجعاً دقيقاً وافيا لكل من يريد أن يعرف شيئا عن الغناء العربي في النصف الأخير من القرن العشرين علي الأقل، بل لكل من يريد أن يتعلم الغناء، ومن يريد أن يدرس معني التذوق الفني.
وأعتقد أن من يفكر في كتابة رسالة علمية عن أي مطرب أو مطربة أو ملحن أو عن أي قضية فنية من قضايا الغناء العربي التي أثيرت طوال القرن العشرين، عليه أن يرجع إلي هذه الكتب الأربعة التي كانت حصيلة نشاط كمال النجمي في الصحافة العربية وخاصة صحف دار الهلال علي امتداد عمره المهني.
هذه الكتب الأربعة هي: "الغناء العربي" الصادر عام 1966، "أصوات وألحان" الصادر عام 1968، "مطربون ومستمعون" الصادر عام 1970، "سحر الغناء العربي"الصادر عام 1972، أي بمعدل كتاب كل عامين، وربما كانت هذه الكتب المذكورة هي أشهر ما كتب عن الغناء قاطبة، وأكثرها رواجا واحتراما وهيبة.
ولكن كمال النجمي الذي دأب علي المتابعة والعطاء بغزارة أراد أن يستكمل دوره الإيجابي في ملاحقة الظواهر الغنائية كشاهد علي عصره، ملاحقة رصد وتقويم وتسجيل وتنوير، فألف كتابه الخامس بعنوان: "الموجة الجديدة وما بعد الثمانينيات" ولأنه صاحب رسالة وليس يتاجر بالقلم، فلم يشأ نشر هذا الكتاب الخامس وحده، بل ضمه إلي كتبه الأربعة السابقة ونشرها جميعاً في مجلد واحد بعنوان: "الغناء المصري - مطربون ومستمعون".
وبذلك ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: نشر كتابه الجديد، وجمع تراث موضوعه الأثير في مجلد واحد ليسهل علي الدارسين والقراء مهمة قراءة الموضوع كاملاً من جذوره إلي فروعه وفروع فروعه وأوراقه.
هذا الكتاب يذكرنا بكتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني، فالأصبهاني - كما يشير النجمي في مقدمة كتابه الأول - سجل الأدب العربي كله تقريبا حين سجل غناء العرب في جاهليتهم وحضارتهم، ويقول: "أما جهدي المتواضع فلم يسجل إلا القليل من الأدب المصري خلال الأحاديث الطويلة عن الأصوات الذهبية وغير الذهبية التي تملأ أسماع جيلنا"، والمجلد كله يعتبر جملة واحدة مفيدة، وحماسته للغناء المتقن - كما يسميه - لا تقل عن حماسته ضد الموجة الهابطة حيث يقول في فصل بعنوان: "قضية عبد الوهاب والأصوات الجديدة"، الذي أفرده لدراسة المحاولة التي قدمها سيد إسماعيل حينما اختار عشرين لحنا لعبد الوهاب ثم سجلها بصوته علي أشرطة كاسيت: "إن شبان الموجة الجديدة التي نعفيها في هذا المقام من وصف الهابطة تتمثل محنتهم الحقيقية في انقطاع الصلة بينهم وبين الغناء العربي المتقن انقطاعا تاما وهذا يجعلهم علي الرغم من الضجة التي يحدثونها في كل مكان، مهددين، بالانقطاع التام عن الجماهير التي خدعوها بعض الوقت".
وفي فصل بعنوان: كلثوميات في الموجة الجديدة يتوقف عند المطربة سوزان عطية التي غنت أغنية أم كلثوم: "آه من لقاك"، فيقول: "إنها إحدي بدائع زكريا أحمد التي لم يسبقه ملحن آخر منذ عهد سيد درويش حتي عهدنا الحاضر إلي النسج علي منوالها المبتكر البديع، الأغنية من مقام الهزام الذي يتألف تركيبه من خلايا نغمية للسيكا والحجاز مصورا علي النوي والرست المصور علي الكردان.. لقد استخدم زكريا أحمد مساحة صوت أم كلثوم بأكملها في هذا اللحن، من القرارات في الراست الي المنطقة الصوتية الوسطي في السيكا والحجاز، الي الجوابات العالية عند إطلاق الآه فتختلط أجناس الراست والنهاوند مع الكردان في ألوان عجيبة كألوان الشفق في السماء عند الغروب!.. لقد استخدم زكريا أحمد جميع الدرجات البارزة في مقام الهزام واستعرض المقام علي صوت أم كلثوم استعراضا رائعا، معتمدا تمام الاعتماد علي مقدرة أم كلثوم الفذة في أداء كل النغمات مهما تداخلت أجناسها.. ويمكن أن يقل إن سوزان عطية غنت "آه من لقاك" أصح غناء يمكن أن تغنيه مطربة بعد مرور سبعة عشر عاما علي رحيل سيدة المطربات والمطربين أم كلثوم".
وتحت عنوان "الحناجر الجديدة والمقامات القديمة" يكتب بحماسة وحرارة عن تجربة المطربة أنغام حينما هجمت بكل جسارة علي دور من أصعب الأدوار الغنائية التي لحنها محمد عثمان في أواخر القرن التاسع عشر هو دور "قد ما احبك زعلان منك" يقول: "هذه المطربة تتحدي جيلها من المغنيات والمغنيين والملحنين والمستمعين أيضا.. فإن مقام الصبا الذي صيغ منه الدور يعجز عن أدائه جميع المطربين الجدد، ويتجنب التلحين منه أو من عائلته جميع الملحنين الجدد، بل إن ملحنا عظيما مثل عبد الوهاب كان يتجنب التلحين فيه وكذلك القصبجي، ولم يلحن السنباطي لأم كلثوم طوال أربعين عاما شيئا من هذا المقام إلا قصيدة من خمسة أبيات من تأليف الشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير، غنتها أم كلثوم في فيلم سلامة، إن أنغام مطربة من الجيل الجديد ولكنها لم تتنكر للغناء العربي فصارت صوتا قويا مدربا".
وعن مطربي الموجة الجديدة يقول إنهم "مصابون بعجز في نمو الأحبال الصوتية الحقيقية، وتضخم في نمو الأحبال الصوتية الكاذبة، فالحنجرة تتكون من حبلين حقيقيين وحبلين كاذبين، وقد أهمل المطربون الجدد - لقصورهم في التدريب - الحبال الصحيحة واعتمد الكثيرون منهم علي الأحبال الكاذبة، ويترتب علي ذلك عجز المطرب عن الارتكاز الصحيح علي أي مقام ارتكازا صحيحا، ناهيك بالعجز عن أداء القفلات، مهما كانت بسيطة، إن المغنيين الجدد عاجزون عند التميز الصحيح بين المسارات في المقام الواحد، بل في الجملة اللحنية الواحدة المتناهية في البساطة، فهم ينزلقون يمنة ويسرة وإلي فوق وإلي تحت بفجاجة مذهلة، وليست لهم ذاكرة مقامية تهويهم إلي الاداء الصحيح".
تحية حب وتقدير لهذا المعلم الكبير علي هذه الموسوعة الغنائية التي ستبقي طويلاً كبطاقة شخصية لهوية الغناء العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.