أصبحت مهنة الزراعة فى مصر مهددة بالاندثار بعدما أحجم الطلاب عن الالتحاق بكليات الزراعة، الأمر الذى يفتح تساؤلا: هل توجد أيادٍ خارجية تعبث بمقدرات الدولة لطمس الهوية المصرية الزراعية، تمهيدا لجعلها سوقا مفتوحا لمنتجات الدول الأخرى؟، أم أن الأمر نتيجة سوء تخطيط وإدارة من الدولة التى تخلت عن دعم الفلاح وتحمله دائما أعباء تثقل كاهله. يقول الدكتور منير الحسيني، أستاذ بكلية زراعة القاهرة، إن الطلب على المهندسين الزراعيين انخفض بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية؛ بسبب تدهور مستوى التعليم المصري، الذى ينتج خريجا لغته الأجنبية ضعيفة، وغير مطلع على المعلومات الجديدة، ولم يتدرب بشكل كاف مقارنة بالأجانب الذين يعملون بشكل محترف، وأسلوب علمي عال، خاصة أن الحياة الزراعية اليوم تعتمد على المستثمرين الكبار الذين ينشئون مزارع ضخمة، تستعين بمهندسين زراعيين "مستوردين" من أمريكا اللاتينية وإسبانيا واليونان وإيطاليا والدنمارك وألمانيا؛ لأن هؤلاء المستثمرين يزرعون خصيصا للتصدير، وبالتالي يريدون مواصفات تطابق الدول التي يصدرون لها. أضاف "الحسيني" أن عزوف الطلبة عن الالتحاق بكليات الزراعة يعود أيضا إلى عدم وجود وظائف مضمونة للخريجين، وصعوبة استصلاح الأراضي، كما أن هذه الأراضي لا عائد منها لعدة سنوات، مما يتطلب تدخل الحكومة بالدعم وتقديم التمويل، وهذا لا يحدث، لافتا إلى أن أغلب أصحاب المزارع الحاليين يعتقدون أن الفلاح غير المتعلم لديه خبرة في التعامل مع الأرض والزرع أفضل من خريج الزراعة الذي لا يملك الخبرة العملية، وإنما يعتمد بنسبة كبيرة على معلومات نظرية، كما أن هناك طبقة معينة تفضل كلية الزراعة، ومعظمهم أبناء الفلاحين، أما أبناء الحضر أو المدن، فلا يفضلون الالتحاق بها لأنها بعيدة عن أجوائهم الحياتية. من جانبه، أوضح الدكتور أيمن أبو زيد، باحث الاجتماع الريفي، أن مهنة الزراعة تكاد تختفي، وأن الفلاحين أنفسهم ينصرفون عن زراعة الأراضي؛ بسبب مشكلة المياه، وارتفاع الإيجارات، مما دفع الفلاحين لهجر أراضيهم والسعى إلى العمل في المدن حتى ولو بأجور متدنية، خاصة مهنة الزراعة يصفها البعض اجتماعيا ب"مهنة دونية وعفى عليها الزمن"، حتى أن الأهالي أنفسهم لا يريدون لأبنائهم العمل بالزراعة، فأصبح الارتقاء الاجتماعي مرتبطًا في الأذهان بالبعد عن الأعمال الزراعية. وأكد "أبو زيد" أن الدولة ساهمت في المشكلة عندما سمحت لغير خريجي كليات الزراعة باستصلاح الأراضي والعمل وإقامة مشروعات زراعية، بل ودعمهم، فيما لايستطيع خريج الزراعة وعضو نقابة الزراعيين الحصول على أراضي الشباب لتدني الدور النقابي، بالإضافة إلى عدم مساهمتها في توفير فرص عمل لائقة بالمشاريع الاستثمارية الزراعية الكبيرة، وتوفير دورات تدريبية لإكساب الخريج المهارات اللازمة للالتحاق بتلك الوظائف.