كارثة إنسانية جديدة ومجازر تقشعر لها الأبدان، اعتاد عليها تنظيم "داعش" ولكن بالرغم من تكرارها إلا أنها لاتزال تهز وجدان من يسمع بها، وفي الوقت نفسه لايزال المجتمع الدولي ومنظمات وهئيات حقوق الإنسان تكتفي بالإدانة والشجب. 4 أيام فقط مرت على دخول التنظيم الإرهابي "داعش" لمدينة "تدمر" السورية، كانت كافية لتحويل المدينة إلى أطلال، وإثارة الذعر والرعب بين الأهالي وارتكاب أبشع المجازر الإنسانية والتراثية، لتكون المدينة المدرجة على لائحة التراث العالمي شاهدة على جرائم التنظيم الإرهابي. ارتكب تنظيم "داعش" مجزرة بحق أهالي مدينة تدمر راح ضحيتها نحو 400 شخص أغلبهم من الأطفال إضافة إلى نساء وشيوخ، وأفاد التلفزيون السوري الرسمي أن مصادر من داخل مدينة تدمر قالت بأن "داعش" ذبح 400 على الأقل معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ونكل بجثثهم تحت ذريعة التعامل مع السلطات السورية وعدم تنفيذهم لأوامر التنظيم، وأضافت نفس المصادر أن العشرات من موظفي الدولة أعدموا، وأشارت إلى أن "داعش" قام بذبح رئيسة قسم التمريض في مشفى تدمر الوطني، وجميع أفراد عائلتها بتهمة العمل في جهة تابعة للدولة. في ذات السياق قالت وكالة "سانا" السورية، إن عناصر التنظيم الإرهابي منعت آلاف المدنيين من مغادرة مدينة تدمر، إضافة إلى مصادرة أرزاقهم وممتلكاتهم. من جانب آخر، دخل مسلحو "داعش" متحف مدينة تدمر الأثرية وسط سوريا، ودمروا عددا من المجسمات الحديثة ثم وضعوا حراسًا على أبوابه، حسبما أعلن المدير العام للآثار والمتاحف السورية "مأمون عبد الكريم"، وقال "تلقينا ليلا معلومات من تدمر قبل انقطاع الاتصالات، بأن عناصر من تنظيم داعش فتحوا أبواب المتحف الأثري ودخلوا إليه، وكان هناك تكسير لبعض المجسمات الحديثة التي تمثل عصور ما قبل التاريخ وتستخدم لأهداف تربوية، ثم أغلقوا أبوابه ووضعوا حراسًا على مداخله. وأضاف المدير العام للآثار والمتاحف السورية أن مسلحي "داعش" رفعوا رايتهم على القلعة الإسلامية التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر وتطل على آثار المدينة القديمة، وأشار "عبد الكريم" أنه لا يوجد تقريبًا أي شيء داخل المتحف، مضيفا أن مئات القطع الأثرية في المتحف نقلت إلى دمشق منذ زمن وعلى دفعات، لكنه أبدى قلقه على القطع الضخمة التي لا يمكن تحريكها على غرار المدافن الجنائزية، وعبر المسئول السوري عن أمله بأن لا تتعرض المدينة لأعمال تدمير مشابهة لتلك التي حدثت في العراق، في إشارة إلى تدمير آثار الموصل ومدينتي الحضر ونمرود. دان أعضاء مجلس الأمن بشدة الأعمال الإرهابية الوحشية المستمرة التي يرتكبها "داعش" في سوريا، بما في ذلك الاستيلاء على مدينة تدمر الأثرية، وأعربوا عن قلقهم العميق حيال مصير آلاف السكان داخل مدينة تدمر، فضلا عن أولئك الذين شردوا نتيجة تقدم عناصر "داعش"، وأكد أعضاء المجلس دعمهم لجهود "اليونسكو" على ضرورة هزيمة "داعش" وتقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة. من ينظر للمشهد من بعيد يرى حتمًا علاقة بين سيطرة داعش على مدينة "تدمر" السورية ومدينة "الرمادي" العراقية في نفس الوقت تقريبًا، وتباطؤ أمريكا في التصدي بتحالفها الذي تقوده للمسلحين من الناحيتين، فجميع التقارير الإخبارية التي كانت ترصد تحركات "داعش" قبل سقوط تدمر بأيام قليلة، كانت تؤكد أن هناك أرتالًا من المركبات التابعة ل"داعش" تعبر الحدود العراقية باتجاه تدمر، وأن تحرك هذه الارتال كان تحت مراقبة قوات التحالف الذي تقوده أمريكا ضد "داعش"، إلا أنها لم تحرك ساكنًا، ولم تنفذ أي غارات ضد هذه الارتال. أكثر من تسعة أشهر على بدء غارات التحالف الدولي لمكافحة "داعش" برعاية أمريكية، لكنها لاتزال عاجزة عن إيقاف تقدم "داعش" في العراقوسوريا لتؤكد بذلك أنها "غير مجدية". حتى الأمس القريب كانت واشنطن معترضة على مشاركة الحشد الشعبي العراقي مع الجيش لإنقاذ "الرمادي" من السقوط، بذريعة تجنب إثارة النعرات المذهبية، وهو ما مهد الأرضية ل"داعش" لدخول الرمادي وارتكابها الجرائم الوحشية ضد أهالي المدينة، وبمجرد سقوط المدينة في أيدي التنظيم والذي اعتبره الرئيس الأمريكي "خطأ تكتيكيا"، تم رفع الفيتو عن "الحشد الشعبي"، وأعلن المتحدث باسم البنتاجون أن بلاده لا تعارض مشاركة أي فصيل في معركة الرمادي. لقد بات واضحا بعد سقوط "تدمر" و"الرماي" في نفس الوقت أن أمريكا ليست جادة في حربها ضد "داعش" فحسب، بل هي متواطئة مع هذا التنظيم الإرهابي، من خلال استخدامه كمعول لهدم البلدان العربية والإسلامية، وتشتيت شعوبها، وتدمير تاريخها وحضاراتها وتراثها.