"تسييس كلام الله ورسوله وظهور الأصحاب الفكر المتشدد على القنوات الفضائية والإعلامية، لنشر افكارهم المغلوط عن الدين الإسلامي بتمويل من جهات خارجية جعل المواطن يفقد مصداقيته في علماء الدين".. بتلك الكلمات عبَّر العديد من علماء الدين الإسلامي عن تصورهم للمرحلة الحالية وإطار العلاقة ما بين المواطن وعالم الدين، موضحين أن حالة الشتات الفكري التي أصبح عليها المجتمع نتيجة الخلط بين الدعوة الإسلامية والشؤون السياسية، إلى جانب حالة الوهن التي أصابت الأزهر منذ عقود مضت فترك المجال متاحًا لشخصيات ما أنزل الله بها من سلطان؛ لتتحدث عن الدين وتعتبر نفسها بمثابة يد الله في الأرض، وهو في المقابل يقوم بأخطاء وأفعال مخزية جعلت المواطن ينظر إليه بأن هذا هو الدين الإسلامي، ومنذ حينها بدأت حالة التفكك والتشتت. انحياز رجل الدين للسلطة أفقده مصداقيته لدى المواطن قال الدكتور محمد حراز، إمام وخطيب المسجد الحسيني بالقاهرة: الاختلاف الفكري والشتات الذي أصبح عليه المجتمع الآن، ما هو إلَّا نتاج نسب العلم لغير أهله وطلبه من غير متخصص في أصول الدين وفروعه، فأصبح الناس يتحدثون عن الخطاب الديني ويطالبون بتجديده؛ لأن الذين يتكلمون عن الدين هم أصحاب أفكار متشددة بعيدة كل البعد عن وسطية الدين، تم تمويلهم من الخارج لتكون لهم منابر في القنوات الفضائية، يدعون الناس من خلالها ويخاطبوهم وقتما شاءوا، فنظر لهم المجتمع نظرة مغايرة ما بين مؤيد يتبنى أفكارهم ويساعد على نشرها، وبين معارض قد كفر بكل رجال الدين واختار ألَّا يثق بأحد، وخرج في مليونية لخلع الحجاب ويهاجم رموز وثوابت الدين، وما تفعله "داعش" ومن على شاكلتها، ومحايد يتعجب مما يسمعه منهم ويسأل نفسه أهذا حقًّا ما يأمر به الإسلام؟! مما صعب الأمر على المجتمع؛ لأنهم ظنوا أن العالم قد قصر في أداء واجبه نحوهم، فأضحى الناس لا تعلم ما قيمة العالم بحق ولا تعطيه قدره ومكانته. وأضاف حراز، أن ممارسة رجل الدين العمل السياسي، وانحيازه لأي طرف من دون الآخر، له تأثير سلبي أيضًا على مصداقيته، وينال من هيبته؛ لأن الناس سيشعرون بأنه يسخر الدين لخدمة اتجاهاته السياسية، فالخلط بين الدعوة الإسلامية والشؤون السياسية أمر شديد الخطورة على كليهما، فكلاهما نقيضان، وأخلاقيات العمل السياسي تختلف عن أخلاقيات العمل الدعوي "وعندما يسيس كلام الله وأحاديث رسوله الكريم، يكون الخطأ بمثابة خطيئة، لما له من انعكاسات خطيرة تعود على الدين وعلى نظرة الناس للدين والتدين" إذ أن دور رجل الدين الحقيقي يكمن في حث الناس على معالجة أخطاء المرحلة، والتماسك والتوحد والسمو فوق الخلافات السياسية، والتمسك بالأخلاق الحميدة فهو يحارب ويُحارب من أجل دعوته فيكون بذلك قد اختار عبئًا ثقيلًا، وهو إيصال الإسلام الحقيقة إلى الناس كافة، شريطة أن يتعامل من منطلق "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". وهن الأزهر ونشاط التيارات الوهابية والسلفية سر الأزمة من جانبه رأى الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، أنه منذ بداية السبعينيات وبالتحديد حينما أصاب الأزهر الضعف والوهن، واستغل رجل الدين ليكون بمثابة الذراع اليمنى للسطلة الحاكمة في تلك الحقبة الزمنية، وكان أكبر دليل على ذلك هو فيلم "الزوجة الثانية" عندما مثل حسن البارودي دور رجل الدين الذي يحاول إقناع فلاح بسيط بتطليق زوجته ليقوم عمدة القرية بزواجها، ومنذ ذلك ورجال الدين يستغلون جهل العامة فيفرضون سلطتهم عليهم باسم السماء، مدعين أنهم يد الله التي تحق الحق وتبطش بالباطل! وأنهم من يملكون صكوك الغفران يُدخلون الجنة من شاءوا، والجحيم لمن غضبوا عليه، تمامًا كما كان يحدث في عصر الكنيسة الكاثوليكية ببريطانيا، إلَّا أن للحقيقة وجهًا آخر يقول: ما من رجل دين يسعى إلى مركز ونفوذ وسياسة، إلَّا وكان متخذًا من ردائه نقابًا يخبئ تحته مطامعه ومآربه الشخصية. وأضاف فرويز: ومع انخفاض المستوى الثقافي لدى المجتمع من السبعينيات والثمانينيات، حيث بداية نشاط التيارات الواهبية والسلفية وعرض خطاب ديني جديد وغريب على الناس من رجال دين غير مؤهلين يحملون أفكارًا متشددة، ووصولًا إلى ثورة 30/6 واستمرار التدني الثقافي الذي أصاب المجتمع، حتى أنتج العشوائيات الفكرية التي نجدها ونسمع عنها في كل مكان، تغيرت نظرة المجتمع لرجال الدين وبدأت تفتح عينيها عليهم ليجدوهم يقولون ما لا يفعلون، ولا يعيرون لمظهرهم وزيهم الديني اهتمامًا لما يفعلون ونسوا أنهم يسيئون إلى الإسلام كليًّا وليس شخصهم، حينما يحدثون الناس عن الزهد وتراهم يملكون السيارت الفارهة والفيلات الواسعة، وينفقون الأموال الطائلة على المأكل والمشرب، ويهربون الباقي خارج مصر، وتجدهم يتزوجون زواجًا فجًّا فلا يكتفون بزوجة أو زوجتين ولا حتى ثلاثة، بل أربعة، يأمرون الناس بالبر وهم أبعد الناس عنه، ينهون الناس عن الفحشاء والمنكر وتشاهد عبر شاشات التلفاز الأمن يقبض على الشيخ الفلانى يمارس الرذيلة في سيارته، كل هذه الأمور ألقت بظلالها على طريقة تفكير المجتمع المصري تجاه رجال الدين المسلمين.