يصادف الثلاثين من نيسان يوم العمال الفلسطيني، في ظلِّ وضع غريب لا زال الفسلطينيون في قطاع غزة يواجهونه ضمن مجموعة هائلة من التحديات التي لا تنتهي، حيث بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة المحاصر منذ ثماني سنوات نحو 55% من إجمالي القوى العاملة فيه، بواقع 200ألف عاطل عن العمل لا يجدون مصدراً للدخل لسد حاجاتهم الأساسية في ظل استمرار منع دخول مواد البناء وتوالي الحروب، معظم هؤلاء المتعطلين هم من جيل الشباب والخريجين الذين حصلوا على شهاداتهم ثم جلسوا في البيوت ينتظرون تغيراً على الحالة التي يعيشها أبناء القطاع. منذ بدء انتفاضة الأقصى، مروراً بأحداث الانقسام الفلسطيني وتبعاته، واشتداد الحصار الخانق على غزة، ارتفعت أعداد المواطنين الذين يعانون من قلة فرص العمل وندرة في الموارد التي تجعلهم قادرين على الاندماج في السوق واستثمار الطاقات الشبابية الهائلة التي لا تجد لها مكاناً في السوق. من وجهة نظره، يرى شكري رزق 42 عاماً أنَّ مجد العمل كان في السنوات التي كان يقضيها كعامل في مدينة يافا، قبل بدء الانتفاضة، حيث بدأ العمل وهو في سنة الثامنة عشر كمساعد طباخ براتب تجاوز الخمسة آلاف شيكل في حينها، ثم جلس في البيت في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ليقضي خمسة عشر عاماً من حياته دون أن يجد فرصة للعمل؛ فاعتمد على معونات الأونروا وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بخدمات اللاجئين الفلسطينيين. وأفاد رزق للبديل قائلاً: "عندما كنا نعمل داخل الأراضي المحتلة كنا نحرك اقتصاد غزة لأنَّ دخلنا كان مرتفعاً، أما الآن فليس هناك فرص للعمل في ظل هذا الوضع الصعب الذي يعيشه العمال في غزة". لافتاً إلى أن يوم السبت والذي كان إجازة رسمية لهم كان أكثر أيام الأسبوع نشاطاً في القطاع. وبين رزق أنَّ أجره العالي كان صمام أمان له، فأنجب تسعة أولاد دون الخوف من عبء تكاليف المعيشة، لافتاً إلى أنه تمكن من بناء عمارة مكونة من خمسة طوابق له ولأخوته، ولم يكن يتوقع هذا التغيير الذي سيحول أولاده إلى عبء كبير عليه وعلى حياته. وأشار لوضعه المزري بعد عام 2000م وتوقفه العمل في الأراضي المحتلة، واصفاً ذالك"بالصدمة". وفي ظل توقف دخول مواد البناء.. بقي آلاف العمال بلا دخل، حيث يقول المواطن عوض النحال: "أنا بلا دخل منذ إغلاق الأنفاق ومنع دخول مواد البناء، وبقيت أنتظر العمل المتقطع الذي يأتي في الأسبوع مرة أو مرتين لبناء جدار صغير". وتابع النحال: "لدي خمسة أطفال ودخلي لا يتجاوز المئة شيكل في الأسبوع، وذلك يعادل 26 دولاراً تقريباً، ومع ذلك لا يوجد حراك حكومي لحل مشكلتنا، ويبقى التناحر على آلية صرف رواتب الموظفين فقط". وأضاف النحال: "حتى ما أسمته الحكومة ضريبة التكافل الاجتماعي سُخِّر لرواتب الموظفين أيضاً، ونحن كعمال لا نجد من ينظر إلينا سوى الشؤون الاجتماعية بشيك لا يكفي لسداد دين البقال كل ثلاثة أشهر". لافتاً إلى أنَّ كل يوم بالنسبة له هو يوم للعمال لأنه عاطل عن العمل طيلة العام. من جهته قال رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة سامي العمصي: "لابد من الوقوف وقفة جادة لصالح العمال من قبل الحكومة الفلسطينية بدلاً من التركيز على رواتب الموظفين التي يتقاضونها في النهاية، فهناك آلاف العمال بلا مصدر دخل". ولفت العمصي إلى أنَّ حكومة الوفاق الوطني أوقفت جميع برامج التشغيل المؤقت والتي كانت توظف نحو سبعة آلاف عامل شهرياً، بالإضافة لوقف عمل برنامج التدريب المهني. وأوضح العمصي أنَّ عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة بلغ نحو200 ألف عامل بنسبة بطالة وصلت إلى أكثر من 55%، ما أدى لوصول نسبة الفقر إلى70% تقريباً. وبدوره قال رئيس الإتحاد العام للصناعات الفلسطينية علي الحايك: "إن الحروب الثلاثة المتتالية على قطاع غزة وخصوصاً الحرب الأخيرة كان لها دوراً في تدمير الاقتصاد الغزي من خلال استهداف المصانع والمحلات التجارية والأبراج السكنية، إضافة إلى الأسواق التجارية الكبرى" وأشار إلى أنَّ القطاع الصناعي كان المشغل الأكبر للعمال في قطاع غزة، لافتاً لأثر منع دخول مواد البناء التي تنبثق عنها نحو 80 مهنة صناعية، وتأخر إعادة إعمار قطاع غزة. من جهته قال الخبير الاقتصادي ماهر الطباع أنَّ أقل تعديل يجب أن يكون بتدخل حكومة الوفاق الوطني وتطبيق خطط إستراتيجية للحد من تفاقم مشكلة البطالة. وأشار إلى أنَّ انخفاض الأنشطة الإنتاجية لعدم وجود مواد بناء زاد من نسب البطالة وأدى إلى تقليص البرامج التشغيلية التي تطرحها وكالة الغوث، موضحاً أنه في السنوات السابقة كان يتم فرز عمال لصالح تلك البرامج الإنتاجية بتمويل من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. يُذكر أنَّ وعوداً كثيرة ما زالت تُطرح على الطاولات المستديرة والتي تجمع قيادات من الأطر والفصائل المختلفة، في محاولة لسد الفجوات الكثيرة التي خلفها الوضع الفلسطيني القائم وحالة الانقسام التي امتدت لأكثر من ثماني سنوات، الأمر الذي يزيد من خطورة الحياة التي يمر بها الفلسطينييون، وينذر بكثير من التساؤلات، أهمها: إلى أين ستذهب هذه الحالة بالفلسطينيين، وما هي المرحلة المقبلة التي في انتظارهم؟