الحفاظ على التراث الفلسطيني يساهم في ترسيخ الهوية الوطنية، التي حاول الاحتلال تذويبها وطمسها، تارة بسرقة لباسهم الفلسطيني، وتارة أخرى بسرقة المأكولات الشامية ونسبها له، والثورة فقط هي السبيل للحفاظ على مكتسبات هذا الشعب، في مواجهة السلب والنهب والإجرام الذي يمارسه أبناء صهيون بحق الإنسان والأرض. مكتبة عبد الله بن عباس في مدينة نابلس، عقدت ندوة للكاتب الفلسطيني زياد جيوسي، عن التراث والأمكنة وإعادة الذاكرة لمن فقدها والتأكيد على الهوية الفلسطينية، كأنه يؤكد على مقولته: "شعب بلا ذاكرة، شعب يسهل شطبه، وشعبنا عصيٌّ على الشطب، وفلسطين الكنعانية يجب أن تبقى حاضرة تاريخًا وجغرافيةً في عقول وقلوب شعبها بدون استثناء، وإن التراث مهم وأساس من باب أنه تاريخي توثيقي، وليس تقديسياً". تحت شعار "لكَ شيء في الوطن.. فقم"، استمع طلبة الصف الثامن والتاسع في المدرسة الثانوية الإسلامية في مدينة نابلس والحضور، لكلمة "جيوسي" الافتتاحية: "حلمي بدأ يتحقق، جهودي لم تذهب في مهب الريح، وكتاباتي عن التراث والأمكنة أصبحت واقعًا ملموسًا على أرض الواقع، سعيد بهذه النتيجة التي طالما حلمت بتحقيقها". تواصلت معنا الزميلة منى عساف من رام الله، وقالت إن جيوسي أكد على المحافظة على التراث والأمكنة، لأنها شكل من أشكال المقاومة الوطنية التي تساهم بإبقاء ذاكرة الشعب حية، وتساهم بزيادة انتماء الجيل الناشئ لوطنه فلسطين، الذي يتعرض لكافة أشكال الاعتداءات من قبل المحتل الصهيوني، الذي لا يكف عن سرقة وتزوير وإعادة استخدام الأسماء الآرامية التاريخية التي تعود لآلاف السنين لبعض القرى والبلدات الفلسطينية، وكأنها عبرية وتعود لهم، وهذا أكبر شاهد ودليل على كذبهم وزيفهم، وعدم وجود أي علاقة تربطهم بالمنطقة كما يدعون. بدأ "جيوسي" حديثه عن قرية الجيب "مملكة جبعون"، وعن الأماكن التاريخية والأثرية فيها ومنها: الكنيسة البيزنطية، معاصر الزيت، عيون الماء والينابيع، المقابر القديمة، تل "الفخار"، البركة الصخرية، بئر عزيز، مقام الشيخ حامد المهمل تماماً، ومن ثم حدثهم عن المملكة التي تميزت بموقعها الاستراتيجي وعلاقتها التجارية مع باقي المدن الكنعانية منذ العصر البرونزي، وخطتها الاستراتيجية التي تميزت ببناء نفق مكون من 98 درجة يربط ما بين المملكة على أعلى الجبل وعين الماء في أسفله. كما تحدث عن بلدة الجديرة المجاورة كانت الجدار الواقي من الاعتداءات، ومركز الأمن الغذائي الذي يوفر كل ما تحتاجه المملكة من ثروة حيوانية وزراعية ودوائية. وحدثهم عن بلدة كفر اللبد؛ بلد العلم والعلماء الأزهرين والمناضلين والثوار والشهداء، وارتباطها بالتاريخ والتراث عبر العصور الكنعانية والبيزنطية القديمة، ووجود قلعة البرقاوي فيها التي تم ترميمها بعد كتابته عنها بعد زيارته الأولى لها. وعرج في حديثه على خربة سمارة التي يطلق عليها أيضاً "خلة الكنيسة" أو "تل الشومر" والتي تعرضت الفسيفساء الموجودة بأرضية كنيستها الرومانية للسرقة من قبل الصهاينة، حيث يحتفظون بها في متحف تل أبيب تحت مرأى ومسمع الجميع. ثم تحدث عن قرية اللبن الشرقية وعبقها التاريخي وارتباطه بالحقبة الزمنية التي سبقت الفترة الرومانية، وأشار إلى البلدة الحديثة المبنية فوق البلدة القديمة، حيث يوجد سرداب يشير لوجودها، وتمنى لو يتم العمل على ترميمه ليصبح بمتناول الجميع زيارة والإطلاع على تراث الأجداد. والبلدة محاطة بالعديد من الخرب والجبال وأعلاها جبل طاروجة، "الذي اشتق اسمه من عبارة (طار وجاء) وارتباطها بالراوية الشعبية المحكية والمتداولة بين الناس والتي تقول إنه يوجد شيخ مات وعند محاولة دفنه طار النعش لمنطقة أخرى ودفن فيها"، وهذه الحكاية مكررة في فلوجة فلسطين، وساروجة دمشق وفلوجة العراق. ونوه إلى الراوية الشعبية تتشابه حيث نجد رواية مقام أبونا يوسف عند المسيحيين والشيخ يوسف عند المسلمين قرب بلدة بير زيت، وتشابه هذه الحكاية مع حكاية تروى في واد النصارى في سوريا. وحدثهم عما جرى في خربة عمورية القريبة من اللبن الشرقية في العام 1968، حيث عثر أثناء الحفر فيها على صندوق حجري كبير قام العملاء والمتعاونون مع الصهاينة بإبلاغهم عنه، وبسرعة حضرت القوات الإسرائيلية وحضر موشية ديان شخصياً بطائرة عمودية وسرق الصندوق وغادر.