ارتفاع "الرشاح" يغرق المنطقة.. والأمراض تفتك بالسكان الأهالي: الدولة لا تهتم بأمثالنا.. وأكبر مسؤول يزورنا أمين شرطة نعيش وسط الثعابين والحشرات.. وأقرب مستشفى في "جسر السويس" غرفة واحدة ل7 أفراد.. وانحرافات اجتماعية وسلوكية بسبب التكدس نشطاء: الوزيرة مهتمة بالقمامة فقط.. ويجب إسناد العشوائيات لخبراء على الجانب الموازي لشارع جسر السويس، أحد أبرز الشوارع الرئيسية التى تربط منطقة شرق القاهرة ببعضها البعض، من مصر الجديدة وعين شمس ومدينة بدر وحى العاشر، وصولا إلى سوق العبور والمطار، توجد منطقة "تقسيم أبو رجيلة" إحدى أبرز المناطق التى تقع على الشارع، ولكن شتان الفارق بينها وبين الشارع الرئيسي، حيث تكتظ تلك المنطقة بالعشش التي يعيش سكانها فى حالة من البؤس والمعاناة كأنهم من أهل القرون الوسطى، فذلك "الرشاح" اللعين برائحته الكريهة هو المنفذ الوحيد الذي يطلون عليه، وتلك الأكوام من القمامة والكراتين هى مهنتهم التى لايعرفون غيرها. "أبو رجيلة"، منطقة غابت عنها الدولة، لا يمكنك تخيل أن هناك مواطنين يعيشون فى هذه الظروف البائسة بعد ثورتين طالبتا بالحرية والعدالة الاجتماعية، حيث يتعرضون للأمراض والأوبئة، ويهدد الموت غرقا أبناءهم يوميا فى ظل تصريحات وردية للمسؤولين بأن مصر ستكون بللا عشش خلال عام، ومسؤولين بالمحليات لا هم لهم سوى تقاضي الرواتب دون تقديم خدمات للمواطنين. "البديل" التقت أهالي تقسيم منطقة "أبو رجيلة" لتتعرف على مشكلاتهم ومطالبهم، وها هي منى، سيدة ثلاثينية ترتدي النقاب وتحمل فوق رأسها "جردلا" من الغسيل، تسير فى إرهاق شديد يبدو أنها فى شهورها الأخيرة من الحمل، تقول "هذه هى عيشتنا منذ أن تزوجت وأحضرنى أهلي من المنيا لمساعدة زوجي فى فرز القمامة وبيع الكراتين، ونعيش فى عشة صغيرة مكونة من حجرة واحدة للنوم والمعيشة والطبخ والحمام". أضافت "ليس لدى طموحات فى هذه الحياة، لا أشعر أننى موجودة بالأساس أو أن الدولة تهتم بأمثالنا، ولكنى أشعر بالحزن على المستقبل الذى سيلاقيه ابنى الرضيع بعد ولادته، ولا أتمنى سوى أن ترحمنا الدولة وتنقلنا من الوباء الذى نعيش فيه هنا". بينما تجلسأم محمد، لتعد الطعام لأسرتها فى العشة الخشبية المظلمة، وتحكى لنا "أعيش فى أبو رجيلة منذ 10 سنوات، جئت من الفيوم مع زوجى بعد أن فقد عمله بقطعة الأرض التى كان يزرعها وقيام المالك بتجريفها وبناء عمارات سكنية عليها، زوجى غير متعلم ولم يكن هناك عمل لنا سوى جمع الكراتين مع باقى أقاربنا الذين يعيشون فى العشش منذ 20 عاما". أضافت، "العيشة هنا صعبة، ولكن ما باليد حيلة، نحن هنا نعيش عيشة الكلاب بالضبط أو الفئران، وأحيانا يزيد منسوب الرشاح ليلا ويرتفع ماؤه ليدخل علينا العشة، ولا مانع أن تهجم علينا الثعابين فى المساء وتلدغ أولادنا، فنحن أشبه بالموتى". على عبد القادر 35 عاما، يقول"أعيش فى عشش أبو رجيلة منذ أكثر من 15 سنة، ولم أر مسؤولا فكر فى رؤية سكان هذه المنطقة وسؤالهم عن مشكلاتهم، وهذا أمر متوقع، فلن يقبل مسؤول أن ينزل لمستوى العشش ويشم رائحة الرشاح أو رائحة حرق القمامة التى تسببت فى إصابة أغلب أطفال وكبار السن بالربو والأمراض الصدرية". ويسأل عبد القادر، "هو احنا مش مصريين ولنا حقوق على هذه الدولة، ونزلنا الانتخابات والدستور واخترنا السيسي، فين بقى حقنا، فين الصحة والتعليم والسكن النضيف الذى وعد به الرئيس، أين كرامة الفقراء الذين صرخ من أجلهم فى الخطابات، أين الثورة والتغيير وتحقيق الأحلام، ولا احنا عشان فقراء وغير متعلمين ليس لنا حق فى هذه البلد؟". وتقول فوقية علي، من سكان العشش،"أنا كمواطنة مصرية أطالب الرئيس السيسي، بزيارة منطقة أبو رجيلة ليرى بنفسه المعاناة الذى نعيشها ويطالب الحكومة بردم الرشاح، أو نقل سكان العشش إلى منطقة أخرى بها وحدات سكنية مناسبة، موضحة أن كل عشة يسكن بها أكثر من 7 أفراد، لذلك تحدث كوارث، من الإتجار بالمخدرات إلى الإدمان والتحرش الجنسى، وإذا كانت العشة بلا حمام فليس هناك مفر من الذهاب للحمام العمومى، وهناك لا يمكن أن تأمن أى فتاة على نفسها فيه، لأنه يمكن أن يراقبها أى شخص يمر بالطريق لأنه حمام خشبى وسيىء". وأضافت، "هنا فى العشش استغفر الله العظيم بتحصل حاجات قلة ادب، زنا محارم يعنى، كله من العيشة الضيقة والظروف الصعبة التى يسكن بها الأهالي، وأنا لا أريد سوى الخروج من هنا حتى لا يكون مصيري مثل الأخريات الزواج من أحد سكان العشة الذى يعمل فى جمع القمامة، وأن أعيش فى شقة صغيرة وأتزوج لأربى أطفالي وأعلمهم بالمدارس". أما عن الخدمات الصحية والتعليمية، تقول أم باسم 45 عاما، "أغلب الأطفال بالعشش يساعدون أسرهم ويتسربون من التعليم فى سن مبكرة لصعوبة الإنفاق على التعليم، ومن يكمل فعليه السير إلى منطقة العرب أو إلى مدارس بجسر السويس أو بمدينة السلام، بمصاريف للمواصلات لا تقل عن 10 جنيهات يوميا،أما عن الصحة، فالمنطقة ليس بها وحدة صحية حكومية ولا مستشفى عام، وأقرب مستشفى هى العرب التخصصى على شارع جسر السويس، ومستشفيات مدينة قباء أو الحرفيين. وطالب الحاج فتحي، المسؤولين بردم الرشاح وبناء مساكن بديلة حضارية بدل العشش، وأوضح أن رشاح عين شمس طوله يجاوز 6 كيلومترات، ويمتد من شارع الأربعين بجسر السويس مروا بتقسيم أبو رجيلة، ثم منطقة النزهة الجديدة وصولا إلى منطقة عمر بن الخطاب وقباء والحرفيين، مؤكدا أن الرشاح مصدر قتل يومى للأطفال والكبار، حيث يتعرضون للغرق فيه بكل سهولة، ومنذ أسبوعين غرق رجل أثناء عبوره جانبي الرشاح، متزوج ولديه 4 أطفال أصبحوا أيتاما. أضاف أن علاقة الدولة بسكان العشش قائمة على الاحتقار، حيث لا نرى سوى أمين شرطة فقط يحضر أثناء وقوع كارثة مثل غرق شخص بالرشاح أو شجار بين الأشخاص، ولا نأخذ سوى السب والإهانة، وكلما حاولنا التواصل مع مكتب رئيس حى السلام أول الذي تتبعه المنطقة ، بتقديم طلبات للنقل أو إعادة تمليك الأراضى، لا نسمع سوى رد واحد وهو أن رئيس الحى سوف ينظر فى الطلبات. "البديل" في جولتها بالعشش اصطدمت بتلك الوجوه البريئة حافية الأقدام، متسخة الملابس، إنهم أطفال لكنهم يعيشون هموم الكبار، يقول محمود محمد، 12 عاما،إنه يبدأ يومه من السادسة صباحا ويخرج لجمع القمامة بالأماكن المحيطة من جسر السويس وعين شمس وألف مسكن، ثم فرزها لبيعها لأصحاب المصانع التى تقوم بإعادة التدوير. محمود، كان يحلم باستكمال دراسته التي تركها بعد الصف الثالث الابتدائى، ولكن مرض والده بفيروس سي بسبب القمامة وإصابته المتكررة من الزجاج ومصاريف العلاج الكبيرة حرمته من استكمال الحلم، وهو الآن يساعد أسرته الفقيرة بدخله اليومي الذي يبلغ 20 جنيها، ويشاهد التليفزيون لدى جيرانه يوم إجازته الجمعة. بينما قال عمرو علي، 15 سنة، الذى لم يدخل مدرسة قط، إنه كان يبكى عندما يرى الأطفال أثناء ذهابهم للمدرسة فى الصباح، فى الوقت الذى كان يدخل فيه المنازل لجمع القمامة، فهو لديه 4 إخوة بنتين وولدين، ويعيشون معا فى حجرة صغيرة، ينام والداه على السرير بينما يفترش الأبناء الخمسة الأرض، فليس لديهم سرير آخر، كما أنهم ليس لديهم تليفزيون. من جانبه صرح الدكتور شريف الجوهري، مدير وحدة الدعم الفني وتنمية القدرات بوزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، بأن الوزيرة الدكتورة ليلى اسكندر، استعرضت مع وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى، الأسبوع الماضي خطة الوزارة فى القضاء على العشوائيات والعشش، وأكدت أنه خلال عام سوف تصبح مصر بلا عشوائيات، وأوضح أن الوزارة انتهت من حصر هذه المناطق التي بلغت 77 منطقة، في 18 محافظة، منها 41٪ أملاك دولة، و43٪ أملاك خاصة، و16٪ تابعة لجهات مركزية. أوضح الجوهري، أن الوزارة منذ أول يوم ترفع شعار "البشر قبل الحجر"، وأن هذه المناطق المهددة للحياة والخطرة كالعشش لن يتم إخلاء الأهالى منها قبل توفير وحدات سكنية ملائمة لهم، خاصة أن القاهرة تضم العدد الأكبر من العشش على مستوى الجمهورية. وقال أحمد التوني، عضو حملة "أحياء بالاسم فقط"، إن وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات لا تمتلك حتى الآن سوى تصريحات وردية تخص سكان العشوائيات، سواء من حيث رصد ميزانية لتطوير المناطق المهددة للحياة أو النقل لسكان الدويقة ومنشية ناصر، وإن تصريح مصر بلا عشش خلال عام مجرد شعار حتى الآن، مؤكدا أنه لا يوجد تنفيذ أو خطة فعلية على أرض الواقع لنرى جدية تطبيق هذه التصريحات. وأضاف: لا نعلم حتى الآن خطة الوزارة لاستغلال الأموال التى أعلن عنها الرئيس السيسي، خلال خطابه منذ شهرين بتخصيص مليار جنيه لتطوير المناطق العشوائية وخاصة العشش أو المناطق التى تمثل خطورة داهمة مثل منطقة أبو رجيلة، أو المناطق التي يقطن سكانها على شريط سكة حديد مثل عشش شارع السودان، أو غيرهم. المهندس الحسين حسان، مؤسس حملة "مين بيحب مصر لتطوير العشوائيات" تساءل: أين هى وزارة العشوائيات؟، مصر تئن بأكثر من 1221 منطقة عشوائية، وفى نفس الوقت لدينا وزيرة غير مدركة لأبعاد الملف وخطورته على الأمن القومى، وقد وقعت على مئات البروتوكولات الخاصة بتدوير القمامة والمخلفات الصلبة، ولم يعرفها مواطن العشوائيات. وطالب حسان، الوزيرة بالعيش يوما داخل المقابر أو العشش لكى تعرف الفرق بين المقابر والعشوائيات، موضحا أن أغلب أحاديث الوزيرة الصحفية وإنجازاتها مقصورة على القمامة وتدويرها، ولكن لا صلة لوزارتها بالعشوائيات من قريب أو بعيد، كما طالب رئيس مجلس الوزراء بفصل ملف القمامة عن العشوائيات، وتعيين إسكندر، مسؤولة عن ملف القمامة فقط، وتعيين أحد الخبراء والمتخصصين بملف العشوائيات.