صدر مؤخرًا، ضمن مطبوعات دار الساقي اللبنانية، كتاب «بغداد سيرة مدينة» للروائي العراقي نجم والي، يقع في 384 صفحة من القطع الكبير، تصوّر بغداد، من جانب كمكانٍ للفنتازيا، ومن جانبٍ آخر، يصور ما هو مدهش وغير قابل للمنال فيها. يزخر الكتاب بحقائق تاريخية وصورٍ ووثائق معاصرة، كما يستنطق نصوص أدباء غربيين زاروا بغداد وتركوا وراءهم انطباعاتهم، ويرسم صورة غنيَّة الملامح لبغداد منذ تأسيسها في العام 762 للميلاد، مروراً بحكم الخليفة الأسطوري هارون الرشيد، حتى خرابها على أيدي المغول. كما يروي قصصاً عديدة عن بغداد الحاضر من ذاكرة المؤلف، عن حبه الأول، عن دخوله الحياة الأدبية، مروراً بسجنه في أقبية مديرية الاستخبارات العسكرية، وصولاً إلى هروبه إلى المنفى بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. الكتاب وثيقة أدبية تاريخية تضع النظرة الغربية لصورة بغداد بمواجهة النظرة الشرقية، أو أنها محاولة لجمع شمل الطوبوغرافيا والعمران والذاكرة الذاتية. «بغداد.. سيرة مدينة»، هو تاسع كتاب صدر للكاتب المقيم في برلين، بعد 6 روايات ومجموعتين قصصيتين. نجم والي، غادر العراق أواخر 1980، درس الأدب الألماني في جامعة هامبورغ والأدب الإسباني في جامعة كومبليتينسه- مدريد، من كتبه التي صدرت: "الحرب في حي الطرب، ليلة ماري الأخيرة، مكان اسمه كُمَيْت، فالس مع ماتيلدا، تل اللحم، صورة يوسف، ملائكة الجنوب، بغداد.. مالبورو". كما نقل عن الإسبانية مسرحية "خطبة لاذعة ضد رجل جالس" لجابرييل جارسيا ماركيز، وعن الألمانية نقل "خطوات، ظلال، أيام وحدود" لميشائيل كروجر، هذا وتُرجمت أغلب أعماله إلى عدة لغات عالمية وصدرت عن دور نشر عالمية مرموقة، كما كتبت عنها أشهر الصحف العالمية. قال عنه محمد البعلي، مؤسس دار صفصافة للنشر بالقاهرة: يحكي نجم والي في رواياته دائما عن عراق الخوف والألم، يتناول واقعا كابوسيا يتجاوز خيالات كافكا وجورج أورويل عن الديكتاتوريات المخيفة وعن الاستبداد المنتشر في مسام المجتمع العراقي. في أحدث أعماله الروائية "بغداد… مارلبورو" (2012) يتناول نجم والي – صاحب "تل اللحم" و"صورة يوسف" – عراق مابعد صدام، الذي تخلص من الديكتاتور ولم يتخلص من الخوف. إن أحد الملامح المميزة لأعمال "نجم والي" هي جوها العجائبي الذي يذكرك بروايات جابريل جارسيا ماركيز ورواد الواقعية السحرية في الأدب اللاتيني، ولكن مع فارق واضح، فكل الأحداث العجيبة –أو ما قد نراها كذلك– في روايات "والي" هي وقائع قد تكون حدثت بالفعل لعشرات وربما للمئات في العراق. وتمد روايات "والي" كذلك جذورها في الأدب العالمي لتصل إلى فرانز كافكا، فأعمال الكاتب العراقي –الذي نجا بأعجوبة من السجن الكبير المسمى العراق في عهد صدام حسين– تبدو مثل كابوس ممتد، يحاصر فيه الخوف والموت شخصيات العمل.