أرض الفيروز.. هكذا يطلقون على سيناء الساحرة، بمزاراتها المطلة على البحر، الراقدة في قلب الجبل، فتجعل زائرها مرتبطًا بها منذ أن يتنسم عبيرها إلى أن تودع قدماه رمالها. وتعد المحميات الطبيعية أكثر ما يميز تلك البقعة، خاصة المتواجدة بجنوبسيناء، التي تضم أشهر محميات طبيعية بالشرق الأوسط، سواء بحرية أو برية، فمحمية رأس محمد الواقعة بشرم الشيخ هي الثانية على مستوى العالم ويطلق عليها "الحديقة الوطنية"، بالإضافة لمحميات "نبق وأبو جالوم وسانت كاترين وطابا". ووقعت تلك الكنوز فريسة للصيد الجائر والإهمال، فالمشروع الوحيد الذي حافظ على هذه المحميات هو الاتحاد الأوروبي الذي انتهى سنة 1997، ومن وقتها تعاني المحميات من الإهمال، فأغلقت مراكز الزوار وتعرضت لنقص في العمالة والصيد الجائر. رأس محمد.. في مهب الريح محمية رأس محمد الطبيعية بجنوبسيناء أول وأهم محمية طبيعية بمصر تحتوي على تنوع بيولوجي لا مثيل له بالبحر الأحمر، تم إعلانها محمية طبيعية ومتنزهًا قوميًّا عام 1983 ومنذ ذلك الحين وهي من مزارات الغوص العالمية؛ لما تتمتع به من أنظمة شعاب مرجانية خلابة، وتنوع من الأسماك لا مثيل له في العالم. بحكم القانون، فمحمية رأس محمد محمية طبيعية، يحظر الصيد فيها على الإطلاق، تقع في جنوبسيناء على بعد 12 كم من شرم الشيخ عند التقاء خليج السويس وخليج العقبة، وأسست في 1983 للغوص والسباحة والأبحاث والدراسات العلمية، وتمثل الحافة الشرقية للمحمية حائطًا صخريًّا مع مياه الخليج الذي توجد به الشعاب المرجانية، كما أن المحمية موطن للعديد من الطيور المهمة، مثل البلشونات والنوارس، وتم اختيارها من منظمة السياحة العالمية ضمن 10 مواقع على مستوى العالم ستدعمها لاستقبال سياحة مراقبة الطيور المهاجرة. وأُعلنت "رأس محمد" محمية طبيعية لما تحتويه من الشعب المرجانية، وبيئة المنجروف والأدوية الصحراوية، والبيئات الساحلية وتتمثل في سهول طينية وأراض ملحية، وبيئة الحشائش البحرية . وتخترق الجهات المسؤولة خاصة محافظة جنوبسيناء، قرارات الحفاظ على ثروات المحميات وكنوزها البحرية، فتسمح بالصيد بالمحميات، ومنها محمية "رأس محمد" بالبحر الأحمر، وفي توقيتات التكاثر، رغم تأكيد التقارير والأبحاث العلمية خطورة الصيد في محمية رأس محمد في شهور إبريل ومايو ويونيو، لأنها فترة تزاوج الأسماك، مما يضر بالمخزون السمكي والشعاب المرجانية ويخل بالتوازن البيئي ويضر بطبيعتها، ويهدد بضياع ثروات لا تقدر بأموال، وتضيع الكثير من الأموال كانت ستعود علينا من السياحة الوافدة للتمتع بجمال رأس محمد، أشهر مكان للغوص على الكرة الأرضية. وتؤكد دراسات علمية للباحثين بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بجامعة قناة السويس، انخفاض حجم المصيد من أسماك الشعور بجنوبسيناء بنسبة 70% في 10 سنوات، حيث انخفضت من 280 طنًّا في 2000 إلى 40 طنًّا في 2010، طبقًا لبيانات التقرير السنوي للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في 2010. ولفتت الدراسات البيئية والبحوث العلمية بجهاز شؤون البيئية إلى انخفاض متوسط الأحجام لأسماك الشعور، وتم تسجيل عدد كبير من الأسماك التي بدأت في النضوج والتكاثر عند عمر 3 سنوات، بدلًا من 5 سنوات، مما يعجّل بالقضاء على المخزون الطبيعي لأسماك الشعور. وقال التقرير: أنشطة الصيد بأسلوب الجر و"الشانشولا" في فترة الليل، خلال موسم تزاوج أسماك الشعور، أدت إلى تدمير مساحات كبيرة من الشعاب المرجانية بمناطق الغوص السياحية بمحمية رأس محمد، جراء استخدام الهلب والمخطاف لمراكب الصيادين على مدى عدة عقود، مما يهدد بتدهور أحد أهم مناطق نمو الشعاب المرجانية بشمال البحر الأحمر، وأحد أهم الموارد الطبيعية اللازمة لتكاثر العديد من أنواع الأسماك الاقتصادية؛ مثل أنواع الشعور والوقار والبهار والبياض. يقول محمد علم، مرشد سياحي: المحمية تحصل رسومًا على السائحين، ولا تقدم أي خدمات أو إرشادات. وقال أحمد صابر، من هواة التخييم بالمحمية: المحمية لا يعرفها المصريون، ولا يسوّق لها، فهي كنز يدفن مع مرور الأيام وقلة الاهتمام. انتهاكات الغطس وقطع الشُّعب المرجانية وأفاد محمود البرنس، أحد زوار المحمية، بأن "عمليات الغطس تشهد انتهاكات عديدة لقواعد الحفاظ على المحميات، منها قطع أجزاء من الشعب المرجانية لالتقاط صور معها"، مؤكدًا أن العاملين بالمحمية لم يحرروا مخالفة أو غرامة ضد من يقومون بهذه الانتهاكات، رغم إبداء اعتراضه على ذلك، لافتًا إلى أن المكلفين بتأمين المحمية وحمايتها يدفعون الغرامة من نفقتهم الخاصة، إذا رفض المتعدي دفع الغرامة، أو ادعى أعدم قطعه الشعاب وأنه وجدها أثناء غطسه. وأعلن اللواء خالد فودة، محافظ جنوبسيناء، أن الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أصدر قرارًا بوقف الصيد بمحمية "رأس محمد" خلال شهري مايو ويونيو؛ لمنع الصيد الجائر والحفاظ على المخزون السمكي، مضيفًا أنه تقرر تعويض الصيادين ماديًّا لحين إقامة مشروعات صغيرة ومزارع ومفرخات سمكية؛ للمحافظة على دخولهم وتوفير حياة كريمة لهم. 12 مليون جنيه للتطوير و4 آلاف فرصة عمل وأوضح الدكتور عادل سليمان، مدير مشروع تعزيز نظم الإدارة والتمويل بالمحميات الطبيعية، أن محميات جنوبسيناء "رأس محمد، نبق، أبو جالوم، سانت كاترين، طابا" تشهد حاليًا أعمال تطوير بتكلفة 12.5 مليون جنيه، ويوفر ما يقرب من 4 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في نهاية خطة التطوير، من خلال مشروع تعزيز نظم الإدارة والتمويل بالمحميات الطبيعية، ويهدف المشروع إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية والتراث الثقافي بمصر، من خلال تحقيق الاستدامة المالية وتطوير النظم الإدارية والمؤسسية بشبكة المحميات الطبيعية. وأوضح سليمان أن أهم أعمال التطوير التي تتم حاليًا، تشمل إنشاء مبنى إداري متطور بمحمية سانت كاترين، لتطوير عمليات المراقبة الدورية وتسهيل عملية الربط الإلكتروني للمحميات الطبيعية، بالإضافة إلى إنشاء سقالة عملاقة بمحمية نبق بطول 40م وعرض 2.5م، من أفضل الخامات العالمية ومظلة بمساحة 200م. من جانبه أكد الدكتور أحمد عبد الحكيم، مسؤول الإعلام والتوعية بقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، أن التطوير الذي سعي له القطاع مؤخرًا سيساهم في انتشار سياحة المحميات وجذب الزائرين، وترويج الاستثمار بهذا القطاع. وأضاف أنهم انتهوا من تطوير جزء كبير، ويعملون حاليًا على تطوير الجزء الآخر، وتشمل الخطة محميات جنوبسيناء، منها محمية "رأس محمد" بتكلفة 12.5 مليون جنيه.