لا شك أن السعادة المطلقة كالتعاسة المطلقة غير موجودة, لذلك لن نجد من لم يقض وقتًا طال أو قصر وهو سعيد، فالسعادة المطلقة حلم مستحيل، لا نطلبه ولا نرجوه، أما السعادة النسبية أو الجزئية فهي مطمح مقبول، لكن الملحوظ أننا كمصريين لسنا سعداء، ولا تحتاج المسألة لتدليل، فنظرة للناس في الشوارع كل يوم، وحالة الصراع التي لا ينتهي، نظرة للهموم البادية على الوجوه تجعلك تدرك ذلك. السعادة هي مسألة أكبر من الرضا بالحال، فقد أتقبل أوضاعي وأسكت، لكن هذا لن يحقق لي السعادة، التي هي حالة من الإشراق الداخلي المرفوق بالرضا و الإقبال على الحياة، والرغبة في العمل والإنجاز، وهذه الحالة التي هي الغاية القصوى لأي إنسان نادرة الحدوث في الحياة، فحياتنا الممتلئة بالمتناقضات صارت حائل بيننا وبين السعادة. هل تراجعت رغبتنا في الحياة وإقبالنا عليها؟ والإقبال على الحياة ليس هو الرغبة في التمتع بما فيها من متع حسية، بل على العكس قد يكون الإقبال على الحياة دافعًا أساسيًّا لإهمال الجوانب الحسية والمادية في حياة الإنسان، والاتجاه نحو الاستمتاع المعنوي والروحي، لكن التهالك الواضح على كل ما هو حسي ومادي قد يدل على افتقار السعادة وسيادة روح القلق والتوتر من المستقبل، فالسعيد الراضي لن يهتم كثيرًا بتكديس الأموال، بل سيكتفي بما عنده دون كسل أو توان، أما القلق فسيقتل نفسه بل وغيره بحثاً عن الشعور بالأمان المادي الذي لن يأتي ولو كدس المليارات. لماذا نفتقر للسعادة؟ لماذا يسكننا ذلك الحزن الأزلي فنظرة لطبيعة الموسيقى المصرية سنجد أنها تحمل الكثير من الشجن والحزن، بل وحتى الحديث منها يحمل حركة وإيقاع لن يخفى عن الباحث كم التكلف بها، ويبدو أن الحزن في حياتنا قديم ومتصل ومتوارث وممتد، لكن لماذا؟ لاشك أن العوامل المادية والاجتماعية قد تمثل الغلاف الظاهري لحزننا، فالفقر القديم الذي فرض على بلادنا الثرية، منذ أن كان تعدادنا مليونين، وحتى صرنا 90 مليون هذا النهب المستمر لاشك فرض ضغطًا نفسيًّا مستمرًا على الإنسان فورثه القلق، مما حتم على الإنسان أن يظل يلهث معظم يومه سعيًا خلف الرزق، مما يفقده القدرة على الاستمتاع بالحياة، وقد يزيد الطين بله فقد العمل، خاصة للشباب، مما قد يقود البعض للإدمان وربما الانتحار. أما عن الضغوط الاجتماعية فحدث ولا حرج, فعلى الرغم من أن القوانين الرسمية تتيح لنا الكثير من الحريات، لكننا في الواقع كبلنا أنفسنا بكل القيود الممكنة، نسير وسط أشواك اجتماعية تفرض علينا حرمانًا نفسيًّا مرًّا. فلا حب ولا جمال ولا حتى رقة وعذوبة فكله عيب، والمحترم ما يعملش كده، وكم من مرة تورطنا في إدانة مراهق رقيق الحس لمجرد أنه اختار أن يحب مراهقة مثله وتعلقت عيناهما وقلباهما بعلاقة محتوم فشلها لألف سبب وسبب، لكننا لم نرحمهما لا بألسنتنا ولا حتى بضمائرنا، تلك الضمائر التي أثقلها تراث رث من القيود والحرمان والكبت، فأسقطنا كبتنا على الجيل الجديد بدعوى حمايته، ونحن في الواقع لا نسعى إلَّا لفرض أحزاننا التراثية عليه، ولا مانع أن نضع تلك القيود في أطر اجتماعية ودينية، لتتحول إلى أسوار من النار سيحترق حتمًا من يحاول الاقتراب منها، يحترق من داخله قبل أن تطاله نار المجتمع لتحرقه وربما تفنيه بالمعنى الحرفي للكلمة. في الحقيقة ليس لديَّ طريقة ولا منهج يمكّنني من التخلص من تلك الحالة الموروثة من الكاَبة والضيق الداخلي غير الأمنيات والدعاء، فيا إلهي يا خالق الأكوان متعني ومتع شعبي والعالم بالسعادة والرضا ونجي بلادي مما يحاك لها, فأنت مجيب الدعاء يا رب العالمين.