«سيد عبد الرسول» فنان شامل؛ مصور وحفار وخزاف ومعلم، رمى بظله على الحركة الفنية المصرية ما يقرب من ستة عقود، يتمتع بأسلوب السهل الممتنع، عناصره واقعية قريبة إلى وجدان كل مشاهد ومعبرة عن خبراته الحياتية وعن الرموز التراثية البعيدة والقريبة في تاريخه. مؤخرًا، أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب جديد في سلسلة ذاكرة الفن عن هذا الفنان الشامل سيد عبد الرسول، قام بالدراسة والإعداد الناقد سيد هويدي، والذي أفاض من خلال هذه الدراسة في شرح الجوانب الأسلوبية لأعمال «عبد الرسول» بعد تتبعه لمراحل نشأته والمؤثرات التي أثرت على شخصيته، وما واجهه من تحديات. رغم أن «عبد الرسول» 1917 – 1995، عاش في قلب الحركة الفوارة بمدارس الفن الحديث في منتصف القرن العشرين بين مصر وأوروبا، ورغم تطلعه الدائم إلى الحداثة، وحسه التجريبي المرتفع، بحثًا عن رؤى عصرية في البناء الجمالي وفي أشكال التعبير والمواد المستخدمة، فقد ظل حتى النهاية ملتزمًا بالحفاظ على خصوصية مصرية تضرب بجذورها في منابع حضاراتنا المتعاقبة، وتتفاعل -في ذات الوقت- مع تيارات الحداثة وتطورات العصر، وفوق ذلك: تملك شعيرات التواصل الجمالي -بغير ترخص- مع أذواق الجماهير وثقافتها المتوارثة والمتراكمة طبقة فوق أخرى. «عبد الرسول» فنان عزيز الإنتاج متنوع الاتجاهات، يمارس فن التصوير الزيتي والجرافيك وينتج الخزف والفخار، ويعتمد في كل هذا على استلهام الطابع الشعبي والتعبير عن الحياة في الريف، وفي أعماله صدى للفن الفرعوني مع ملامح من الفن القبطي وقد جمعها في أسلوب خاص مميز، أيضًا يلتقط "عبد الرسول" موضوعاته من صميم البيئة المحلية بملامحها المميزة ويكسبها من عنده خصائص جديدة ليربطها بالتراث، لذا نجده يهتم بزخارف الملابس والخلفية مستخدمًا الألوان المريحة المتوازنة ليرسم نفس الوحدات الزخرفية التي اشتهر بها الفن الشعبي. تأتي خصوصية «عبد الرسول» في تجميع ثلاث محاور في فنه، المحور الأول تأثره الواضح باستاذ الأجيال راغب عياد وهو الجانب الموضوعي، المحور الثاني تأثره بالفن الفرعوني من ناحية أسلوب تحريك الأشكال على حوائط المقابر وهو ما يخص الوصفات الأدمية والكونتور الخارجي للشكل، ثالثًا تأثره بالفنان الإيطالي الشهير ماسيمو كامبيلي، وهو ظاهر فى تتغيم المساحات والملمس السطحي الخش والتدرج الناعم. نظرة «عبد الرسول» للأشياء كانت نظرة اختزالية، تختصر الشكل من عناصره الأصلية وإعادة بنائها من جديد بمدلول موضوعي يبرز قيمته التشكيلية، فهو يربط الشكل بفعل التجريد الذي يوصله إلى مجال المعقولية وأن غياب الطبيعي ومناظرها بأشكالها الواقعية الحقيقة تشكل أسلوب مرحلته المتوسطة، إلا أنه اقتفى أثرها بأسلوبه البسيط الممتع في مرحلته الأخيرة، مؤكد حضورها داخل الحيز الفني وتسجيلها كي تؤدي وظيفتها الدلالية ورصد علاقتها الجمالية بأسلوب واقعي تتخلله رؤاة التراثية الشعبية للأشياء.