يقدر عدد المسلمين بالعالم في أواسط العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بحوالي 1.5 بليون فرد. أساسًا يقيم أغلب المسلمين فى المناطق التالية: العالم العربي في الشرق الأوسط وإفريقيا، وفي غرب إفريقيا، وشرق إفريقيا، وجنوب شرق آسيا، ووسط آسيا، ذلك إلى جانب الجاليات الكبيرة في الصين والاتحاد الروسي وأوروبا والأمريكتين. ويتكلم المسلمون بهذه البلاد لغات عدة، ومنها العربية. والذين يتحدثون العربية منهم، بالعالم العربي وخارجه، لا تتعدى نسبتهم من العدد الكلي للمسلمين ال20%. وذلك يعنى أن الذين يستطيعون قراءة القرآن، الكتاب المقدس للإسلام، والمكتوب بلسان عربي مبين، هم الأقلية من المسلمين في يومنا هذا! مع التسليم بأنه حتى من هؤلاء المتحدثين بالعربية، أقلية منهم التي تستطيع قراءة القرآن؛ وذلك لانتشار الأمية بشكل كبير في العالم العربي والإسلامي عمومًا. إذا الموقف جد محرج. فأغلب المسلمين لا يستطيعون قراءة كتابهم المقدس، الذي يجدون فيه خلاصة الرسالة الإلهية، التي ترشدهم إلى أسس عقيدتهم، وإلى كيفية ممارسة دينهم. والسبب الأساسي في ذلك هو عدم مقدرة الأغلبية الكبرى من التحدث باللغة العربية وقراءتها. وقد يتساءل البعض: لماذا لا يترجم الكتاب إلى ألسنة ولغات الشعوب الإسلامية جميعها؟ وهو الأمر الذي كان يجب أن يتم منذ قرون عدة، منذ أن دخل الإسلام الأفواج من الشعوب غير العربية، التي كان يشار لها بالأعجمية. ما الذى منع الأمة الإسلامية من ترجمة القرآن لكل اللغات؟ ألم يكن الواجب أن تسعى الأمة، وخاصة العرب منهم، والذين نشروا وحملوا لواء الإسلام وكتابه العربي في صدر الإسلام، أن يترجموا القرآن للغات الشعوب التي دخلت الإسلام حتى يستطيعون تنفيذ أمر الله وطاعته في قوله "اقرأ"، التي زينت صدر المصحف في أول وحى جاء للنبي (ص)! العلق 96 (1-5) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. ألم يكن من واجب الدعاة في صدر الإسلام وما تلاه أن يسارعوا إلى ترجمة القرآن، كتابهم الذي يشمل أمر دعوتهم، حتى يكون بين أيديهم خير مقدمة لدعوتهم فيسهل المهمة؟ فما الذي منع الناس من ترجمة القرآن حتى يستطيع المسلم الداخل للإسلام من "العجم" أن يتفهم دينه فيحسن إسلامه، وحتى يكون سند دعوة الدعاة للدين الجديد لمن لم يدخل الإسلام بعد؟ كلها أسئلة محيرة لا يجد العاقل لها إجابة، ولا لعدم تنفيذها مبرر! لقد أدخل الفقهاء في روع الأمة، وهم، أى الفقهاء، الذين وُجدوا لينصحوها لعلها تحذر وترشد؛ أن ترجمة القرآن ممنوعة و"حرام" وأنه يمتنع على المسلم، أيًّا كانت لغته، أن يتعبد بالقرآن بغير صورته العربية. التوبة 9 (122) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. ولا أدرى ما هو الدليل على تلك الفتاوى. أي نص قرآني منع صراحة إمكانية ترجمة القرآن ليفهمه ويتدبره جمهور المسلمين دون الحاجة لسماع محتواه بمفهوم فقهاء لغتهم وأئمتهم. أي وصاية تلك على جمهور المسلمين! الصريح الواضح أنه لا يوجد نص مانع للترجمة. على النقيض من حجج الفقهاء بشأن تحريم ترجمة القرآن، فنجد نصوصًا قرآنية تشير بوضوح إلى الفطرة الإلهية التي فُطرت عليها البشرية، وهي اختلاف ألسنتهم. وعليه تكون الأمة مستعدة للتكيف مع هذا الأمر، ولا تصل سذاجة القوم وقهرهم للعباد بمطالبة البشرية أن تتعلم العربية كضروة للدخول إلى الإسلام. الروم 30 – (22) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ. ونجد أيضًا أن الفطرة الإلهية أن تأتي الدعوة بلسان القوم المدعوين لها، وليس بلسان أعجمي عليهم، وذلك منطقيًّا حتى يفهمو ويتدبروا معنى البلاغ لتلك الدعوة فيتبعوه. إبراهيم 14 – (4) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وأخيرا نجد أنه في الفترة الحالية، وبعد معايشة الانفجار السكاني في العالم الذي أدى إلى أن تكون أغلبية المسلمين ممن لا يتكلمون العربية، وأيضًا في ظل ثورة الاتصالات، أن قبل بعض الفقهاء بترجمة القرآن! ولكن ما زال الرفض موجود طي تلك الموافقة فشرطوه بمفهوم غامض، وهو أن الترجمة إنما هى ترجمة "معانى" القرآن، وليس هو القرآن ذاته. وما الفرق بين ترجمة النص وترجمة معنى النص؟! إنها فروق تنم على تقعر يريد به الشخص أن يسمح بأمر ما ويمنعه فى نفس الوقت. والدفع بأن القرآن بالعربية هو الشكل الوحيد الموجود في "اللوح المحفوظ" عند رب العالمين، هو أمر فيه تعدٍّ وتأويل لأمور غيبية سماها القرآن أنها من "المتشابهات" التى يشتبه علينا نحن البشر إدراك مفهومها الحقيقي؛ لأنها تقع في نطاق القدرات الإلهية التي لا قبل لنا بإدراكها على هيئتها الواقعية. فمالنا نحن والدخول في "المتشابهات" وقد نهينا عن تاويلها. آل عمران 3 – (7) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ. الأمر العملي الواقع أنه بين أيدينا كتاب أوحى إلى نبينا (ص) منذ ما يزيد على 14 قرنًا، وعلى مدى 23 عامًا. وهذا الكتاب جاء، كما هي طبيعة الأمور، بلسان قريش والعرب. وقد حفظه الناس وكتبه الكتبة وأصبح أمرًا دنيويًّا بين أيدينا لنتدبره ونتبعه. فما بال النكوص إلى أمور لا ندركها، ونقحم أنفسنا في ملكوت الله سبحانه، الذي لا قبل لنا بإدراكه يقينا، ونتحجج "باللوح المحفوظ". إن المسلمين الذين لا يتكلمون العربية في مأزق. فهم محرومون من حق قراءة وفهم وتدبر كتابهم الذي ما زال قاصرًا على لغة لا يفهمونها، وهي العربية. فكيف تتوقعون من هؤلاء المسلمين أن يحسن إسلامهم، بلا دليل قرآني من كتابهم المقدس؟ ليقعوا فريسة لفهم أئمتهم للقرآن والدين، فهم وسيلتهم الوحيدة للتعرف على كتاب الله. أى وصاية هذه؟! يجب أن نفطن لضرورة ترجمة القرآن لكل لغات البشر. وأن يقوم بذلك مجموعات عمل، لكل لغة على حدة، وتكون تلك المجموعات على أعلى مستوى من الخبرة والحكمة في مجالات متعددة تشمل اللغة العربية واللغة المطلوب الترجمة إليها، كذلك علوم القرآن والتاريخ والثقافات المختلفة. وبذلك نضمن أن تخرج الترجمات سليمة، وخالية من الخطأ والشطط، الذي نراه في بعض الترجمات التي نتجت عن مجهودات فردية.