برغم قلة عدد الجيش الإسرائيلي ، هذا الجيش الذى لا يزيد عن 170 الف جندى عامل بجانب قوة احتياطية تبلغ حوالى 400 الف آخرين ، وبرغم أن عدد سكان اسرائيل بالكامل يبلغ حوالى سبعة ملايين نسمة إلا أن هذا الجيش يصنف عالمياً كواحد من أقوى الجيوش الهجومية على مستوى العالم ، ليس فقط لتطور أسلحته ومعداته والدعم الغربى الذى لا ينقطع ولكن أيضاً لاشتراكه المستمر فى معارك ومواجهات متواصلة مع عدو من المفترض أنه يفوقه عدداً مئات المرات ، فقد بلغ عدد سكان المنطقة العربية ما يزيد عن 370 مليون نسمة بخلاف المهاجرين والمغتربين ، ويبلغ عدد المسلمين فى العالم حوالى 3 مليار نسمة ، والديانة الاسلامية هى من الديانات التى يزداد عدد معتنقيها على مستوى العالم مثل المسيحية والبوذية فى الوقت الذى لا تزداد فيه أعداد معتنقى الديانة اليهودية على مستوى العالم ولا يبذل ابنائها اى مجهود فى سبيل انتشارها وكأنهم يحافظون على قلة ذات تركيب نوعى وطبيعة خاصة . جيش الدفاع الاسرائيلى IDF يعتمد بشكل اساسى على الفكرة المعنوية والروحية فى الحشد والتدريب ، بداية من اختيار الاسم " الدفاع " الذى يؤكد أنه جيش وظيفته الاساسية هى الدفاع وردّ العدوان وليس المبادرة بالعداء والهجوم وقد كان هذا الاسم هو إسم واحدة من أكبر المليشيات المسلحة اليهودية " هاجانه- دفاع " التى كانت تنسق مع الجيش الانجليزى منذ بداية الحرب العالمية الثانية وقد ضمت بعد تأسيس الدولة باقى المليشيات تحت جناحها بعد مقاومة مالت للعنف من جانب هذه المليشيات ، ليُبنى ذلك الجيش على التباين منذ اللحظة الأولى بين جنوده الذين هم من أصول عرقية مختلفة تنتمى لشعوب أوربية وآسيوية وإفريقية بجانب جنود من أصول عربية من الدروز والبدو من عرب 48 الذين ينخرطون فى وحدات خاصة تسمى كتيبة التجوال الصحراوية أو وحدات قصاصى الأثر ويمكننا ان نرصد ذلك التباين لو أمعنا النظر لما هو أبعد من الملابس الرسمية الموحدة والأسلحة المتطورة والمتشابهة .. الضلع الأول فى هذه المنظومة المعنوية المعقدة والمتراصة بشكل دقيق هو المقولة الذى يطلقها قادة الجيش فى وجه العالم " عائلة واحدة- משפחה אחת" كشعار رئيسى فى التدريب والمهمات وفى هذا الشأن يقول أحد القادة المسئول عن تأمين المسجد الاقصى فى خطاب حماسى قبل نشر وحدته لمباشرة مهامها " لا يهم العالم ما هى أصولك أو من أى بلد أتيت ولكن يهمهم أنك أحد أفراد جيش الدفاع " ، ويعتمد العامل النفسى الثانى على الدافع الدينى الذى يشيعه رجال الدين فى المقاتلين قبل أى مواجهة " أنتم جيش اسرائيل أنتم جيش الحق لا تخشوا شيئاً وأنتم ذاهبون إلى المعركة لأن الحق معكم والله معكم وسيخوض الحرب الى جانبكم " كل هذا بجانب كتائب من الاعلاميين والمخرجين والمصورين والكتّاب واللجان الالكترونية التى تعمل على توفير الدعم الاعلامى والمعنوى وتجميل الصورة الذهنية بشكل رسمى وتطوعى ، والضلع الثالث فى هذا المثلث هو الرواية الرسمية للجيش حول المواجهات التى خاضها ضد أعدائه وأطلق عليها أسماء خاصة وموحية فالحرب الأولى التى يطلق عليها العرب حرب 1948 والتى استطاعت بها الجماعات اليهودية المسلحة القادمة من شتى بقاع هزيمة الجيوش العربية والاستحواذ على الارض الفلسطينية يطلق عليها جيش الدفاع فى موقعه الرسمى على شبكة الانترنت حرب الاستقلال ويصفها قائلاً "هي الحرب الاولى التي خاضتها دولة إسرائيل ضد عرب إسرائيل والدول العربية المجاورة, كانت حرباً على استقلال الدولة ضد أولئك الذين هاجموها لمنع إقامة دولة يهودية على أرض إسرائيل, وفقاً لقرار التقسيم الذي اتخذته الأممالمتحدة." لتصبح بموجب هذا الاسم والوصف حرب استقلال وتحرير من غزاة ومعتدين ضد شعب مقيم فى أرضه التى يحوزها ، وفى وصف الموقع لحرب الغفران – اكتوبر 1973 يقول " بدأت الحرب في 6 تشرين أول 1973 بهجوم القوات المصرية والسورية على اسرائيل " واصفاً قوات مصر وسوريا بأنها هاجمت دولة اسرائيل وقام جيش الدفاع بحماية دولته ضد هذا العدوان ، متجاهلاً أن الحرب تمت على اراضى سيناء المصرية والجولان السورية التى حاول العرب استرداها بعد ان انتزعها منهم جيش الدفاع فى معارك سابقة ، إلا أن السلاح الإعلامى والمعنوى وإن كان من أهم وأكثر أسلحة جيش الدفاع فتكاً ، ولكن ذلك الجيش يتخذ عوامل عديدة للحفاظ على تفوقه فالتجنيد الإجبارى للذكور لمده ثلاث سنوات كاملة بما يسمح للجنود بالتدريب لفترة كافية واكتساب الخبرة الميدانية وكذلك هى نفس المدة بالنسبة للإناث المقاتلات بينما الإناث فى الأعمال المكتبية تكون فترة التجنيد عامين فقط ، وللمرأة الحق فى الاختيار بين العمل المكتبى والميدانى ولا يستثنى من التجنيد إلا العرب المسلمين الحاملين للجنسية والمسيحيين وطلاب المدارس الدينية المتشددة" يشيفات " وإن كان يُسمح لجميع الفئات السابقة بالتطوع والخدمة إلى جانب ثلاثة أجهزة مخابرات قوية "الموساد" وهى المخابرات الخارجية والتى تعتبر من أقوى أجهزة الاغتيالات فى العالم وكان لها دور بارز فى تصفية الخصوم والحسابات القديمة مع جنرالات النازية الالمانية و"أمان" وهى المخابرات العسكرية و"شاباك "وهى المخابرات الداخلية التى تعمل داخل حدود إسرائيل إلى جانب ترسانة متطورة من الأسلحة الدفاعية كأنظمة باتريوت المضادة للصواريخ ونظام أرو المضاد للصواريخ البالستيه وقدرتها النووية التى تحاط بالسرية العالية بشأن ترسانة من الأسلحة الكيماوية إلى جانب شركات تصنيع الاسلحة والذخائر التى تصنع البنادق والمدرعات والآليات إلى جانب الدبابات التى تعرف بالميركافا تطبيقاً لمبدأ الاعتماد الذاتى للجيش على نفسه فى تصنيع السلاح إن قوة الجيش وتنظيمه عسكريا وإعلاميا والظهير العالمى الواسع والتعاطف الذى يزداد معه يوماً بعد يوم كان له الأثر الأكبر فى تجاهل العالم لجرائم الحرب الواسعة التى ارتكبت فى مدينة القدس التى تدخلها الجرافات ومعدات الهدم بشكل يومى لهدم كل آثارها الإسلامية والمسيحية وتجريف هويتها الدينية المتعددة ونزع ملكيات سكانها ، وهو الأمر الذى تعتبره كل الاتفاقيات الدولية والمعاهدات العالمية والمنظمات المعنية جرائم حرب لا يمكن السكوت عنها