أحدثت نتائج الاعتداء الإسرائيلي في القنيطرة السورية والرد السريع للمقاومة اللبنانية في شبعا، الكثير من التداعيات على الكيان الصهيوني من جهة وعلى محور المقاومة من جهة أخرى، فبين العمليتين كان يدرس حزب الله متى وأين يأتي الرد المناسب لهذا الاعتداء؟، وعلى الجانب الآخر كان الاحتلال يتحرك دبلوماسيًا في الخارج لإيقاف الرد بأي طريقة نظرا لأنه كان يدرك أن الرد سيكون موجعا. ما حدث في القنيطرة يُعد بالتأكيد نقطة تحول في المعركة المفتوحة بين «حزب الله» والكيان الصهيوني، 6 مقاومين في «حزب الله»، من بينهم جهاد مغنية، يسقطون في غارة إسرائيلية استهدفت موكبهم في منطقة القنيطرة السورية، الواقعة ضمن مثلث الحدود المعقدة والملتهبة بين لبنانوفلسطينالمحتلةوسوريا، فهذه مواجهة مباشرة غير مسبوقة على الأرض السورية، بين محور المقاومة وما يمثله، والعدو الاسرائيلي وما يمثله.. من دون وسطاء أو وكلاء،حيث لم تعد مشاركة إسرائيل في الحرب السورية مجرد اتهام أو افتراض، وما جرى في القنيطرة ليس سوى دليل إضافي على الانزياح الطبيعي للصراع الدائر داخل سوريا والذي يشير إلى دعم إسرائيل لقوى المعارضة المسلحة والمتطرفة بهدف القضاء على الجيش السوري. في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل عن استنفار قواتها الأمنية على الحدود وفي ظل حالة التأهب القصوى التي أعلنتها بعد حاث القنيطرة، نجح "حزب الله" اللبناني في نصب كمين لموكب إسرائيلي داخل مزارع شبعا المحتلة، وذلك في إخفاق استخباري وعملياتي من الدرجة الأولى لقيته القيادة العسكرية الإسرائيلية. الجميع كان يراقب وينتظر رد حزب الله، وجاء الرد العملي لمجموعة شهداء القنيطرة باستهداف موكب عسكري إسرائيلي، كان يتألف من عدد من الآليات، ويضم ضباطاً وجنوداً إسرائيليين تم استهدافهم بالأسلحة المناسبة؛ ما أدى إلى تدمير عدد من الأليات العسكرية ووقوع عدة قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين، حيث استطاعت المقاومة من خلال هذه العملية أن تعيد فكرة الرد السريع مرة أخرى باعتباره الخيار الأنسب في مواجهة جرائم الاحتلال. ظهرت نتائج عملية شبعا سريعا، إذا كثر الحديث بعدها عن ضرورة تشكيل "جبهة موحدة" لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يكرر اعتداءاته على الأراضي العربية والفلسطينية بشكل خاص، ويتماشى ذلك أيضًا مع ما أكده الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير، حول "إسقاط قواعد الاشتباك وتفكيك الساحات والميادين"، والعمل بقاعدة أن "الرد على أي خرق أو عدوان إسرائيلي سيكون في أي مكان وأي زمان وكيفما كان". باركت لجان المقاومة في فلسطين العملية ووصفتها ب"النوعية"، مؤكدة أن خيار المقاومة هو الأنجع لردع العدو وأن زمن العدوان بلا رد وردع انتهى، كما باركت "سرايا القدس" العملية ووصفتها ب"البطولية"، وكذلك حركة "حماس" أكدت أنها تبارك هذه العملية وكل عملية مقاومة ضد الاحتلال، أيضاً الجبهة الشعبية رأت أن حزب الله أكد من خلالها صدقيته وقدرته على رد الصاع صاعين، كذلك أشادت فصائل تحالف القوى الفلسطينية بالعملية البطولية، ورأت أنها تمثل أولى خطوات الرد على جرائم الاحتلال. أرسلت الفصائل الفلسطينية في غزة رسالة واضحة، مفادها أن الوحدة بين المقاومة الفلسطينيةواللبنانية في وجه الاحتلال الإسرائيلي باتت ملحة، وهو ما يرسخ لمرحلة قادمة قد تغير من شكل التطورات السياسية والميدانية، فقد أكدت الفصائل دعمها الكامل للمقاومة في لبنان، وحقها في الرد على خروقات الاحتلال داعية إلى رفع مستوى العلاقات بينهما. من جانب آخر وقعت إسرائيل منذ اللحظة الأولى بارتكابها اعتداء القنيطرة في وضع مرتبك جداً رغم اتخاذها قرار التنفيذ في أعلى المستويات العسكرية والسياسية، حيث كانت تؤكد المعلومات أن الرد قادم لا محالة، لكن إسرائيل أرسلت عدة رسائل غير مباشرة لحزب الله بأنها لا تريد التصعيد عن طريق الإعلام ووسائل أخرى، منها زيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني افيجدور ليبرمان إلى موسكو، حيث التقى فيها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وتضمنت الزيارة رسالة لتهدئة الأوضاع على الحدود الشمالية للكيان في محاولة لتفادي رد حزب الله. لم تكلل هذه الرسائل وزيارة "ليبرمان" إلى روسيا بالنجاح ورد حزب الله على الاعتداء بعملية شبعا، ولم يبق أمام الطاقم القيادي المسؤول عن بلورة قرار عملية القنيطرة وتنفيذها سوى محاولة تقديم الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل، على المستويين الدموي والردعي، كما لو أنها كانت ضرورية مقابل «إنجاز» تم تحقيقه، وذلك في محاولة لاحتواء المفاعيل السلبية الداخلية. هذه المهمة تولاها وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون الذي أعلن أن عملية القنيطرة «كانت ضرورية، ولو انتظرنا على جهاد مغنية لنفّذ عمليات نوعية ضد إسرائيل خلال أسابيع»، ولمّح خلال مقابلات تلفزيونية الى أن حزب الله بدأ بإقامة بنية تحتية ضد إسرائيل في الجولان، وكانت «عملية إحباطها ضرورية»، موضحًا أن ما «تم إحباطه في هضبة الجولان، قبل أسبوعين (عملية القنيطرة)، كان بنية تحتية لنشاط استراتيجي يستهدف تنفيذ عملية في الجولان برعاية إيرانوسوريا، مع صواريخ مضادة للدبابات…». نتائج عملية شبعا كانت مؤلمة على الداخل الإسرائيلي، حيث مثلت أرضية خصبة لمنافسي بنيامين نتنياهو من أجل انتقاد سياساته الأمنية والعملانية، خاصة أنها انتهت إلى المس بقدرة الردع الإسرائيلية بدلاً من تعزيزها كما كان يخطط صانع القرار في تل أبيب. بدأت اللعبة بتوظيف الحدث سياسيًا وإعلاميًا والذي يعد أمراً اعتياديًا في الوسط الإسرائيلي حيث تتنافس فيه الأحزاب والشخصيات السياسية البارزة، إذ يحاول كل من المرشحين، اصطياد تعثر هذا الطرف أو ذاك في قضية أمنية هنا، واقتصادية أو سياسية هناك… بهدف تسجيل نقاط لصرفها في صناديق الاقتراع. برغم فشل تحقيق الأهداف المخطط لها من وراء عدوان القنيطرة، واضطرار قادة الكيان الصهيوني إلى الانكفاء وعدم الرد بعمل عسكري مباشر، كان لابد لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" من تسجيل موقف، خاصة أن ساحة الصراع ستبقى مفتوحة إلى أمد غير منظور، وهي أن طهران التي تقف وراء هذا الهجوم، هي نفسها التي تسعى الدول الكبرى لتحقيق اتفاق معها يبقي لديها القدرة على انتاج أسلحة نووية. لم تخل تداعيات ما بعد عملية شبعا من رد لوزير الخارجية الإسرائيلي "أفيجدو ليبرمان"، إذ كان متوقعًا أن يستثمر رئيس حزب إسرائيل بيتنا فرصة الهزيمة للنيل من نتنياهو على خلفية فشل سياسته الأمنية والردعية في مواجهة حزب الله، فكرر ما يشبه الانتقادات التي وجهها إلى رئيس الوزراء خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، مشيراً إلى أن معنى عدم مهاجمة حزب الله هو خضوع ل «قواعد اللعبة» التي أملاها الأخير على الأولى، وأن «من يقول بضرورة احتواء الحادث، في مزارع شبعا، والانتظار يعني أن إسرائيل ستسمح لحزب الله ببناء قوته على الحدود مع سوريا. شدد ليبرمان على أن عملية شبعا «أضرت بشدة بقدرة الردع الإسرائيلية»، وأنه آن الأوان لنزع القفازات في مواجهة حزب الله وفي محاولة للمزايدة على نتنياهو رأى أن "الكلمات لا تحسم بل فقط عبر عمل حازم"، لكن ليبرمان تجاهل حقيقة أن عدم قدرة إسرائيل على الحسم العسكري مع قوى المقاومة باتت حقيقة لدى كافة أو أغلب القادة السياسيين والعسكريين، ولفت "ليبرمان" إلى أن «الرد التناسبي هو بالضبط ما تريده الجهات التي تستهدف إسرائيل، لكونه يجرنا إلى حرب استنزاف ويخلد الصراع». وعلى صعيد ثالث، كان لعملية شبعا تداعيات في مجلس الأمن الدولي حيث عقد اجتماعا بطلب من فرنسا لبحث التطورات بين كيان الاحتلال وحزب الله على الحدود اللبنانيةالفلسطينية، وندد المجلس بمقتل الجندي الإسباني في قوة "اليونيفيل" والذي قضى خلال قصف إسرائيلي على مناطق تواجد قوات "اليونيفيل". أما الولاياتالمتحدة فقط عادت لتمارس إزدواجية المعايير التي أصبحت جزءا من سياستها الخارجية، حيث أدانت الخارجية الأمريكية هجوم حزب الله، فيما دعمت ما أسمته "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وقالت المتحدثة باسم الخارجية، "ندعم إسرائيل ونواصل حث جميع الأطراف على احترام الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان" وأضافت "ندعو جميع الأطراف إلى تفادي أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الوضع"، ومن ناحيته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" إلى "ضبط النفس والهدوء" وحث على "العمل بشكل مسئول من أجل منع وقوع تصعيد في مناخ إقليمي متوتر".