ساعدت ثورة 25 يناير في تحريك المياه الراكدة في دنيا المسرح عبر انتاج عشرات الأعمال التي تناولت الثورة لكن أيا منها لم يصنع علامة بارزة على خشبة المسرح ربما بسبب ما اعتبره نقاد تسرع في تناول الحدث فضلا عن المباشرة والسطحية . وكان إلغاء المهرجانات الخاصة بالمسرح سمة حصاد العام 2011 فضلا عن تراجع “المسرح التجريبي” بعد سنوات من تصدره المشهد وهو نوع من الفن اعتبر متخصصون أن النظام السابق دفع في اتجاه نشره من أجل مزيد من تغريب المواطنين عن واقعهم . ومعروف أن وزير الثقافة السابق فاروق حسني أبدى اهتماما خاصا بالمسرح التجريبي وأغدق في الإنفاق على عروضه، وما أن سقط النظام حتى ألغت وزارة الثقافة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي كان مقررا إقامته في سبتمبر الماضي وذلك للمرة الأولى منذ 22 عاما. وعزت وزارة الثقافة إلغاء المهرجان إلى الحد من النفقات خصوصا وأن موازنة وزارة الثقافة تأثرت بشدة بعد فصل قطاع الآثار عنها وهو ما أثر بشدة على موارد صندوق هيئة التنمية الثقافية ودفع القائمين على الوزراة إلى الحد من أي فعاليات من شأنها تحميل الوزراة تكاليف باهظة مثل مهرجان المسرح التجريبي . لكن ظهرت أصوات معارضة للقرار رأت أن من شأنه تراجع حركة المسرح بشكل عام، إذ اعتبروا أن المسرح التجريبي من شأنه إثراء العمل المسرحي كله لما يقدمه من مواهب جديدة . ويبدو أن إلغاء مهرجان المسرح التجريبي لن يقتصر فقط على العام 2011، إذ جاهرت قيادات في وزارة الثقافة بانتقاد هذا النوع من الفن ودعت إلى إيلاء الاهتمام بالمسرح التقليدي الذي تراجع منذ سنوات لمصلحة العروض التجريبية. لكن إلغاء المهرجانات لم يقف عند حد المسرح التجريبي وطال الأمر المسرح التقليدي أيضا، إذ ألغت وزارة الثقافة الدورة السادسة من المهرجان القومي للمسرح التي كان مقررا عقدها في يوليو الماضي بسبب أحداث المظاهرات والاعتصامات في ذلك الوقت. ورغم انتهاء المركز القومي للمسرح من ترتيبات إقامة المهرجان وتخفيض تكاليفه إلى حد إلغاء الجوائز المالية فيه وكذلك الاقتصار على حفل بسيط للختام توزع فيه الجوائز وإلغاء كل المظاهر الكرنفالية في افتتاح المهرجانات التي عادة ما تتطلب تكاليف باهظة، إلا أن المهرجان أٌلغي قبل افتتاحه بيوم واحد بسبب الأحداث التي شهدها الشارع في هذا الوقت. وأثار ذلك الأمر إحباطا لدى الفرق المسرحية التي ظلت لأشهر تتصارع على التمثيل في المهرجان، خصوصا بعد عدم تحديد موعد جديد لإقامته إثر هدوء الأوضاع، وأعرب مسرحيون عن خشيتهم من إتباع وزارة الثقافة نفس النهج في العام المقبل خصوصا وأنها أقدمت على إلغاء مهرجانات مهمة لا تتعلق بالمسرح مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي من دون أن ترى أي غضاضة في ذلك الأمر ومدى تأثيره على موقع مصر الثقافي في محيطها العربي. ولاقت قرارات وزارة الثقافة بهذا الصدد انتقادات كبيرة خصوصا أن هناك عدد من الدول التي شهدت اضرابات لم تلغ المهرجانات الفنية، ففي تونس أصر القائمون على العمل الثقافي علي إقامة مهرجاناتها الشهيرة ومنها مهرجان “قرطاج” الدولي والمغرب التي تعرضا منذ بداية العام لمظاهرات أصر المسئولون فيها علي إقامة مهرجان “موازين” الغنائي ومن بعده أكثر من مهرجان سينمائي منها “سلا” و “الرباط”، وفي الأردن تم إقامة مهرجان “جرش” رغم الاضطرابات والاعتصامات في الشارع. لكن العام 2011 أبى أن يمر إلا وقد أقيم مهرجان للمسرح، إذ أفلت مهرجان المسرح العربى “ذكى طليمات” من “لعنة الإلغاء” وافتتحت فعاليات دورته 27 ديسمبر بالاحتفاء بمئوية أديب نوبل نجيب محفوظ وذلك بمعهد الفنون المسرحية ، وكرم المهرجان الفنانة إلهام شاهين والفنان رشوان توفيق والكاتب محمد جلال عبد القوى والفنان كريم عبد العزيز، ودفعة عام 1994 من خريجي المعهد . كما حققت مسابقة توفيق الحكيم للتأليف المسرحي قدرا من طموح المسرحيين في ظل الظروف الراهنة إذ أعلن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية نتائج المسابقة التي فازت فيها مسرحية “البحث عن سعيد أبو النجا” من تأليف أحمد حسن البنا بالمركز الأول ، ومسرحية “الجنوبي” من تأليف شاذلي فرح بالمركز الثاني، وفاز بالمركز الثالث مناصفة مسرحية “الغابة في انتظار أسد” تأليف عيسى جمال الدين، ومسرحية “عيون بهية” تأليف بكري عبد الحميد . وعلى صعيد مسرح الدولة نجح البيت الفني للمسرح في إضاءة كل مسارح الدولة معظم الوقت، كما وجه عددا من العروض إلى الاقاليم في محاولة لإنعاش الحركة المسرحية بعد الثورة التي كانت موضوعا لعشرات العروض .. لكن نقادا كثرا رأوا أن غالبية هذه الأعمال لم ترق إلى مستوى الحدث، فضلا عن الانتاج الضعيف بسبب الحد من ميزانية البيت الفني للمسرح وعدم الترويج الجيد لها، وفي المحصلة لم تستطع هذه العروض جب المواطن مرة ثانية إلى المسرح، فهناك مسارح فتحت أبوابها مجانا أمام الجمهور لجذبهم ولكن ظلت القاعات خاوية إلا من صحافيين ومتخصصين وذوي القائمين على العمل. واقتضى عزوف المواطن عن الذهاب إلى المسرح قدوم المسرح إليه إذ تبنت الهيئة العامة لقصورالثقافة مشروعا أسمه “المسرح فى الميدان” الذي تم اقتباس فكرته من مشروع “مسرح الشارع”، ويقوم المشروع على تنقل فرق مسرحية تتعاقد معها الهيئة من أجل تقديم عروضها في الشوارع والميادين الرئيسية في محافظات الجمهورية المختلفة من أجل جذب الجمهور تدريجيا إلى المسرح مجددا. وانطلقت فعاليات “المسرح فى الميدان” من ميدان التحرير ثم انتقلت إلى ميادين المحافظات التى اشتهرت باندلاع الثورة منها مثل ميدان الأربعين بالسويس والقائد إبراهيم بالإسكندرية، ولعل أهم اسهامات المسرح العام الماضي لم تكن فنية لكنها كانت سياسية بالأساس، إذ أصلح المسرح ما أفسدته الرياضة والسياسية في العلاقة بين مصر والجزائر على خلفية مباراة كرة القدم بين منتخبي البلدين في أم درمان بالسودان العام قبل الماضي وما تبعها من تداعيات أثرت بالسلب على العلاقة بين البلدين . وكانت زيارة فريق عمل العرض المسرحي “البروفة الأخيرة” ورئيس البيت الفني للمسرح الجزائر في يونيو الماضي للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح المحترف في الجزائر، بداية لتحسين العلاقة بن البلدين خصوصا في ظل الترحاب الذي لقيه الوفد المصري من جانب المسرحيين والإعلاميين الجزائريين، وأيضا كلمات الثناء والإطراء التي أزال بها الفنانون المصريون غضب الجزائريين من الانتقادات التي وجهت لهم أيام الأزمة . وكانت مشاركة العرض المصري في المهرجان الجزائري الأولى من نوعها منذ عامين بعدما توقفت الأنشطة الفنية والثقافية المتبادلة بين البلدين على خلفية الأزمة السياسية.