زيارتان للرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال أسبوع واحد، أثارتا جدلا واسعا، فبينما رآهما البعض اقتحاما لحصون مشكلات تؤرق المجتمع وتهدد تماسكه، رأى آخرون أنهما لم تأتيا بجديد، ولم تتعديا مجرد زيارات، يهدف بها الحفاظ على شعبيته التي بدأت تهتز مع كل قرار اقتصادي تتخذه الحكومة، وكان آخرها إلغاء الدعم عن القطن، والتصريحات الخاصة بعزم الحكومة رفع سعر تذكرة المترو. الزيارة الأولي، طالب فيها السيسي بثورة دينية، على النصوص والمفاهيم الخطأ التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية التي وصفها بأنها تُعادي العالم كله، واعتقد أن السيسي أعطي المتشددين فرصة للتزيد عليه، لأنه لم يستخدم الألفاظ في موقعها الصحيح. ففي الإسلام، لا يطلق النص سوى، على القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وربما كان يقصد السيسي بالنصوص، الاجتهادات البشرية التي تدعو للتشدد أو تبرر الإرهاب، وهو هنا أخطا في استخدام اللفظ، ولا مجال للرئيس أن يخطئ في مثل هذه الكلمات في مثل هذه القضية، في مثل هذه الظروف. الأمر الثاني، أن الأزهر، ومناهجه التعليمية، وخريجيه، يعدون جزءا من الأزمة، بل هو يحتاج إلى علاج، وكلنا نعلم كم المناهج التعليمية في الأزهر التي تخرج "دواعش" بالفكر مؤهلين للانضمام ل "داعش" أو تنظيمات مماثلة في المستقبل، وبالتالي علاج الأزمة، يحتاج لنظرة للأزهر باعتباره جزءا من الأزمة، حتى يصبح في المستقبل جزءا من الحل. أما الزيارة التي وصفها الإعلام بالأولي للكاتدرائية، في العباسية، لتقديم التهنئة في قداس عيد الميلاد، فحملت كثيرا من الأمور، الأول أن الرئيس السابق المؤقت عدلي منصور ذهب وقدم التهنئة في قداس عيد الميلاد أثناء فترة حكمه، وتجاهل الإعلام هذه الزيارة ليصف "السيسي" بأول رئيس في تاريخ مصر يحضر قداس عيد الميلاد، كما تناسي الإعلام أن الكاتدرائية شيدت في عهد الزعيم جمال عبد الناصر. الأمر الثاني، أن رجال الدين يعودون للسياسة وإن لم يكن قد ابتعدوا عنها من الأساس، ليس من باب "داعش وأخواتها" أو جماعات الإسلام السياسي، لكن من باب آخر وهو باب الشيوخ والباباوات، فقد خرج الأنبا بولا بتصريح غريب، يؤكد فيه أنه رأى المسيح في الكاتدرائية عندما دخل السيسي إليها، وسواء كانت الزيارة الذكية تهدف إلى الحفاظ على تأييد الأقباط من عدمه، فإنها لم تأت سوى بكلمات تتعلق بالحب وقدرة المصريين على تصدير الإنسانية والحضارة للعالم، ولم تقدم حلولا حقيقية للأزمة المتفجرة في المجتمع المصري، التي تتعلق بالمواطنة، والمساواة، في وقت مازال دم مينا دانيال ورفاقه في حوادث ماسبيرو وغيرها، يبحث عن القصاص من قاتله. فالحب وحده لا يكفي لحل، فنحتاج لخطط، ورؤى، وقوانين، ومواجهة شاملة واقتحام حقيقي لكل مشكلات المجتمع.