تزامنت زيارة رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" إلى القاهرة مع عدة تغيرات تشهدها منطقة الشرق الأوسط، حيث تأتي الزيارة ضمن محاولات الرئيس العراقي "فؤاد معصوم" لتصحيح أخطاء الماضي، وذلك عبر توجه حكومي لفتح صفحة جديدة في علاقات العراق مع محيطه الإقليمي والعربي بعد علاقات اتسم البعض منها بالتشنج والبرود، في زمن الحكومة السابقة التي ترأسها "نوري المالكي"، والتي أدت إلى عزلة العراق عن باقي الدول العربية. شهدت العلاقات العراقية المصرية فتوراً واضحاً طيلة السنوات الماضية، التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس 2003، وأُلقي باللوم فيها على رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، وسط اتهامات مصرية مبطنة بتهاون بغداد في توفير الحماية للسفير المصري السابق لديها "إيهاب الشريف"، الذي اغتيل في بغداد منتصف عام 2005، وتدهورت العلاقات، بعد اغتيال رجل الدين الشيعي "حسن شحاته"، واتهام المالكي للقاهرة ب"التهاون في حمايته"، ولوّحت بغداد بقطع العلاقات مع القاهرة، أيام حكم الرئيس المعزول "محمد مرسي". جاءت زيارة "العبادي" كمرحلة تصاعدية في العلاقات الايجابية بين البلدين، سبقتها زيارة وزير الخارجية "سامح شكري" لبغداد في 17 ديسمبر الماضي، حيث التقى عددًا من المسؤولين العراقيين لتنسيق المواقف الإقليمية من الحرب على الإرهاب والتأكيد على دعم العراق في معركته ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، ويرافق "العبادي" في زيارته وزراء الدفاع والإعمار والإسكان والنفط والثقافة ومستشار الأمن الوطني. شدد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" على السياسة المصرية الداعمة للعراق ووقوف مصر معه في حربه ضد الإرهاب واستعدادها لتقديم أي شكل من أشكال الدعم والمساعدة للعراق، وفي جميع المجالات والتنسيق المشترك معه في القضايا، التي تهم البلدين، مؤكدًا أن أمن مصر هو أمن مشترك مع العراق. من جانبه أكد رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" على أهمية العلاقات بين العراق ومصر، مستعرضًا التطورات السياسية والأمنية الجارية في العراق والتحديات التي يواجهها العراق ومواجهة العراقيين جميعًا لعصابات "داعش" الإرهابية بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والقومية، وأشار إلى الانتصارات التي تحققها القوات العراقية بكل صنوفها وتشكيلاتها، مشددًا على أن الحكومة العراقية عازمة على تحرير جميع الأراضي التي تحتلها عصابات "داعش"، وأكد "العبادي" على ضرورة حشد دعم دولي وتوحيد جميع القوى العالمية لمواجهة الإرهاب، الذي يعصف بالمنطقة والعالم، لأن الإرهاب يهدد المجتمع الدولي برمته ولا يقتصر تأثيره على دولة أو إقليم. ذكر أحد أعضاء الفريق الدبلوماسي المرافق ل"العبادي"، أن "السيسي وافق على المشاركة في التحالف الدولي بدور ثانوي، وليس مباشراً، واعتذر عن عدم مشاركة قوات مصرية جوية أو برية بالحرب في العراق ضد داعش، لكنه وعد بدعم استخباري وتزويد الجيش العراقي بالذخيرة والسلاح الخفيف والمتوسط"، ولفت إلى أن "العبادي أطلع السيسي على مجريات الحرب بالعراق وجهود التحالف الدولي في هذا الإطار". عقد رئيس الوزراء العراقي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره "إبراهيم محلب"، أكد "العبادي" خلاله أن الحوار مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" كان واضحًا وتناول التعاون بين البلدين، وأن الرئيس أبدى تفهمه الواضح لما يحدث بالمنطقة، وقال "وجدت في لقائي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لقاءً جديًا وبناءً وواضحًا"، وأضاف أن الشعبين المصري والعراقي يعانيان من الإرهاب والفكر المتطرف الذي يحاول أن يقضي على الأمن والأمان بالبلدين، ويزرع الدمار في الأمة، وهو ما يتطلب التعاون لمواجهة هذا الفكر. وأشار "العبادي" إلى أنه بحث مع "محلب" ضرورة التعاون والتنسيق بين الأزهر ومرجعية النجف باعتبارهما مؤسستين دينيتين، باعتبارهما راعيتي الفكر المعتدل ضد الفكر التطرفي الاستئصالي، كذلك التقى "العبادي" شيخ الأزهر "أحمد الطيب". وعن أنبوب النفط والغاز العراقي إلى مصر عبر الأردن، أشار "العبادي" إلى أن العزم أكيد على إنجازه لكن الظروف الأمنية في المناطق العراقية التي يمر بها قد أجل المشروع في الوقت الراهن، كما شدَّد "محلب" على الاستعداد لمساهمة الشركات المصرية في إنجاز مشاريع الطاقة والنفط والمستشفيات في العراق، وأوضح أن وزير البترول المهندس "شريف إسماعيل"، سيلتقي نظيره العراقي "عادل عبد المهدي" لمناقشة ما يتعلق باتفاقيات الغاز والإجراءات اللازمة للاتفاقيات التي كانت متواجدة بالفعل. زار "العبادي" منذ توليه لمنصبه في يوليو الماضي عدد من الدول العربية والإقليمية، وذلك لبحث ملفات كثيرة يتصدرها الملفان الأمني والاقتصادي، كان آخرها زيارة رسمية قام بها إلى العاصمة التركية أنقرة في 25 ديسمبر 2014، حيث التقى خلالها كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".