شهدت البلاد خلال العام المنصرم العديد من الأحداث والصراعات السياسية، مرت مصر بأحداث هامة ومتسارعة، من أهمها الاستفتاء على الدستور، والانتخابات الرئاسية والتي افرزت عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد، وإصداره وحكومته لعدة قوانين ضد مبادئ الثورة التي نادى بها الثوار، ومنها قانون قمع التظاهر ورفع الدعم وزيادة شرائح استهلاك فواتير الغاز والكهرباء والمياه على المواطن. كل تلك الأحداث ساهمت في توتر الوضع السياسي والاقتصادي بالبلاد خلال العام الماضي. وفي حين توقع الكثيرون تحسن الوضع خلال العام الحالي والفترة المقبلة، تخوف البعض الآخر من تدهور الأوضاع في حال إبقاء النظام والسلطة على الأساليب التقليدية المستخدمة، سواء في التعامل مع المواطن البسيط والذي تتوقع منه أن يصبر ويصمت عما يتعرض له في مقابل وعده بتحسن الأحوال قريباً، وتقييد الحريات للمنظمات المدنية والقوي الثورية بحجة محاربة الإرهاب وضرورة تقبلها للأمر، وإلا فإنها تصبح في خانة العملاء والساعين لتدمير الدولة. ويرى خبراء سياسيون أن الوضع الحالي في مصر ربما يتحسن تدريجيًّا، ولكن في بطء شديد، وأن الحكومة المصرية تراهن على شعبية السيسي في عدم نشوب صراعات إعلامية وحزبية ضد النظام والحكومة. وفي المقابل فإن المواطن البسيط الذي يتحمل العبء الأكبر من القرارات الأخيرة وتوابعها ينتظر ليرى نتيجة لتلك التضحيات خلال الفترة الأخيرة، مشددين على أنه في حال بقاء الوضع كما هو، قد ينتج عن ذلك موجة ثورية جديدة، ربما لا تكون بنفس مواصفات سابقيها، ولكنها تلك المرة ستكون مختلفة وقوية، ولن تبقي على أحد. يقول مدحت الزاهد، القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن هناك أزمة تتجمع في الأفق القريب للحياة السياسية، أساسها معركة الإرهاب، ولكن في باطنها تقييد الحريات، بالإضافة إلى قضية التنمية وتحييدها بجذب الاستثمارات الأجنبية فقط دون الارتكاز على مفهوم العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد أو إعادة توزيع الثورة بصورة عادلة على المواطنين، مشيراً إلى موافقته على جذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن في إطار خطة قومية موضوعة من قِبَل الحكومة لخدمة الاقتصاد المصري والمواطن البسيط. وأضاف الزاهد أن "سياسات النظام الحالي في انحياز مستمر لصالح الأغنياء والقوى التقليدية المهيمنة منذ عصر مبارك"، لافتاً إلى أن القوانين التي صدرت خلال الفترة الماضية خير دليل على ذلك، مثل قانون تحصين العقود الذي أصدره المستشار عدلي منصور خلال فترة ولايته المؤقتة، وهو يعد حماية لعمليات الخصخصة من الملاحقة القانونية، الأمر الذي سيولد مصادمات عديدة، بالإضافة إلى تعرض القانون للطعن بعدم دستوريته خلال الفترة المقبلة، كما أن قرار رفع الدعم والذي لم يجرؤ سابقوه على اتخاذه، جاء على حساب المواطن الفقير، وحمله أعباء إضافية إلى جانب زيادة شريحة استهلاك فواتير الكهرباء والغاز والمياه، على الرغم من ان المصانع المملوكة لكبار رجال الأعمال يتم محاسبتها وفقاً للاسعار المدعمة في الكهرباء والغاز، الأمر الذي يثير حيرة الشخص حول من يحتاج الدعم ومن يحصل عليه في الدولة. وتابع أن "الدولة تراهن على جذب استثمارات أجنبية خلال الفترة القليلة المقبلة عن طريق تشجيع المستثمر وتقديم الدعم الكامل له من الدولة واقتطاع ذلك من المواطن البسيط، الذي يجب أن يصبر حتى يعود ذلك عليه بعد سنوات قليلة بالعائد الاقتصادي الكبير وفقاً لمخططاتهم أو أمانيهم"، مشيراً إلى أن ذلك كان من الممكن قبوله في حال شعور المواطن أن الدولة تسعى لحماية مصالحه حقًّا، وأنه هو الشاغل الأكبر للحكومة، ولكن ما شاهده المواطن خلال الفترة القليلة الماضية يثبت عكس ذلك تماماً. وأشار مدحت الزاهد إلى أن الوضع الراهن سيسمح بتولي القوى الموالية للنظام الحالي والأسبق قيادة الدولة عن طريق الانتخابات البرلمانية، والتي تم وضع قانونها لصالح تلك القوى، منوهاً أن الانتخابات بطريقة القائمة المطلقة ستنتج برلمانًا مشوهًا، ولن تسمح بالتمثيل الكامل للشعب كما حدث من قبل، عندما تم الأخذ بطريقة التمثيل النسبي، مشدداً على أن التحالفات الموجودة على الساحة السياسية تجمع بين رجال ليس لديهم اتفاق فكري أو منهجي، ولكنهم تحالفوا فقط من أجل النجاح بالبرلمان؛ ما يعني أنها مجرد صفقة مصالح ليس أكثر. وأكد القائم بأعمال التحالف الاشتراكي الثوري أنه في حال بقاء الوضع كما هو واستمرار النظام في اتباع أساليبه الممنهجة لخدمة قطاع معين، فإن ذلك سينتج موجة ثورية قادمة، ولكنها قد تكون مختلفة عن سابقيها في كونها ستبدأ من العاملين، والإضرابات العمالية المتزايدة خلال الفترة القليلة الماضية خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى حالة الغضب الشديدة المتوفرة لدى قطاع الشباب، مشددًا على أنها ستشق طريقها ضد الجميع، ولن تبقي على أحد. وقال أمين إسكندر، القيادي بحزب الكرامة، إن الوضع السياسي بمصر حاليًّا غير مستقر؛ نتيجة لعدم وجود رؤية كاملة وواضحة من جانب النظام لتطبيقها خلال الفترة الماضية أو المقبلة، فهناك خطوات للتنمية ولكنها بطيئة للغاية وقليلة، مشيراً إلى أنه يفترض بمشروع قناة السويس أن يكون جزءاً من خطة التنمية لا أن يكون هو الخطة كاملة. وأضاف إسكندر أن السيسي يعمل بالقطعة، ويتصرف كأنه ما زال رئيسًا للمخابرات الحربية وليس لكل المصريين، الأمر الذي أدى إلى حالة التخبط السياسي التي تشهدها البلاد، لافتاً إلى ضرورة اتخاذه لخطة واضحة المعالم لإزاحة الحاجز الضبابي المتواجد بالشارع المصري. أما من جانب تعامله مع القوى السياسية وعدم اجتماعه بهم حتى الآن، ثم إصداره لقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، فذلك يوحي لتلك القوى بالتجاهل من جانب مؤسسة الرئاسة، خاصة في ظل دعم الإعلام المستمر ومهاجمته لكافة الأحزاب والقوى؛ بدعوى عدم وجود أرضية لها بالشارع المصري. وأكد القيادي بالكرامة أن النظام الحالي ينتهج نفس سياسات مبارك اقتصاديًّا وسياسيًّا؛ مما سيساهم في زيادة الإحساس بالاحتقان لدى المواطنين البسطاء بالانحياز الحالي لفئة رجال الأعمال على حساب المواطنين والقوى التي ساندت السيسي في 30 يونيو، مشددًا على أن البرلمان المقبل سيكون مجرد واجهة للنظام، ولن يأتي بجديد، الأمر الذي قد يؤدي إلى صدام الشعب مع النظام.