جاء أول قرار خاص بالفلاحين في بداية العام صادمًا ومخالفًا لكل توقعات فلاحي مصر، عندما أعلن الدكتور عادل البلتاجى وزير الزراعة واستصلاح الأراضى عن تراجع الدولة عن تقديم أي دعم لزراعة القطن أو تسويقه الموسم الحالى، وألقى مسئولية تسويق المحصول على عاتق الفلاح بمفرده، قائلاً "إنه يجب على الفلاح أن يعرف كيف يسوق محصوله بدون تدخل الدولة"، معللاً ذلك بضعف الإقبال على الأقطان طويلة التيلة عالميًّا. من جانبه أكد الدكتور نادر نور الدين الخبير الزراعي أن القرار خاطئ تمامًا، وعندما قام وزير الزراعة باقتراح هذا الأمر على مجلس الوزراء،فإنه بهذا قد ارتكب جريمة في حق الفلاح، فالدولة تفرض على الفلاح الصنف الذي يزرعه دون اختيار منه أو إرادة لرفضه، وتبيع له التقاوي إجباريًّا، ولا يستطيع أن يشتريها من غيرها، ولا يحق له زراعة الصنف الذي يحتاجة السوق المصري ويجبر على زراعة الصنف الذي تريده وزارة الزراعة بالتقاوي التي تجبره عليها الوزارة وبسعر الإذعان، بما يعني أن هذا المحصول هو محصول الدولة وليس محصول الفلاح. فما دامت الدولة تفرض كل شيء على الفلاح في القطن، فهذا يعني أن المحصول يخص الدولة، وهي المسئولة عن شرائه وتسويقه، ولكن عند هذا الحد تتهرب وزارة الزراعة من مسئوليتها، وتدعي أنها وزارة إنتاج، وليست وزارة تسويق ولا شراء، وما دام الأمر كذلك، فاتركوا الفلاح يزرع الصنف الذي يريده، ويشتري التقاوي من القطاع الخاص، ويبيع للمصانع والمحالج التي تتعاقد معه. وأوضح نور الدين أنه منذ أربع سنوات ومعاناة مزارعي القطن في زيادة مستمرة، ولا تبدو لها نهاية، فاستراتيجية وزارة الزراعة الخاصة بمحصول القطن غائبة، والفلاح حائر في زراعة العروة الصيفية بمحاصيلها القليلة "الأرز – الذرة – القطن"، فالأرز تقيد الدولة زراعته، وتفرض الغرامات الكبيرة على المخالفين، على الرغم من أن أغلب المزارعين يزرعونه على مياه المصارف الزراعية التي لا تكلف الدولة مياهًا إضافية؛ لأنه محصول متحمل لملوحة التربة ومياه المصارف، والذرة البيضاء لا يشتريها أحد، ويقصرها الفلاح على زراعة "الدراوة" فقط؛ للحصول على العلف الأخضر صيفًا بعد انقطاع البرسيم؛ لإطعام مواشيه، والدولة غير قادرة على إقامة صوامع لتخزين الذرة الصفراء حتى يتحول الفلاح لزراعتها، ومعها القليل من المجففات التي تمنع تعطن الحبوب. وقال الخبير الزراعي إن المشكلة الأكبر تكمن في عدم وضوح استراتجية الزراعة عما إذا كانت خاصة بتلبية طلب السوق المحلي وقلاع النسيج المصرية الأقدم في العالم وزراعة القطن قصير التيلة الذي يناسب طلب هذه المصانع، أم أن الاستراتجية تتعلق بتلبية طلبات الأسواق الخارجية باستيراد الأقطان المصرية الطويلة والفائقة الطول، وبالتالي تكون الاستراتجية خاطئة حين نفضل أن نزرع لغيرنا وليس لشعبنا ولا لمصانعنا ولا لأسواقنا. وما دام الطلب على استيراد الخارج للأقطان الطويلة والفائقة غير مطلوب وفي تراجع مستمر، فلماذا نزرعه؟ ولمن نزرعه؟ هل لأننا مدمنون للخسارة وللتخطيط السيئ؟ وأي أصناف؟ وأي ميزة نسبية نخشى أن نفقدها، والعالم يعيش في زمن المصالح بينما نعيش نحن في زمن الخسارة وسوء التخطيط؟ وللأسف حتى الدعاية لمنتجنا النادر من القطن والذي لا يمثل أكثر من 3% من الإنتاج العالمي لا نجيدها، فلا نحن حوّلنا بعض مصانعنا لإنتاج المنسوجات الراقية التي تتعامل مع القطن الطويل والفائق، سواء للأسواق المحلية أو العربية أو للتعاقد مع بيوت الأزياء العالمية، ولا تعاقدنا مع فنادق السبع والخمس نجوم والمنتجعات السياحية العالمية لتقديم مفروشات الغرف الفندقية المصنعة من القطن المصري الخالص على سبيل الدعاية للمرة الأولى من أجل إغرائهم بالتعاقدات المستقبلية على هذه النوعية. مشيرًا إلى أن التمسك بإنتاج نوع واحد فقط من القطن يجعلنا غير قادرين على المنافسة الإقليمية أو العالمية؛ بسبب التكاليف الزائدة على المستورد من نقل بحري وتفريغ في المواني والنقل الداخلي، وبالتالي سمحنا للمنسوجات الآسيوية أن تجتاح المنطقة العربية من الجلباب والمفروشات المنزلية، بينما يصنع غيرنا الجلباب والدشداشة الخليجيين من الأقطان المصرية الفاخرة لتباع بنحو 200 يورو للقطعة الواحدة، ونحن الأقرب والأولى بهذه الصناعات لو توافرت النظرة والرؤية الصحيحة للنهوض بالمنتجات المصرية. لافتًا إلى سياسة الجزر المنعزلة لوزارة الزراعة وعدم تكامل الرؤى لوزارات أخرى كالصناعة والتجارة الخارجية والاستثمار لنشر اسم مصر ومنتجاتها الراقية في ربوع العالم، بل وسمحنا لمنتجات البعض أن تحتل وتسيطر على أسواقنا الداخلية، وتحصل على أموال 90 مليون مصري من منتجات ومنسوجات رديئة، ولكنها رخيصة، فلا رقابة ولا حماية ولا رغبة حقيقية في النهوض بمصر لصالح شعبها. من جانبه استغاث فريد واصل نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين برئيس الجمهورية للتراجع الفوري عن هذا القرار قبل بداية موسم زراعة القطن، والذي سبدأ خلال إبريل القادم؛ لما سيتسبب فيه من القضاء على زراعة القطن في مصر، فمنذ عدة سنوات بدأ الفلاح في الابتعاد عن زراعته لصعوبة تسويقة وتكدسه بمنازلهم حتى بداية الموسم التالي، كل هذا يحدث في ظل دعم الدولة لزراعته وتسويقه، فما الحال بعد إعلان وزير الزراعة إخلاء الدولة مسئوليتها عن تسويقه؟ وهو ما يعنب أن زراعات القطن مستبعدة من خطة المليون فدان التي سيتم استصلاحها. وأوضح واصل أن هذا القرار يعد تحديًا صريحًا للشعب والدستور، والذي يحتوى على مادة تنص على الحفاظ على الأصناف المصرية، ففي الوقت الذي أمر فيه رئيس الوزراء بتشكيل لجنة من وزراء الزراعة والصناعة والتجارة الخارجية والاستثمار لتطوير صناعة النسيج وتطوير مصانع الغزل والنسيج التابعة للقطاع العام، والتي تحتوي على ماكينات لا تعمل سوى على الأقطان طويلة التيلة، يأتي هذا القرار ليتم إغلاق هذه المصانع أو استبدال الماكينات بأخرى تعمل بأقطان قصيرة التيلة. وأكد نقيب الفلاحين أن هناك دولاً كثيرة تقوم بزراعة الأقطان قصيرة التيلة، وتفوقنا في حجم الإنتاج، وأسعارها لا يمكننا منافستها، ولذلك فإنه من غير المعقول أن نحارب زراعة الأقطان المصرية فائقة الطول، والتي تتميز مصر بزراعتها دون منافس، وهذا معترف به دوليًّا ومتحف القطن المصري المتواجد بالمتحف الزراعي أكبر شاهد على ذلك، لقدوم باحثين من شتى بقاع الأرض للتعرف على تاريخ القطن المصري، وإجراء أبحاث عليه؛ للوقوف على جودته ومتانته التي يتميز بها.