مرت عدة أعوام على التدخل الأمريكي والأطلسي في أفغانستان دون تحقيق أيا من الأهداف التي أعلنت أمريكا و"الناتو" عنها قبيل بأفغانستان، بل إزداد الأمر سوءاً، فالاضطراب الأمني يتزايد، وطالبان تنتشر على الأرض، والهجمات الإرهابية تتصاعد، وجنود الناتو يتساقطون بجانب أهالي أفغانستان بين قتلى وجرحى، ليجد الناتو نفسه أمام طريق مسدود يجبره على الانسحاب وترك الفوضى تعم البلاد. أنشأت قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان "إيساف"، بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان نطاقها الجغرافي العاصمة الأفغانية كابل والمناطق المحيطة بها عام 2001، وفي عام 2004 انضمت قوات "إيساف" إلى حلف الناتو، وبحلول 23 يوليو 2009 كان لقوات "إيساف" قرابة 64.500 جندي من 42 دولة مختلفة مع إمدادات مستمرة من الناتو، وتشارك دول "بلجيكا، بلغاريا، الدنمارك، كندا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، اسبانيا، تركيا، أيرلندا، بولندا، البرتغال، أستراليا، نيوزيلندا، سنغافورة، أذربيجان"، بالإضافة إلى معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. في البداية كانت مهمة هذه القوات تنحصر في مساعدة الشرطة والجيش الأفغاني على توفير الأمن في كابل ومحيطها، وذلك لإتاحة المجال لإنشاء إدارة انتقالية أفغانية برئاسة "حامد كرزاي"، لكن في أكتوبر 2003 سمح مجلس الأمن الدولي بتوسيع مهمة "ايساف"، ليمتد إلى جميع أنحاء أفغانستان، وحينها وسعت قوة "ايساف" مهماتها وتقسيمها على أربع مراحل رئيسية على كامل الأرض الأفغانية. كان عدد قوات الناتو في البداية محدوداً، وكان مقدراً لها أن تقوم بدور في الإعمار وليس القتال، ولكنها تورطت شيئاً فشيئاً في القتال بمساعدة أمريكية، ولم تعد قادرة على حسم المعركة لصالحها ولا الانسحاب الآمن من هناك، ومع مرور السنوات شهد عدد قوات حلف الناتو تزايداً كبيراً، لم تحقق الحرب النجاح المتوقع والمطلوب، ولم يتم تحقيق الهدف الأهم بتدمير أو تقييد تحركات تنظيم القاعدة، ومنذ ذلك الوقت تشهد أفغانستان استقرارا معدوما وهجمات متزايدة من حركات التمرد بقيادة طالبان، وانتشر في أفغانستان تجارة وترويج المخدرات بشكل كبير، فأرادت أمريكا أن تنسحب من هذه الحرب بعد إعلانها فشل "أوباما" في مهمته بأفغانستان، لتترك الناتو وحيداً هناك، لكن بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية، وفوز "أشرف غني" قرر البرلمان الأفغاني أن يوقع على اتفاق يجيز إبقاء حوالي 12500 جندي أجنبي في أفغانستان بعد انسحاب القسم الأكبر من قوات الحلف الأطلسي نهاية ديسمبر الحالي. نظّم حلف شمال الأطلسي أمس احتفالا وداعياً في كابول بمناسبة انسحابه من أفغانستان بعد احتلال عسكري امتد 13 عاماً، ولم يعلن الحلف عن تفاصيل هذا الاحتفال إلا في اللحظة الأخيرة خوفاً من وقوع هجمات لحركة طالبان. اعتباراً من 1 يناير ستحل بعثة "الدعم الثابت" لمساعدة وتأهيل الجيش الأفغاني، محل قوة "ايساف" التي خسرت 3485 عسكريًا منذ 2001، وسيبقى 12 ألفا و500 جندي أجنبي في أفغانستان تحت عنوان "مساعدة القوات الأمنية الأفغانية"، كما سيتم تخفيض عدد القوات الأمريكية تدريجياً إلى النصف حتى نهاية 2015، وفي نهاية 2016 ستقتصر على قوة صغيرة لحماية السفارة في كابول. حكومات الدول المشاركة في قوات الناتو وجدت نفسها في مأزق أمام شعوبها، خاصة مع تزايد المطالبات بسحب تلك القوات يوماً بعد الآخر، ففي كنداوألمانيا والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا ترتفع الصيحات العلنية داخل البرلمانات وخارجها، تطالب بوضع حد لتلك الحرب والانسحاب من هناك، لأنها أصبحت بلا جدوى.