تنوع إنتاجه الأدبي بين الرواية والمسرحية الشعرية والنثرية، وشارك نجيب محفوظ جائزة الدولة التقديرية الأولى "مناصفة"، وكان الموسم المسرحي في مصر يفتتح سنوياً بمسرحيته «مسمار جحا»، التي تنبأ فيها باحتلال فلسطين، كان رائداً عبقرياً فذاً. علي أحمد باكثير، الذي تمر اليوم ذكرى ميلاده، أشتهر بأعماله الروائية، ومنها: «وا إسلاماه، الثائر الأحمر»، ومن أشهر أعماله المسرحية «سر الحاكم بأمر الله، سر شهر زاد» التي ترجمت إلى الفرنسية، و«مأساة أوديب» التي ترجمت إلى الإنجليزية، كما كتب باكثير العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد، وكان ينشرها في الصحف والمجلات السائدة آنذاك، وأصدر منها في حياته ثلاث مجموعات وما زالت البقية لم تنشر في كتاب حتى الآن. أما شعره فلم ينشر أي ديوان في حياته، وتوفي وشعره إما مخطوط أو متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشره فيها، وأصدر الدكتور محمد أبو بكر حميد عام 1987 ديوان باكثير الأول «أزهار الربى في أشعار الصبا»، يحوي القصائد التي نظمها «باكثير» في حضرموت قبل رحيله عنها، ثم صدر ديوانه الثاني «سحر عدن وفخر اليمن» عن مكتبة كنوز المعرفة بجدة. «رفقاً بحبَّاتِ القلوبِ تسومُها سوءَ العذابِ وما جنت أوزارا ألأنَّها تهفو لحسنك كلَّما لمحته أو هجست به تذكارا يا لائمَ الأوتار في إرنانها مهلاً، بنانُك تضربُ الأوتارا» قال عنه الدكتور محمد أبو بكر حميد: ظلت حياة أديب العربية مجهولة لم يُعرف عنها شيء إلا بعد وفاته، فقد عاش زاهدًا في الأضواء، قليل الكلام عن نفسه، تاركًا أعماله وحدها تتحدث عنه، ولم يعرف عنه إلا أنه ولد في إندونيسيا لأبوين عربيين من حضرموت ثم غادرها سنة 1932 بعد فجيعته بوفاة زوجته الشابة التي ظل يبكيها طوال عمره، حيث أقام عامًا في عدن وعامًا آخر في الحجاز، ثم هاجر نهائيًا إلى مصر سنة 1934، ودرس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول، وتخرج منها سنة 1939. لمع نجمه في مصر في هذه الفترة ونسبت إليه ريادة الشعر الحر بعد ترجمته لمسرحية روميو وجولييت سنة 1936، ثم تصدرت أعماله المواسم المسرحية في مصر منذ منتصف الأربعينيات وأصبح علمًا من أعلام الأدب العربي المسرحي، وظهر بعد رواية (وا إسلاماه) و(الثائر الأحمر) رائدًا للاتجاه الإسلامي في الرواية التاريخية العربية. «من الملأ العلوي من عالم الخلدِ أهل عليكم بالتحيات والحمد تقحمتُ حُجب الغيب حتى أتيتكم لأجزيكم عن بعض إحسانكم عندي قطعتُ حدود (الأين) في متطاولٍ من اللوح يفنى البعد فيه من البعد كأن الفضاء اللانهائي سائرٌ على كرةٍ لا حد فيها سوى حدي» يحكي حميد: لم يكن في حضرموت في ذلك الوقت أي نوع من المدارس النظامية، وإنما كان التلاميذ يتلقون علم مبادىء القراءة والكتابة في الكتاتيب ثم يتلقون الدروس المتقدمة في اللغة والعلوم العربية والفقهية على أيدي مشايخ يلزمونهم حتى يتموا معهم قراءة مجموعة من كتب النحو والفقه وحفظ بعض المتون. كان من حظ الفتى علي أحمد باكثير أن افتتحت سنة 1339ه، أول مدرسة في مدينة سيئون بجهود الأهالي وذلك بعد وصوله من سورا بايا بسنة واحدة، وكان والده واحدًا من ثلاثة كانوا في مقدمة مؤسسي هذه المدرسة وأصحاب اليد الطولى في بنائها معنويًا وماديًا، والاثنان الآخران هما سقاف بن محمد بن عبد الرحمن السقاف وأبو بكر بن طه بن عبد القادر السقاف، وقد سميت هذه المدرسة باسم "مدرسة النهضة العلمية". انتظم باكثير في الدراسة بهذه المدرسة لمدة أربع سنوات وختم دراسته بها حوالي سنة 1342ه وقد كان فيها من المتقدمين، وشهد له من التقيت به في حضرموت من رفاق دراسة الصبا بالنبوغ، فقد كان على قلة التزامه أكثرهم تفوقًا وفهمًا. وقد روى لي أخوه الأستاذ عمر أن عليًا كان إذا غاب مرة عن دروس العلوم المستعصية يسأل الزملاء عن موضوع الدرس فيطلع عليه في مظانه ثم يعود في اليوم التالي إلى المدرسة وقد نظم تلك المعاني شعراً فيُسهِّل على التلاميذ حفظه. في وقت لاحق استقدمت أسرة آل الكاف الثرية في حضرموت أستاذًا مصريًا هو "محمد بن منصور وفا" لتدريس بعض العلوم ومنها علم المنطق، فكان يلقي دروسه في الصيف في منطقة القرن إحدى ضواحي مدينة سيئون الخلوية، فلم يكن باكثير ينتظم في حضورها وكان الأستاذ يأتي بأمثلة في علم المنطق لا يستطيع التلاميذ فهمها، ناهيك عن حفظها، فعلم باكثير بمضمونها من زملائه فنظمها شعرًا وأتى فيها بأمثلة جديدة مبتكرة اعترف المدرس بأنها لم تخطر له ببال، وما يؤكد صحة هذه القصة أننا وجدنا بين أوراقه في مصر رسالة من هذا المدرس بتاريخ 14 صفر 1347ه، يحييه فيها ويبدي إعجابه بنبوغه ويقول له: ".. وإني لأشم من عرف كتابك عبير الفضل وطيب العبقرية وسمات الأريحية"، ثم يذكر له أنه يسعد بنظمه تلك الدروس التي لم يحضرها، واعتبر إتقان النظم في هذا الفن شاهدًا بأن الناظم قد ملك زمام الفن يتصرف فيه كيف يشاء، ويبدو أن هذه الرسالة كانت موضع اعتزاز كبير لدى باكثير فقد حملها معه من حضرموت وعبر بها عدن والحجاز إلى مصر، ولا عجب في ذلك فقد كانت من أولى شهادات التقدير التي حصل عليها في باكر حياته. ويعطينا عمه العلامة الشيخ محمد بن محمد باكثير في كتابه المخطوط "البنان المشير في فضلاء آل باكثير"، فكرة أوضح عن دراسة أديبنا في هذه المرحلة الباكرة فيقول معددًا أولاد أخيه "الولد الثالث علي بن أحمد نبيل نبيه ذو فهم جيد بارع، خرج به أبوه من جاوة وهو دون البلوغ، قرأ القرآن وحفظ منه ما شاء الله وصار من أهل القسم الأعلى من المدرسة المسماة "النهضة العلمية"، وترقى فيها وعُدَّ نبيهًا وحفظ المتون مثل الألفية والزبد والجوهرة وغيرها من متون التجويد، كما حفظ اللامية لابن مالك وقرأ في شرحها على عمه جميع هذه الكتب وحضر الدروس وهرع إلى القاموس وحفظ من اللغة كثيرًا ومن الأشعار أكثر، وقال الشعر وخطب الخطب. «خلق الله للجمال قلوباً اجتباها من صفوة الشعراءِ سكب النور في قلوبهم السودِ فعادت تموج بالأضواءِ واستحالت مرائياً يعكس الكونُ عليها ما عنده من مراءِ واقفاً ناظراً محياه فيها في غرورٍ كوقفة الحسناءِ»