أربع سنوات قضاها "الثوار" في حُق الثورة، منهم من يجلس القرفصاء، ومن يقف على قدم واحدة كطائر الفلامنجو، ومن يتحرك بينهما بصعوبة متخذا أوضاعا غريبة كقط الرسامة الروسية بيتروفا، "زارادشت"، ورغم ضيق الحُق على أصحابه، ما جعلهم يتخذون هذه الوضعيات غير المريحة؛ لكن هذا لم يمنعهم من المداومة على دعوة الآخرين للانضمام إليهم، مُصرين أن الحُق يتسع للجميع! هذه الدعوة اللاعقلانية تتجاهل عناصر ثلاثة: - أن الثورة فعل يقع خارج التاريخ، لأنها تقطع صيرورته، وتكسر تسلسلاته السببية (وإن كانت – في الوقت ذاته – فعل في التاريخ، لأنها واقع نحياه ونتفاعل معه وقت حدوثه)، وهي بذلك فترة استثنائية دوامها من المحال المنطقي والتاريخي، هو حدث أشبه بثورات الطبيعة في فجائيتها، والعمل الإبداعي في خروجه عن المألوف، والاثنان يتفقان مع الثورة في لحظيتها القصيرة. - أن الثورة كمفهوم لإعادة بناء الإنسان والمجتمع، وكفعل دائم، تنتمي إلى نسق أيديولوجي غابر، تجاوزه العصر، واستمسك به سلفيو اليسار، ليروجوا له بين الحركات الثورية فيطعمه أعضائها! - أن "الجمهور" الذي تؤسس الثورة على قاعدته هو حالة استثنائية، لا تمتد طويلا في الزمن، لتنتقل إلى الحالة الطبيعية، متمثلة في الشعب، وبهذا الانتقال من المفترض أن يحدث تحولا من المنطق الثوري إلى منطق التنظيم السياسي (منطق الدولة)، ومن ثم استمرار الرهان على الحالة الاستثنائية (حالة الجمهور)، ومحاولة إدامتها هو أمر غير عقلاني! لكن مجتمع الحُق لا يلتفت للمنطق أو يعبأ بالعقلانية؛ لأن المحرك لنشاطات أفراده ذاتي، رغم الشعارات الموضوعية المرفوعة، إذ كان إنفاذها إلى الواقع يستلزم مغادرة حُق الثورة إلى ساحة العمل السياسي، وهو ما رفضه أغلب شباب الحركات الثورية، مكتفيا بفعل التظاهر كأداة وحيدة للتغيير، وكمصدر للممارسة فاعلية لا مجال آخر لها، وكحاجز بينهم وبين شعب يُشعرهم بالاغتراب. في رواية أخرى: أخي الثوري، أنت لم تستغل الحالة الثورية "الاستثنائية" القصيرة المدى، في تحقيق أهداف الثورة، لم تهتم في البداية سوى بإثبات ملكيتك لها، لتثمل بنشوة الشهرة والاحتفاء التي غمسك فيها النظام متعمدا، لم تبن تنظيما، أو تصيغ رؤية، أو تسد نقصا لديك، فقط استمسكت بفعل التظاهر كمصدر للقيمة، لا كوسيلة لتحقيق الهدف! أخي الثوري، إدراكك لإمكانياتك، ولطبيعة مجتمعك ونخبته، وتاريخ دولتك ومؤسساتها، أمر يُسهل عليك خفض سقف التغيير الذي تستهدفه لتُعليه أنت درجة درجة بعدها. عليك أن تدرك أن الدولة لم تهزم الثورة لولا مناصرة مجتمعك فمازال على حاله، لأنه ليس بين نخبتنا "فولتيير" و"روسو" و"مونتسيكيو" ليُثَوّروا العقول قبل الأفئدة، فيكون الطموح في إعادة بناء الإنسان والمجتمع مشروعا، حتى أنت إمكانياتك لا تذهب بك بعيدا في التغيير! أخي الثوري، عليك أخيرا أن تضع هذه الحقيقة نصب عينيك: أن انتكاس الثورة سببه الرئيس لا الإخوان أو الدولة العميقة، لا مرسي أو السيسي، بل صغارك وجهلك وانعدام رؤيتك وتنطعك في حُق الثورة! (ملحوظة: حديثي موجه بالدرجة الأولى إلى قيادات الحركات الثورية التي كانت الثورة لهم مشروعا شخصيا لا وطنيا)