في ظل الفترة الإنتقالية التي تمر بها مصر عبر سنوات ثلاث من المخاض العسير لبناء مصر الجديدة التي تبحث عن هويتها التائهة منذ 25 يناير 2011 و حتى الآن بالمرور بفترة حكم المجلس العسكري و حكم الإخوان ، و الآن ، و بعد إزاحة الإخوان عن المشهد السياسي و لازال فلول الإخوان يقاومون كمقاومة الأسد الجريح للعودة إلى سدة الحكم كما فعل فلول مبارك في الماضي يأتي سؤالاً هامًا يطرح نفسه بقوة و حتمية شديدة حول دستور مصر الجديد خاصةً بعد إيقاف العمل بدستور 2012 الموضوع ببصمات إخوانية. إن شهادة ميلاد الأمم تأتي من دساتيرها و من خلال تلك الدساتير يتم إقرار هوية الدولة حسب ما يقره فقهاء الدستور و القانون على شاكلة حضارة و هوية و جوهر الأمم و عند التطرق للهوية المصرية نبحث عن هوية دستورنا الجديد حتى تمر مصر بسلام من مرحلتها الإنتقالية المتعسرة بسبب صراعات الأحزاب و القوى الثورية و الجماعات على الكعكة المصرية خاصةً بعد سقوط نظام مبارك و تجدد الصراع بعد عزل مرسي ليظل السؤال الحائر سيد موقف السياسة المصرية لكي يتم الوصول إلى صخرة الوطن الصلبة عَبر أبناءها المخلصين. حتى لا نجلد أنفسنا و نتهم ذواتنا بإستقاء الدستور من دساتير أجنبية علينا أن نفخر بذواتنا لأن هذا الفخر حق لا مجاملة بإحترام المصري القديم لحقوق الإنسان و ذلك من خلال كلمة (ماعت) ذات الدلالات الإنسانية التي تعني الصراحة و الصدق و العدل و الحق لدرجة أن الملك رمسيس الثاني كان اسمه الإلهي (أوسر ماعت رع) أي قوة عدالة رع أو قوة عدالة إله الشمس و هذا ما يؤكد تدين الشعب المصري و ربطه الأواصر الإنسانية بالأواصر الدينية ليُبنى دستور البلاد على الحق و القوة و العدل. (الألهة ماعت رمز الصدق و الصراحة و العدل و الحق) عرف الإنسان المصري معنى حقوق الإنسان من خلال إحترامه لحقوق الإنسان في الحضارة القديمة و هي إعتراف الإنسان المصري بحق الإنسان في الحياة كتأجيل تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل لحين وضعها كما أنه لم يسمح بوأد الأطفال في وقت كان مسموحًا به في الحضارات القديمة كالحضارة الرومانية إلى جانب تطبيق مبدأ المساواة بين المصريين عَبر القانون. إن عنوان جودة الدستور تأتي من إحترام المباديء الإنسانية الأساسية و هذا ما نبحث عنه في دستورنا الجديد سواء كان جديدًا بالكامل أو معدل من خلال دستور 2012 و ذلك بالتركيز على أساسيات الحياة التي تضمن للمواطن خدمات مميزة عَبر الإهتمام بمؤدي تلك الخدمات حتى لا يلجأ إلى الرشاوى أو التقصير في العمل و هذا ما ورد ذكره من خلال المؤرخ (ديودور الصقلي) الذي عرض وثيقة هامة تقول: (إن المجتمع المصري القديم يتيح لأفراده حق العلاج المجاني حتى في أثناء الحملات الحربية أو الرحلات داخل البلاد ، وذلك لأن الأطباء يتقاضون معاشهم من الحكومة). لابد من ضمان مرتبات مميزة و كافية للأطباء و الممرضين و الممرضات حتى يضمن المواطن أعلى جودة في الخدمات الطبية حتى لا تتكرر مآسي الوفيات و التدهور الصحي للكبار و الصغار في العقود الماضية بسبب ضمور الضمائر لضمور الحكومات السابقة. في العصر الحديث تحديدًا في العام 1789 بعد إندلاع الثورة الفرنسية كأول ثورة شعبية في التاريخ الحديث ضد الملك لويس السادس عشر و زوجته النمساوية الملكة ماري أنطونيت تم وضع إعلان لحقوق الإنسان في الدستور الفرنسي في حكومة الإدارة تعلن عن: المادة الثالثة (الأمة مصدر السلطات) كإعلان صريح عن تحطيم جدار الحق الإلهي المقدس الذي وضع الملك في صورة المستبد و تم إرساء هذا المبدأ من خلال ما دعا إليه جان جاك روسو و فولتير و جون لوك و مونتسيكيو و تم الحفاظ على هذا المبدأ بعد وضع دستور الجمهورية الخامسة العام 1958 و التي تأسست على يد شارل ديجول و لكن قام ديجول بإلغاء بعض القوانين التي وردت في إعلان 1789 و التي تنافي حقوق الإنسان مثل: 1- التشريعات التي تميّز بين المواطنين في المسائل الضريبية دونما سبب تعتبر ملغية لمناقضتها الدستور. 2- لا تقبل اقتراحات للتمييز الإيجابي لأنها تناقض مبدأ المساواة. 3- نمنع الحكومة من الحد القانوني للاجتماعات لأن حرية الاجتماع حق أساسي.
بالنسبة للتعليم فالمصري القديم شجع التعليم للذكور و الإناث و كانت أول ثقافة في الأرض هي الثقافة المصرية القديمة علاوة على تكريم مصر لحكمائها من خلال هذه المقولة الخالدة التي شجعت الكتابة و التدوين (أثمن من أي ميراث في مصر ، وأثمن من أي مقبرة في الغرب) على عكس الحضارة اليونانية التي شرعت لنظام الرق و العبيد و توكيد أفلاطون لهذا في كتابه (الجمهورية الفاضلة) بحرمان العبيد و الرقيق من حق المواطنة على عكس ما كان في مصر القديمة و إستقى أفلاطون تلك العنصرية من أستاذه سقراط الذي قال: (أفخر بأني يونانيًا و ليس بربريًأ) و هذا ما جعل حضارة الإغريق تتسم بالتمييز العنصري عكس ما كان في مصر القديمة. عمل الإسلام عند ظهوره على تحرير الإنسان من جميع قيوده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حيث ساوى بين الناس جميعا وأصبحت القاعدة التي أعلنت احترام الإسلام لحقوق الإنسان هي " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وأتضح ذلك أيضا في قول النبي صلى الله علية وسلم في خطبة الوداع " أيها الناس لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا أعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى " ، كما أقر الإسلام حقوق المرأة وكرمها ، وكذلك حقوق الأطفال والمسنين ، وأقر حقوق الإنسان في الحرية والعدالة والمساواة. هنا تأسس الدستور المصري عبر عصور مختلفة حسب هويته السياسية ما بين الملكية و الجمهورية على إستقاء تشريعاته من الشريعة الإسلامية في المادة الثانية مع إحترام حقوق الأقليات كما أقرتها الشريعة الإسلامية حتى لا تحدث الفتن و التفرقة ليظل النسيج المصري في تماسك دائم أمام الأمواج المتلاطمة من جهات مختلفة. لا بد من الأخذ في الإعتبار أمواج الخلافات الأيديولوجية في كتابة الدستور ما بين الحركات الثورية المختلفة لأن كل حركة و حزب يطمح لمصر على طريقته و سليقته و هذا ما هو دائر بين حركة 6 أبريل و حركة تمرد حول حملة (اكتب دستورك) خاصةً في وجود حالة من التساؤل حول حركة 6 أبريل ما بين قبولها و رفضها للإخوان مما قد يسبب الشك في إجراءات طرح الأراء حول كتابة الدستور المصري مما يكرر خطايا ما بعد ثورة 25 يناير. من المطلوب الوصول إلى نموذج الزعيم و المناضل الكبير أيقونة التحرر الأفريقي نيلسون مانديلا بعمل تصالح وطني يوحد الهدف و الاتجاه نحو الوطن المتألم من صراعات أبنائه ما بين الكلام و الإلتحام مما يجعلنا نركز على ضرور إشراك الحركات الثورية في كتابة الدستور المصري لأن كل حركة كان لها الفضل في إشعال شرارة ثورتي 25 يناير و 30 يونيه حسب الأطر النظرية ما بين الليبرالية و الوسطية و العلمانية و اليسارية و هنا لابد من اللجوء لدرس مانديلا بتناسي ظلمات الماضي ما قبل 25 يناير و ما قبل 30 يونيه و أثنائهما و بعدهما حتى تولد مصر الجديدة ببناء لبناتها عبر لبنة كل حركة و حزب و فريق يسعى لمصرنا التي ضلت الطريق. حتى يتم هذا الحلم فلابد من المشاركة الموحدة حول تلامس إحتياجات الإنسان المصري حتى يتم على أساس الإستيعاب كتابة الدستور المأمول و المصري كما كان في القديم لا يختلف عما يطلبه في أيامنا المعاصرة فالمصريون يحتاجون إلى دستور يتناغم مع متطلباتهم و ظروفهم في أن يكون الشعب مصدرًا للسلطات و يرى توفير الدستور لإحتياجاته الصحية و الخدمية مع إحترام آدميته و ذلك لطمس ما كان في الماضي الكئيب من ممارسات وحشية ما بين مشانق من حديد و مشانق من حرير يقعان في فُلك الديكتاتورية ليُهمش المصري عن الحياة السياسية و عن كشف الفساد و عن مجابهة كل ما يُرتكب باسم حماية الوطن و مصلحة البلاد. أمامنا فرصة ذهبية لكتابة دستور مصري حقيقي يخدم الرغبة المصرية لا الرغبة الحزبية و الفكرية فلنا في العام 1954 درسًا هامًا جعلنا نفتقد لفرصة الحياة الديمقراطية السليمة بعد إعتلاء مجلس قيادة الثورة زمام الحكم بقبضة حديدية جعلت الحرية تُكمم حتى العام 1970 ليأتي عصر السادت و يتم كتابة دستور جديد العام 1971 و إذ بالدستور المكتوب يُزاح بدستور السادات كما قال من قبل الفقيه الدستوري الكبير إبراهيم درويش ليضمن الرئيس بقاءه بالحكم أطول فترة ممكنة و التي حدثت بالفعل من خلال المحامية و المطربة الشهيرة فايدة كامل التي أقترحت تلك المادة في أواخر السبعينات لتضاف بدستور 1971 حتى تضمن بقاء زوجها وزير الداخلية النبوي إسماعيل بوزارة الداخلية لتأتي الأقدار بتدابير حادث المنصة لأن دوام الحال من المُحال.