حسم الاقتراع السري الذي حدث أمس لإنتخاب رئيس البرلمان التونسي الجديد ونائبيه كل الجدل الدائر حول وجود صفقة بين الحزبين الفائزين بالمرتبتين الأولى والثانية في الانتخابات البرلمانية "نداء تونس" و"النهضة"، تقضي بمنح الأخير رئاسة البرلمان، مقابل فوز الأول برئاسة الجمهورية، حيث أفضت الجلسة البرلمانية التي عقدت أمس إلى انتخاب "محمد الناصر" القيادي في حركة نداء تونس، رئيسًا لمجلس النواب، حيث حصل "الناصر" على 176 صوتا من بين 214 شاركوا في التصويت، وبذلك تم إسناد رئاسة أول برلمان تونسي منتخب بعد الثورة لأحد قيادات حركة نداء تونس الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 26 أكتوبر، وحصل "عبد الفتاح مورو" نائب رئيس حركة النهضة التي يقودها "راشد الغنوشي" على منصب نائب أول لرئيس البرلمان ب157 صوتًا، وحصلت "فوزية بن فضة" النائبة البرلمانية عن حزب "الاتحاد الوطني الحر" بزعامة "سليم الرياحي" على منصب نائب ثان لرئيس البرلمان. يعتبر "محمد الناصر" الرجل الثاني في حركة "نداء تونس"، فهو نائب رئيس الحزب "الباجي قائد السبسي"، ويحمل "الناصر" المولود عام 1934 بمدينة "الجَمّ" في ولاية المهدية على الساحل الشرقي التونسي، درجة الدكتوراه في القانون الاجتماعي من جامعة باريس، وقد عينه الرئيس التونسي السابق "الحبيب بورقيبة" الذي حكم تونس بين عامي 1956 و1987، مديراً ل"ديوان العملة التونسيين بالخارج"، وهو منصب شغله عامي 1973 و1974، ثم وزيراً للعمل والشئون الاجتماعية بين عامي 1974 و1977، ثم بين 1979 و1985، وكذلك شغل منصب رئيس البعثة الدائمة لتونس لدى الأممالمتحدة والهيئات الدولية المختصة في جنيف بين عامي 1991 و1996، وهو مستشار دولي منذ عام 2000، وبعد الثورة التونسية، عين وزيرا للشئون الاجتماعية في حكومة "الباجي قائد السبسي" التي قادت تونس من نهاية فبراير 2011 وحتى ديسمبر 2011. أما "عبد الفتاح مورو" فيعتبر من القياديين التاريخيين في حركة "النهضة" التي حكمت تونس منذ نهاية 2011 وحتى مطلع 2014، وحلت الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو محامٍ وسياسي، وصاحب شهادة في القانون عام 1970 عن جامعة تونس، تخرج من كلية الحقوق، وقد عمل قاضياً حتى 1977 ثم أصبح محامياً، في حين تُعدّ "فوزية بن فضة" النائبة عن حزب "الاتحاد الوطني الحر" الذي حل في المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية، ناشطة متمرّسة في اتحاد الفلاحين واتحاد المرأة. فوز حزب نداء تونس بشكل كاسح بداية من أغلبية البرلمان ب86 مقعدا، مروراً بفوزه بالمركز الأول بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت 26 أكتوبر الماضي، وصولًا إلى رئاسية البرلمان، فجر العديد من المخاوف من عودة "دولة الحزب الواحد"، وتكريس سيطرة حزب واحد فقط على مقاليد الحكم، مما سيفقد تونس التوازن السياسي وسيدفع إلى العودة نحو مربع الديكتاتورية. على الرغم من تعهد "محمد الناصر" بالقيام بدور توافقي بين جميع الكتل البرلمانية والأطراف السياسية في البلاد، وتأكيد حزب "نداء تونس" على انه لا يسعى إلى الانفراد بكافة السلطات، إلا أن معارضيه ينظرون إلى مواقفه بتحفظ، حيث قال "عماد الدايمي" أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، "شهوة التسلط تغلب على تصريحات قيادات النداء، وهي تهدد الحريات، لدينا تخوف من أن يشق هذا الحزب نفس طريق حزب التجمع الذي حكم تونس لمدة ستين عامًا وثار ضده التونسيون".