"لم يلعب الطلاب دورًا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".. تلك المقولة التى اأدها المؤرخ الفرنسي والتر لاكير لم تكن من فراغ، فبين هتافات مؤيدة للحكم بالبراءة وغضب عارم معارض له، خرج العديد من الطلاب متظاهرين مبدين اعتراضهم على الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونجليه جمال مبارك وعلاء مبارك، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، ومساعديه. حيث أعلن الطلاب أمس الأحد في الجامعات بداية الانتفاضة والحراك الحقيقي الطلابي لمواجهه الفساد، فالحراك الطلابي معروف منذ سنوات. حيث أشعل الطلاب المتظاهرون بالجامعات أمس الشماريخ أثناء تظاهراتهم لرفض الحكم، ورددوا هتافات مناهضة للحكم الصادر والجيش والشرطة. وتزايُد عدد الطلاب أمس وعزمهم على تحقيق أهدافهم يبشر بانتفاضة طلابية قريبة؛ لذا رصدت "البديل" تاريخ الحركة الطلابية منذ عصر ناصر وحتى وقتنا الحالي. الحراك الطلابي في عهد عبد الناصر اعتبرت الثورة أية مخالفة لها في طريقة حل الأمور عداءً، ما حدا بعبد الناصر للتصريح بأن الجامعة تقف ضد الثورة؛ بسبب اختلاف أساتذة الجامعة معه في إدارة بعض الأمور التعليمية. وعندما وطد مجلس قيادة الثورة سلطته اتخذ عبد الناصر خطوة لم يسبق لها مثيل بطرد أساتذة الجامعات بالجملة. توقف النشاط الطلابي إبان فترة حكم عبد الناصر تمامًا، ولم يتم استئنافه إلا في الستينيات، ولكن على يد المنظمات الحكومية، كالاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب، وأما العناصر الأخرى فاتجهت للعمل في سرية مُقبضة. 21 فبراير 1968 انتفاضة الطلاب من جديد اندلعت هذه الانتفاضة على يد عمال حلوان بعد هزيمة يونيو 1967 فور إعلان حكم المحكمة العسكرية في قضية ضباط الطيران المتهمين بالإهمال في هزيمة يونيو، واعتبر المنتفضون أنَّ الأحكام كانت متساهلة للغاية مع المتهمين في هزيمة يونيو. شارك في الانتفاضة الآلاف من طلبة الجامعات الكبرى في القاهرةوالإسكندرية، وتصادف أن يوم 21 فبراير هو يوم الطالب المصري والذي تم اعتماده منذ انتفاضة 1946، ونتج عن انتفاضة القاهرة وحدها مصرع اثنين من العمال وإصابة 77 مواطنًا و146 من رجال الشرطة، وألقي القبض على 635 شخصًا، بالإضافة إلى تدمير بعض المركبات والمباني في العاصمة. أهم ما خلفته الانتفاضة على الإطلاق هو انتشار روح الثقة بالنفس بين الكتلة الطلابية، وإفرازها لقيادات طلابية جديدة غير محسوبة على النظام، وعودة التيارات السياسية المنظمة للظهور من جديد داخل الجامعة. الانتفاضة الثانية للطلاب في عام واحد بدأت اضطرابات طلابية جديدة في نفس العام في نوفمبر؛ بسبب إعلان قانون جديد للتعليم لم يوافق عليه الطلبة. بدأت الانتفاضة بمظاهرات طلاب الثانوية في مدينة المنصورة، وفي اليوم التالي استمر الطلاب في التظاهر، واتجهوا إلى مديرية الأمن والتي اشتبكت معهم، فقتلت 3 طلاب وفلاحًا، بينما أصيب 32 متظاهرًا و9 من ضباط الشرطة و13 من العساكر. انتقلت أخبار الأحداث الدامية بالمنصورة إلى جامعة الإسكندرية، فانطلق قادة الحراك الطلابي من كلية الهندسة في مظاهرات عارمة، واصطدموا بقوات الشرطة، وأصيب 53 من رجال الشرطة و30 من الطلاب، وألقي القبض على رئيس اتحاد كلية الهندسة عاطف الشاطر وثلاثة من زملائه. وصل محافظ الإسكندرية لطلاب كلية الهندسة، وحاول إقناعهم بعدم تصعيد الموقف، فاحتجزوه داخل الكلية، ولم يسمح له بالمغادرة إلا بإطلاق الشاطر ورفاقه، وبتأثير الانتفاضة ناقش مجلس الوزراء مشكلة القانون الجديد في اجتماعه في اليوم التالي لاحتجاز محافظ الإسكندرية. الحراك الطلابي في عهد السادات بدأ التذمر الطلابي أيام حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات في الجامعات المصرية منذ عام 1971 عندما أعلن أنه عام الحسم مع إسرائيل ولم يحارب، وفي العام اللتالي عندما أعلن أنه عام "الضباب" ولن يحارب، قامت الانتفاضة الأخيرة في الجامعات المصرية. وسرعان ما ألقي القبض على قادة الانتفاضة من الطلاب الماركسيين وبعض الناصريين، وأتيحت الفرصة للتيارات المؤيدة للسادات داخل الجامعة لاستخدام العنف مع التيارات المعارضة والمنددة بسياساته. بدأت اللقاءات الجماهيرية لقادة الصف الثاني للانتفاضة مع الناس وزادت المنشورات ومجلات الحائط والصدامات مع الأمن خارج الحرم الجامعي، حتى أغلقت الجامعة بقرار من الرئيس السادات نفسه. تعد هذه الانتفاضة آخر انتفاضة حقيقية للجامعة المصرية، لدرجة أن السادات شنّ وقتها هجومًا على طلاب بالاسم مثل الطالب أحمد عبد الله رزة والذي لم يتجاوز حينها الثانية والعشرين من عمره. جاءت حرب أكتوبر لتضع الحركة الطلابية في مصر في معطيات وأحداث أخرى، وتعتبر هذه نهاية الحركة الطلابية القوية في مصر، ومع بداية سياسة التعدد الحزبي بدأ الطلاب وقياداتهم في الانتماء للأحزاب السياسية الجديدة. الحراك الطلابي في عهد مبارك ظلت الحركة الطلابية تنفعل بالأحداث السياسية في مصر والعالم العربي، مثل اشتراك الطلاب في مظاهرات حاشدة تأييدًا للانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، واجتماعهم في مظاهرات حاشدة معترضين على اشتراك مصر بقواتها في ردع العراق بداية التسعينيات، ثم عام 1998 للتنديد بموقف مصر إزاء قصف أمريكا للعراق، كذلك في مارس 2003 بعد غزو العراق، حيث خرجت جموع الطلاب للتنديد بالموقف المصري من الغزو واجتاحوا ميدان التحرير. الحراك الطلابي بعد الثورة كان الطلاب أحد العوامل الأساسية المشاركة في ثورة يناير، وبعد الثورة لم يتوقف الطلاب عن التظاهر في الجامعات، سواء بالمشاركة في مسيرات يتم الاعتداء عليها، أو تنظيم عدد من الفاعليات داخل الجامعات، ولكن الحراك الطلابي ظل يسير على وتيرة واحدة منذ الثورة وحتى وصول السيسي إلى الحكم. براءة مبارك تفجر الحراك الطلابي من جديد أول أمس الاثنين أعلنت المحكمة براءة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ورجاله ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، ليعد هذا الحكم انتكاسة كبيرة للحركة الطلابية التي سقط منها مئات الطلاب ضحايا ثورة يناير، معتبرين أن هذا الحكم ظالم ويدل على غياب العدالة. لذلك اعتزمت الحركات الطلابية ألا تصمت منذ الآن، فأعلنت الحركات مشاركتها في فاعليات الأسبوع الثوري منذ غد الثلاثاء. وعن ذلك قال الدكتور محمود سلمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المحرك الأساسي لكافة الثورات في مصر كان الحراك الطلابي، مشيرًا إلى أن الطلاب هم نبض المجتمع وهم قادرون على إحداث كافة التغييرات على كافة المستويات. وأكد "سلمان" أن انتفاضة الطلاب في الجامعات لبراءة مبارك هي حق لهم، وأن الطلاب هم وحدهم القادرون على القصاص للشهداء بفكرهم وعلمهم، وهو ما لا يختلف أحد عليه. وتابع أن الحراك الطلابي إذا استمر خلال وتيرة واحدة من رفض كافة مظاهر الظلم سوف ينتهى الظلم بالتأكيد.