سعيد صادق: قضية مفتعلة للسيطرة على الحكم.. والإسلام السياسي حصان طروادة محمد عفيفي: حركة جماعية تضم أبناء الوطن.. وإثارتها مرتبط بالأزمات عاصم الدسوقي: السادات أعاد طرح السؤال لفصل مصر عن محيطها العربي جمال شقرة: القاهرة والإسكندرية كانت مدنا كوزموبوليتانية تعايش فيها الجميع طه أبوحسين: الدين محددها الأول.. و"الإخوان" لم يخطئوا في وصفها ب"الإسلامية" نجوي الفوال: نراهن علي العبقرية المصرية ونحتاج تدعيم الطبقة الوسطي والتعليم دوما ما تعيد مصر سؤال هويتها، مع كل فترة حراك جذري، ودوما ما يتقاطع السؤال مع الحضارات: الفرعونية، الإسلامية، القبطية، العربية، الإفريقية، المتوسطية. لكن محاولة جماعة الإخوان، والتيارات المُوظفة للدين عامة نزع السؤال خارج التعدد الحضاري المصري المترسخ، عبر توظيف الدائرة الإسلامية، للهيمنة على الدولة والمجتمع، أعاد طرح السؤال، الذي حسمته الهبة الشعبية التي تبلورت في ثورة 30 يونيو دفاعا عن الهوية المصرية، المتعددة الأبعاد الثقافية. لكن الخطر لم يزل تماما، لا عن مصر، ولا عن محيطها الحيوي، العربي خاصة، فهل تكفي الحكمة التاريخية الحضارية للشعب لحمايتها؟. ورغم سقوط حكم الإخوان، الديني، إلا أن قطاعا من مثقفينا مازال يضع السؤال في نفس الخندق، فد. طه أبوحسين، أستاذ الطب النفسي، يتمسك بتصدير العقيدة الدينية كمحدد أول للهوية، يقول: "وصف الإخوان مصر بالإسلامية لم يخالف واقع المجتمع"، ويستطرد: "ما يحقق الانتماء هو مدي وفاء الدولة باحتياجات مواطنيها اليومية، والنظام الذي يسمح بإهانة المواطن داخل مصر أو خارجها، يعبث بالهوية الوطنية"، مقترحا توجيه السؤال إلي الدولة: "ماذا فعلت للشعب ليشعر بهويته؟" يربط د. أبو حسين حديث الهوية بما أسماه "ممارسات مروعة للنظام، منها ما يحدث لأهل سيناء، الذين تطالبهم الدولة بأن يكونوا خط الدفاع الأول عن الوطن، ثم تأتي ادعاءات أمنية أو سياسية لتقوض انتماءهم، فالدولة هي التي تزرعه، وهي التي تهدمه". يواصل توضيح رؤيته: "الدولة مهددة، الاقتصاد منهار، وزمن الزعيم الأوحد الملهم الذي أودي بنا للتهلكة يطل برأسه، والبلد تدخل منحني خطرا قد يصلبها إلي حالة حرب". في المقابل يري د.عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ المعاصر، أن الدين لا يصنع الهوية بل هو مكون ثقافي ضمن دوائرها، ويوضح: "الهوية تراكمات صنعت المشترك الثقافي، وعادات وتقاليد واحدة تختلف من مجتمع إلي آخر، فالمسلم في باكستان لا يعيش كما المسلم في مصر، والمسيحي المصري ليس كالمسيحي الإيطالي، العربية لغة وليست عرقا، والقومية أساسها لغة تربطك بغيرك ممن يتكلمون نفس اللغة، وتربط بين من يعيشون علي أرض مشتركة ويتقاسمون عادات وتقاليد، فيما لا توجد قومية دينية، لأن الدين بشكل عام عابر للقوميات واللغات والأعراق". يرجع الدسوقي تجدد صراع الهوية لفترة حكم السادات الذي "أراد أن يخرج مصر من دائرة العروبة، لذا أعاد طرح سؤال حسمه جيل آباء النهضة مطلع القرن العشرين، وترسخ في عهد جمال عبد الناصر بأن مصر جزء من الأمة العربية ولغتها العربية بمقتضي دستور 1956، وعندما جاء السادات أضاف للدستور نص الشريعة الإسلامية كمرجعية، ليدخل دائرتين من دوائر هويتنا، الإسلام والعروبة، في حالة صدام لا تناغم". ويحذر: "يريد الإخوان تغليب الهوية الإسلامية علي العروبة، وتدعم أمريكا هذا الصراع علي الهوية منذ صعود الربيع العربي لإلغاء كلمة العروبة من قاموس العرب، فعندما احتل الأمريكانالعراق وضعوا دستورا نص علي أنها دولة فيدرالية العرب أحد مكوناتها، فلا ينبغي أن يقال جمهورية العراق العربية، وأعادوا رسم الحدود بين الأقاليم المختلفة لعزل الشيعة عن السنة عن الأكراد لإقامة مناطق طائفية، وهذا نموذج عملي يريدون تطبيقه في باقي الدول العربية. ويرى الدسوقي أن "الإخوان يخدمون الأجندة الأمريكية الإسرائيلية لتفتيت وحدة الوطن والتاريخ، رغم فشل هذه المحاولات تاريخيا"، ويعتبر أن التهديد الأكبر لمصر كان إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، "رغم أنه لا توجد تفرقة حقيقية بينهما، فيما عدا بعض التفاصيل، وعلاجها فرض دولة القانون". حصان طروادة في ذات السياق يري د.سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي، أن موضوع الهوية مفتعل من قبل حركات الإسلام السياسي للتواجد علي الساحة بخلق مشكلة والمبالغة فيها، ويتساءل: "أي هوية يقصدون؟ هوية الإخوان أم السلفييين أم السنة أم الشيعة أم طالبان؟" منبها إلى أن "كلمة الهوية قد تؤدي إلي حروب دون تفسير ماهيتها لتبقي لهم شعارا وستارا لممارسة العنف ضد المجتمع الذي يعتبرونه جاهليا، وفق تعاليم سيد قطب، وتتجاهل واقع أن غالبية الشعب المصري مسلمون ويتكلمون العربية، فالإسلام السياسي هو حصان طروادة في العالم الإسلامي"، ويقارن بين شعارات الثورة المصرية، في 25 يناير، التي قامت علي فكرة دولة مدنية لا دينية ولا عسكرية، وبين مقولات حركات الإسلام السياسي لإثارة الغوغاء بدعوي الدفاع عن الهوية الإسلامية. ويوضح صادق أن الهوية تتبلور عبر تراكمات ثقافية، يتفاعل فيها التعليم، الأسرة، الإعلام، الدين، العادات والتقاليد، مشددا على أن "ثورة 25 يناير أبرزت مصر الوسطية، وأكدتها في 30 يونيه، وأن هذه الوسطية هي جوهر الهوية المصرية التي تستوعب التعددية داخلها، ويحذر من أن ما وصفه ب"التجارة بالدين لا تنحصر في حركات الإسلام السياسي، وإنما تمتد أيضا إلي النظام الحاكم للتأثير علي الناس علي أسس عاطفية وليس وفق أدائه السياسي". أيضا يعتقد د.جمال شقرة، أستاذ التاريخ ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس، أن الهوية المصرية ماتزال في خطر، موضحا: "المستهدف الرئيسي هم الشباب، وتتعدد مصادر التهديد، من التكفيريين الذين خرجوا من عباءة الإخوان، إلى نشر المخدرات وإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بأفكار منحرفة تستهدف عقول الشباب، وبالتالي التأثير علي الشخصية والهوية"، ويري أن الهبة والثورة العنيفة ضد جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو، حدثت لأن الشعب شهد بنفسه محاولات ضرب وحدة وتجانس المجتمع، وما تبع ذلك من ضحايا ودم، فالشعب المصري طوال تاريخه عرف التآلف والتسامح مع الآخر، دون اعتبار للدين والعقيدة والعرق، وكانت المدن الكبري كالقاهرة والإسكندرية وعواصم الأقاليم، مدنا "كوزموبوليتانية" يتعايش فيها الجميع. ولا يعتبر شقرة، أن الهوية تتعرض لهجوم مباشر الآن، بعد 30 يونيو، لكنه يستدرك: "ستستمر المحاولات غير المباشرة والمتدرجة للنيل من الشخصية والهوية المصرية، لذلك يجب أن تنهض مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأسرة، المسجد، الكنيسة، المدرسة، الجامعة والنادي وغيرها، لتربي وتعيد غرس الهوية والانتماء وحب الوطن في أولادنا الصغار حتي يصعب ضرب هويتنا والتسلل إلي قيمنا"، كما يلفت النظر إلى خطر آخر على الهوية هو "ما تتعرض له دول العالم بسبب العولمة، التي تهدد الهوية الوطنية وتستخدم ضد مصر لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد. فيما ترجع د.نجوي الفوال، المدير السابق للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، جذور الصراع إلي الفقر وانحسار الطبقة الوسطي، قائلة: "ما مكن تيارات الإسلام السياسي من تفجير الصراع علي الهوية، هو إنهاك الطبقة الوسطي بالأزمات الاقتصادية خلال عصر مبارك، فهذه الطبقة في أي مجتمع هي الحامي الأساسي للهوية والثقافة والقيم والعادات، وأصبح الصراع من أجل القوت اليومي يشغلها عن ممارسة دورها الثقافي مما خلق فجوة لا تجد من يملؤها"، وتتابع: "لم يعد التعليم قناة للحراك الاجتماعي وحاملا للقيم، وليس به الغرس الثقافي الذي يحمي قيم المجتمع والوطنية والانتماء، مما أفرز أجيالا تعاني من تسطيح فكري، ودون ثقافة أو ذاكرة سياسية مما جعلهم لقمة سائغة أمام دعاية الإخوان، وغيرهم من الحركات الدينية السياسية، كما توقفت القوي الناعمة كالسينما التي حملت يوما شعارات ثورة يوليو ودافعت عن العدالة الاجتماعية عن لعب دورها في تأصيل الهوية الوطنية". الكاتب السياسي عبد السلام فاروق، عبر عن دهشته من طرح الأسئلة التي شغلت تيار النهضة المصرية في أوائل القرن العشرين، يقول: "يفترض أن المثقف المصري يعرف من هم المصريون وماذا يريدون، فنحن مازلنا عالقين في مرحلة السؤال فيما العالم يعيش عصر الإجابات لأن العلم صنع إطارا من الإجابات حتي عن الأسئلة الكلية ويتساءل "المجتمع المصري إلي أين؟"، ويري أن المجتمع حامل الهوية بات بحاجة إلي دراسات اجتماعية ونفسية لكي نعرف عن أي مجتمع نتحدث، فالمجتمع المصري بعد 25 يناير ليس هو نفسه مابعد 30 يونيه، فقد صار أكثر عنفا وتوحشا وأقل أدبا، وأن الدولة والمجتمع في حالة مخاض عسير ربما يطول لسنوات قادمة بما يعني استمرار مشكلة غياب الديمقراطية وتداول السلطة، مستعيرا توصيف الراحل د.محمد السيد سعيد "الديمقراطية المحتجزة". ويستطرد فاروق: "ثورة 25 يناير كانت نافذة أمل مشرعة علي المستقبل، لكنها لم تتمكن من صياغة شعاراتها في آليات قابلة للتفعيل، فظلت كأجمل القصائد مجرد أحلام، فيما المشاهدات والوقائع علي الأرض وأداء الحكومة يقول عكس ما نحلم به، مع التضييق المستمر عبر رزمة القوانين التي تصدر يوما بعد يوم، ومن عوامل الإحباط أن ثورة 25 يناير لم تدخل إلي دولاب الدولة رغم كونها من أهم الثورات التي مرت علي مصر لأنها ثورة أفكار فتحت نوافذ علي الحرية والديمقراطية، لكن بعض المصريين لا يحبون النوافذ المفتوحة. مدنية دستورية ويعود بنا د.محمد عفيفي، أمين عام المجلس الأعلي للثقافة، وأستاذ التاريخ المعاصر، إلي أصل المفهوم موضحا أن فكرة الهوية نشأت عن سؤال من هو؟ ومن ثنائية الأنا والآخر، ويقول إن التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تسأل سؤال الهوية إلا في اللحظات الصعبة التي تمر بها، سواء فترات حروب أوهزائم وانكسارات، ويتابع: "في الفترة الانتقالية كان سؤال الهوية مطروحا، وخطر فرض هويات أخري علي الهوية المصرية قائما، الآن صار الحال أفضل، لكن طالما لم يحدث استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يظل الخطر قائما". ويضيف عفيفي: "الهويات تصنع، ويثبت تاريخ العلوم السياسية إمكانية تغييرها وتعديلها من خلال عدة عناصر أهمها الدستور الذي يحدد بدرجة كبيرة هوية الدولة، والإعلام والثقافة ونظام التعليم، والأخير دوره أكثر واقعية من الدستور الذي يظل حبرا علي ورق". وكمسؤول في وزارة الثقافة يقول: "إن الهدف الاستراتيجي للوزارة هو إقامة دولة مدنية دستورية ديمقراطية حديثة، لذا تحاول عبر أنشطتها المختلفة نشر الثقافة العامة، وتقديم الدعم للقوة الناعمة مثلا بإقامة مهرجان القاهرة السينمائي، وإقامة الفعاليات والاحتفاليات في المواقع الأثرية التي تربط حاضرنا بتاريخنا وتقدم رسائل غير مباشرة لتعزيز الهوية، كذلك السعي للتعاون مع وزارة التعليم لتطوير علاقة شبابنا بالمسرح وغيره من الفنون". د.عفيفي يري أن "الهوية لابد أن تكون حركة جماعية تشمل أبناء الوطن وتستوعب داخلها هويات فرعية (صعيدي سيناوي نوبي وغيرها)، فيما يكمن الخطر في انقلاب هذه الهويات الفرعية علي الهوية الجماعية، أو سيطرة الأخيرة وقمعها للفرعية، وهو كبت يؤدي بعد ذلك للانفجار بسبب التناقض بين الهويات لذا يري أن الحكومة مطالبة بتشجيع الثقافات الفرعية كالنوبية واحتضانها لتظل ثقافة فرعية وجزءا من الهوية المصرية."