أيام قليلة تفصلنا عن التاريخ الحاسم لختام عام كامل من المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى (الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) بعد الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه نوفمبر 2013 الماضي، لا سيما وأن التوصل لاتفاق نهائي بين طهران والدول الست سوف يطوي ملف شائك وأجواء دبلوماسية متوترة استمرت لعدة عقود. عقدت إيران والدول الست الكبرى في فيينا اليوم الجولة الأخيرة من المفاوضات، وسط توقعات بالتمديد لمرحلة تفاوضية جديدة، أو نعي المسار التفاوضي والعودة لزمن التجاذبات والمواجهات والعقوبات والتصعيد، ويبقى الاحتمال الثالث هو الإعلان عن الاتفاق النهائي في الموعد المقرر 24 من الشهر الجاري. مع فوز "حسن روحاني" بمنصب الرئيس السابع لإيران في 14 يونيو 2013، سلطت وكالات الأنباء الضوء على الدور الذي سيلعبه الرئيس في الملف النووي الإيراني، وبدأت الإدارة الأمريكية تراهن على اعتداله في الأفكار والتوجهات، وفي 27 سبتمبر 2013 شارك "روحاني" في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأجرى الرئيسان الإيراني والأمريكي اتصالا هاتفيا، وكان لهذا الاتصال الهاتفي التاريخي ردودًا إيجابية وسلبية واسعة، لكونه أول اتصال هاتفي بعد انقطاع العلاقات بين البلدين منذ 1979، وفي أكتوبر من نفس العام انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات النووية في جنيف بسويسرا. في 24 نوفمبر عام 2013، وُقع الجانبان على اتفاق نووي في جنيف بسويسرا، نص الاتفاق على عدم إضافة أي عقوبات جديدة على إيران طوال الستة أشهر المقبلة، وتخفيف تدريجي للعقوبات المفروضة على طهران، والحرص على عدم خفض نسبة صادرات إيران إلى ما دون النسبة الحالية، وتحرير 400 مليون دولار من أموال إيران التي تم تجميدها في الخارج، وإزالة الحظر على شراء الذهب والمعادن الثمينة، وكذلك إزالة الحظر على صناعة السيارات والمواد البتروكيماوية وتصليح الطائرات المدنية الإيرانية في الخارج، في مقابل وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 5%، وإبطال اليورانيوم المخصب بنسبة 5% إلى 20%، وعدم إضافة أي جهاز للطرد المركزي في المنشآت النووية. جاء هذا الاتفاق ليحقق انفراجة في أزمة استمرت لعدة سنوات بين إيران وبلدان غربية حول البرنامج النووي الإيراني، وهو الاتفاق الرسمي الأول بين إيرانوالولاياتالمتحدة منذ 34 عامًا، حيث رحب أمين عام الأممالمتحدة "بان كي مون" بحرارة بالاتفاق، وقال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو"، إن الاتفاق خطوة مهمة في إطار الاتفاق الذي أبرم بين الوكالة وإيران في 11 أكتوبر، والقاضي بزيادة زيارات المفتشين الدوليين إلى المنشآت النووية الإيرانية، كما أعلن الاتحاد الأوروبي تخفيض عقوباته المفروضة على إيران ابتداءً من ديسمبر، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو" فقد حبس أنفاسه بعد هذا الاتفاق، وقال "ما تحقق في جنيف ليس اتفاقًا تاريخيًا بل هو خطأ تاريخي، اليوم أصبح العالم مكانا أكثر خطورة لأن أخطر نظام في العالم اتخذ خطوة مهمة صوب الحصول على أخطر سلاح في العالم". في أغسطس 2014، تقرر الإفراج عن الدفعة الأولي من الأموال الإيرانية المجمدة البالغة مليارين و800 مليون دولار، على أن يتم تسديد هذه الأموال الإيرانية المستحصلة من بيع النفط على 6 دفعات تفصل کل منها ثلاثة أسابيع. رغم الأشهر الماضية منذ بدء المفاوضات بين طهران والدول الست الكبرى، إلا أن واقع المفاوضات يقول إنه لايزال هناك نقاط خلاف بين الطرفين، أهمهما نسبة التخصيب والجدول الزمني لرفع العقوبات وفق ما قاله وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، فموقف الغرب أن لا يزيد التخصيب عن نسبة 3.5 في المائة، وأن ترفع العقوبات على مراحل وفي ضوء تنفيذ إيران لبنود الاتفاق، أما إيران فتريد نسبة 20 في المائة ورفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، دفعة واحدة، كما أن العديد من النقاط لم تحسم بعد بداية من عدد أجهزة الطرد المركزي المسموح لإيران بامتلاكها، حيث يرى الغرب أن تكون بالمئات بينما ترى إيران أن تكون بالآلاف، وصولاً إلى مصير مفاعل "آراك"، بين استمرار عمله بالماء الثقيل وتحويله للعمل بالماء الخفيف. تشير تقديرات الخبراء أن فرصة الاتفاق ضعيفة، خاصة في ضوء تمسك كل من الطرفين بسقف لا يتناسب مع سقف الطرف الآخر، فالغرب يربط موقفه من البرنامج النووي الإيراني بأمن إسرائيل، ويتخوف من سباق تسلح نووي في الإقليم في حال سمح لإيران بامتلاك قدرة على إنتاج سلاح نووي، أما إيران فقد سجلت مكسباً بإقرار الدول الست بحقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، لن تقبل بتقييد قدراتها التقنية وتمكّنها من الاكتفاء الذاتي من اليورانيوم اللازم لتشغيل مفاعلاتها النووية لإنتاج الكهرباء والبحوث، كما لن تقبل المساومة على صواريخها.